13 أبريل، 2024 3:30 ص
Search
Close this search box.

مغني التكنوقراط لا يطرب … في ظل حكم الأحزاب

Facebook
Twitter
LinkedIn

     عضو مجلس النواب والوزير وما فوقهما من أشخاص الإدارة العليا للدولة ليسوا موظفين ، وإنما هم أعضاء في السلطتين التشريعية والتنفيذية ، ويشغلون مناصبهما بالإستناد إلى المركز القانوني لإتخاذ القرار فيهما ، على وفق الصلاحيات المخولة لكل منهم بموجب الدستور والقانون ، كما إنهم يخضعون لقواعد الخدمة الخاصة خلال مدة عملهم في تلك المناصب ، بإستثناء الحالات التي ينص عليها القانون الخاص ، بتطبيق قواعد القوانين الأخرى عليهم بالإحالة ، وهم بذلك يختلفون من حيث الواجبات والحقوق عن الموظفين العاملين على ملاك الحكومة ، المحددة بموجب قواعد الوظيفة والخدمة العامة المتمثلة بأحكام قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960- المعدل ، أو قوانين الخدمة الخاصة بالهيئات والمؤسسات والجهات ذات الإستقلال الإداري والمالي ، والمحددة والموصوفة عناوين وظائفهم في الجداول المرفقة بقانون الملاك رقم (25) لسنة 1960- المعدل ، أو أية جداول أخرى خاصة بأعمال دوائرهم ، والتي تبدأ من وظيفة وكيل الوزارة أو المحافظ أو المستشار ورئيس المؤسسة … إلخ ، نزولا إلى وظائف الدرجات الدنيا في سلم الوظائف العامة أو الخاصة .

    إن سبب تأخرنا الدائم تكنوقراطيا ، هو خضوع أجهزة الدولة لآراء وتوجهات الأحزاب السياسية غير المهنية ، التي إستحوذت على مراكز السلطة والقرار من غير إستحقاق ، بإستثناء فرض تنظيماتها العددية ووجودها الهش ، بأية وسيلة ممكنة ومتاحة للسيطرة على مقاليد حكم البلاد والعباد ، فتجد أن معظم المنتمين إليها من بسطاء الناس معرفة وعلما ، فكرا وثقافة عامة ، أو من الفاشلين في تثبيت وجودهم بممارستهم التطبيقية لإختصاصاتهم وإهتماماتهم العلمية ، وتلك من عقد النقص في الوجاهة التي يحاولون تملكها بما يسمى وسائل الديمقراطية ومنها الإنتخابات التي لا تأت إلا بالضعيف مهنيا ، ولعل الدعاية الإنتخابية لسنة 2018 الحالية ، تفضخ الخور وضحالة الفكر والتفكير العلمي والمدني لدى معظم المرشحين بما فيهم النواب السابقين ، الذي يتطلب إلغاء التشكيلات الحزبية ، والإكتفاء بمنظمات المجتمع المدني ، القائمة تشكيلاتها على إنضمام المهتمين بنشاطاتها المختلفة نوعا وكما .

   إن الدعوة لتشكيل حكومة التكنوقراط ، تعود إلى حالات الخلافات السياسية الشديدة والناشبة بين القائمين على حكم البلاد والعباد ، من قبل عناصر الأحزاب الموصوفة بما ذكرنا آنفا ، التي لم تتمكن تكنوقراطيا من إدارة الدولة بعد الإحتلال الغاشم سنة 2003 ، فتنادت بعد ضغط الجماهير وحراكه المدني الرافض لإستفحال حالات الفشل والفساد الإداري والمالي والتربوي في إدارة المرافق العامة للدولة ، الذي أصاب مقتل الشعب في مقدرات إستحقاقاته ، وأحاط بعناصر العملية السياسية الرديئة بسوء المنقلب والمقام ، بعد عجز تشدقها تحت مسميات الديمقراطية والشفافية والتبادل السلمي للسلطة ، دون الإعتراف بإفتقارها لأبسط مقومات القدرة المطلوبة إداريا وفنيا ، لتحقيق متطلبات الشعب في الرفاه والعيش الكريم .

     وعليه نرى أن يتكون مجلس النواب من التقنقراط أيضا ، ضمانا لتحقيق مشتركات الفهم المتبادل بين عناصر التشريع والتنفيذ ، الموجب لضرورات التنسيق المطلوب من أجل الوصول إلى قطف ثمار الصالح العام ، الذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال توأمة الشروط الواجب توفرها في المرشح لعضوية إحدى مراكز أو مناصب السلطتين ، مع مراعاة الفصل بين أداء إختصاصات وواجبات كل منهما وكما هو مقرر دستوريا .

      إن حكومة التكنوقراط متخصصة من النواحي العلمية والمهنية التطبيقية عند ممارسة مهامها وأداء واجباتها ، يخدش صفاؤها ويلوث نقاؤها إنحيازها لموقف ورؤية أي حزب سياسي مهما كانت أهدافه وغاياته ، ذلك لأنها لا تهتم كثيرا بالفكر الحزبي والحوار السياسي ، لتعارض ذلك وتقاطعه مع آليات التنفيذ والتطبيق ، باعتبارها شكلا من أشكال الحكومات التي تعنى حرفيا بحكومة التقنية ، أو الموصوفة بحكومة الكفاءات المهنية ، وبناء على ذلك فإن الحكومة التكنوقراطية تتشكل من أصحاب التخصصات الثقافية والعلمية الصرفة في الطب والهندسة والقانون والإدارة والإقتصاد والتكنولوجيا … إلخ ، ولهم في تخصصاتهم الأكاديمية النظرية أو إهتماماتهم العملية المكتسبة ، كفاءة وخبرة عملية تطبيقية مهنية في دوائر الدولة أو في أي عمل معتبر في القطاع الخاص ، تمكنهم من تقديم الأحسن والأفضل في البناء والتطور والنمو في جميع المجالات ، لإعتقادي بظهورها كطبقة قيادية عاملة منذ قيام الدولة في عصورها الأولى ، المتكونة من مجموعة من التجار والفنيين والتقنيين الحرفيين ذو المهارات العالية المتنوعة والمختلفة ، التي إرتقت بأعمالها فأنتجت من سمي ب ( الأسطة ) في القديم القريب ، ذلك الحرفي المهني الذي تقدم صفوف أقرانه بصفات الكفاءة والنزاهة والإستقامة والإخلاص ، ليصبح مشرفا ومراقبا لا ينافسه أي من زملائه في ميادين العمل المتخصص مع تنوعه وإختلافه ، إلا إنه لم يكن من حملة الشهادات الأولية أو الإختصاصات الجامعية ، وإنما من حملة شهادات مدارس الحياة والمجتمع ، التي أهلته لحمل لواء وأدوات الإدارة والبناء والإعمار ، الشاخصة الماثلة نتاجاتها برهانا تأريخيا وأكيدا على إتقان الحرف والمهن ، بدرجات من الرقي الصناعي والزراعي والمعماري ذات الجمال والطراز الفريد شكلا ومضمونا .

     وعليه فإن مفهوم حكومة التكنوقراط ينصرف ويعبر عن إدارة غير ديمقراطية ولا بيروقراطية ، لأن قوة العمل الحقيقة فيها ، تحولت من ممثلي الشعب بالإنتخاب والتنفيذيين البيروقراطيين بالتعيين ، إلى التكنوقراط المكلفين بالإختيار الحكومي من ذوي الإختصاص العلمي والمهني الفني والتقني من العاملين في القطاع العام أو الخاص ، مدراء وخبراء ومستشارين ، حتى غدت التكنوقراطية شكلا من أشكال الحكومات المثالية والمقبولة شعبيا ، حيث يتم إختيار صانعي القرار فيها ، لمكاتب الحكم القائم على أساس الخبرة والخلفية التقنية والفنية والثقافية ، ذلك الحكم المتخذة قراراته على أسس وقواعد المنهج المهني التطبيقي القانوني والإداري الشرعي والتشريعي ، لا على أساس الآراء والأفكار والأهواء والأمزجة والمجاملات والتوجهات السياسية الخالية من الحكمة والفاعلية المنتجة ، كما تختلف الحكومة التكنوقراطية عن الحكومة الديمقراطية التقليدية ، بأن يتم اختيار الأشخاص لإشغال المناصب الحكومية القيادية فيها ، من خلال التأكد من إمتلاكهم المهارات ومقومات القدرة المناسبة ، على الأداء المتميز والموصوف بالحرص والحسم والحزم المطلوب ، بدلا مما هو متفق عليه في المعرفة والوصف المتراخي ، لمخرحات الإنتخابات التي لا تأت إلا بالضعيف مهنيا في أغلب الأحيان ، لقيامها على تقييم السلوك الشخصي ( خوش إنسان ) إجتماعيا . في الوقت الذي يتطلب الإصلاح والتغيير في مناهج السلوك والتصرفات ، إلى قدر من الشدة والبأس العادل والمنصف ، للسيطرة على الموارد البشرية والمادية ، بغية إعادة هيكلة النظام الإجتماعي والإقتصادي والثقافي ، وإصلاح المؤسسات المالية بشكل خاص ، استنادا إلى نتائج التطور التأريخي للتكنوقراطية ، وحيازتها على الإهتمام الكبير من قبل عموم الشعب ، لتتميز تشكيلاتها الإدارية والفنية بقوة النزاهة والإستقامة عند إتخاذ القرارات والإجراءات المستندة إلى التخصص العلمي والممارسة الإدارية الفعلية للعاملين فيها ، وليس لرأس الهرم الوزاري فيها ، إلا واجب نقل التوجهات السياسية العليا للدولة في مجال عمل وزارته ، إلى جهات التنفيذ المباشر والإشراف عليه ، مما يستلزم توفر مواصفات القيادة المهنية فيه ، وليس مواصفات التكنوقراط من الوكلاء والمساعدين والمستشارين والمدراء العامين ورؤساء الأقسام ، الذين يمثلون الجهاز التنفيذي المتقدم في كل وزارة أو دائرة أو جهة غير مرتبطة بوزارة .

     لقد ضعفت الحركة التكنوقراطيّة بسبب فشلها في إنشاء سياسات قابلة للتطبيق من أجل التغيير، وتراجعت منظماتها بفعل سيطرة وغلبة الجهات النافذة سياسيا على إدارة دفة الحكم ، لكنها بقيت قائمة حتى الأن ، على الرغم من تعرضها للانتقادات التي وجهت لحكوماتها التكنوقراطية ، حيث تعد غير ديمقراطية لأنها تفضل من لديهم الخبرة الفنية والتقنية للعمل في تشكيلاتها ، مع فرض إرادتها المهنية على إرادة من لا يمتلكها ، لتقيدها وخضوعها لأحكام التشريعات الرسمية عند التنفيذ والتطبيق ، ولأن الخروج عنها بدون سند أو مسوغ قانوني ،  يعني تعرض القائم بها للمساءلة والعقاب ، مع إمكانية التعدي على حريات الآخرين ، لأن الحكومة ومواردها تستخدم لخدمة القوانين التي وضعها التكنوقراط من جهة التخصص المهني ، وتركيزها على العلوم والمبادئ التقنية في الحكم ، التي قد ينظر إليها على أنها منفصلة عن الإنسانية وطبيعة المجتمع .

    لقد كان التكنوقراط عبارة عن مجموعة من المشتغلين بالعلوم ، ويدعون إلى قياس الظواهر الإجتماعية ، ثم إستخلاص قوانين يمكن إستخدامها للحكم على تلك الظواهر ، إلا أن إقتصاديات النظام الإجتماعي المعقدة ، لا يمكن أن يفهمها ويسيطر عليها رجال السياسة ، ويجب أن تخضع إدارة شؤونها للعلماء ، فكانت هذه الدعوة نتيجة طبيعية للتقدم التكنولوجي في البلدان ، التي تحتاج إلى توفير تلك الإختصاصات بإستمرار ، لغرض التطوير الإقتصادي في البلاد ، وحل مشاكل العاطلين عن العمل ، وإنجاز التطوير العملي والإنتقال من مجتمع إلى آخر أكثر ملائمة ونموا .

     وعليه كان من الموجبات التي لا بد منها ، وضع الإطار العام لرؤية التظاهرات والإعتصام ، التي تحدد مطالب الشعب بالتغيير ، على وفق إستراتيجية التنفيذ المتدرج وحسب الأولويات المستقبلية ، التي رأيناها ولم نجد لها أذنا صاغية ، وفي مقدمتها تبديل الدستور في المرحلة الأولى ، التي تختص في :-

1- تشكيل وزارة من المستقلين التكنوقراط .

2- إصلاح القضاء ومحاسبة سراق المال العام  .

3-  تعديل قانون الإنتخابات .

4- حل الميليشيات  

المرحلة الثانية :-

1- معالجة قضايا الفساد الإداري والمالي من خلال:

أ- إشغال وظائف المراكز والمواقع المتقدمة في دوائر الدولة ، إستنادا إلى مؤهلات الكفاءة والخبرة المهنية الفعلية .  

ب- تشريع وتعديل التشريعات اللازمة لمتطلبات الإصلاح .

2- النهوض بواقع عمل قطاعات الخدمات بشكل عام  .

3- رعاية وتطوير قطاعات العمل الزراعي والصناعي .  

     ولكن مغني التكنوقراط لا يطرب في ظل حكم الأحزاب . لأن الحاجة إلى مجلس نواب من التكنوقراط … وحكومة تكنوقراط لإنجاز الأعمال بأقل وقت وجهد ومال … لا ينسجم ولا يأتلف وجودهما إلا في الأماكن الخالية من سلطة الأحزاب .   

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب