قصفت الطائرات الأسرائيلية مصنع اليرموك السوداني ودمرته بالكامل, مدعية إن هذا مصنع إيراني يزود قطاع غزة وحزب الله بالأسلحة والمعدات .وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة فإيران ليست بحاجة لأقامة مثل هذا المصنع في الأراضي السودانية ,والدليل إن السفن الحربية والمدمرات الأيرانية تجوب البحار. ورست بعضها في ميناء بورسودان السوداني بعد أقل من إسبوع من تدمير هذا المصنع, وبإمكان هذه المدمرات والسفن الحربية الأيرانية نقل هذه الأسلحة الى السودان بدل تصنيعها هناك.
إذن هناك مغزى من ضرب هذا المصنع .وإن قصفه لم يكن تصرفا إسرائيليا منفردا بل بالأتفاق مع دول كبرى ترعى إسرائيل وبالتنسيق مع دول من المنطقة لتأمين هذه الضربة ونجاحها.
هناك رسالة هامة وراء هذه الضربة موجهة الى إيران وحلفائها , من أن إسرائيل ومن معها سينفذون تهديداتهم تجاه إيران والمصطفين معها, وهذا يندرج ضمن الترهيب والتخويف والضغط النفسي المضاف للضغط الأقتصادي بالعقوبات المفروضة على إيران وسوريا, ودرج حماس وحزب الله ضمن لوائح المنظمات الأرهابية,وهذا طبعا خلاف للواقع فإسرائيل هيّ الدولة الوحيدة في العالم التي تحتفظ بمستعمرات في فلسطين وهي الدولة الأرهابية بإمتياز.ولكن الغرب يغض الطرف عنها وكذلك الدول العربية التي لم تحرك ساكنا تجاه قصف مصنع سوداني لدولة عضو في جامعة الدول العربية . لأن حكام هذه الدول لا يتحركون إلا ضمن المصالح الأمريكية ولا جدال في هذا.
أما المغزى الآخر والذي لا يقل أهمية عن الرسالة الأولى فهو تأمين جمهورية جنوب السودان , التي إنفصلت عنه . لأنها حليفة لأسرائيل وهي مدعومة من قبلها ويتبنى الغرب وأمريكا تثبيت أقدامها وترسيخ كيانها وإقتطاع أراض أخرى من السودان لألحاقها بهذه الدولة الأنفصالية, لأضعاف السودان. وهذا فصل من فصول خريطة الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به كوناليزا رايس..وهذه الخريطة واضحة المعالم بالنسبة للمتتبعين المنصفين الذين يرون إنه مخطط لتمزيق بلاد العرب وتحويلها الى دويلات صغيرة طائفية أو عرقية أو قبلية.
و اللافت للنظر إن الحكام العرب يسيرون في هذا المخطط مغمضي الأعين ودون إدراك لمخاطر هذا المخطط عليهم شخصيا, وعلى أنظمة حكمهم, رغم الشواهد والأحداث والتغيرات التي سُميت بالربيع العربي وتداعياتها, فلقد تخلى الغرب وتخلت أميركا بالذات عن اقرب حلفائها وأكثرهم إخلاصا لها, وأقربهم إليها, وعرابي سياستها ومنفذي مخططاتها عندما شعرت وتيقنت إن ورقتهم إحترقت ,ولابد من تبديل الوجوه والمسميات السياسية.
لا يدرك الحكام العرب خطورة هذا المخطط فهم موغلون في العداء للحقيقة. وهم مصرون على ذات النهج, الذي يهمش الشعوب, ويصادر حريتها وحقوقها التي أقرتها الشرائع السماوية والوضعية ولوائح حقوق الأنسان ,هؤلاء الحكام أذرع الغرب من أمراء الخليج يحركون البعض لأثارة القلاقل والأضطرابات في بلدانهم بدعوة المطالبة بالديموقراطية والدستورية. ولكن وراء الأكمة ما وراءها. فالهدف هو البلبلة والفوضى. فلماذا لا يبادر هؤلاء الحكام لتبية مطالب الشعوب بسلاسة وتفويت الفرصة على من يريد بهم وبشعوبهم الأذى؟ و لماذا لم يتعظ هؤلاء بما جرى لغيرهم؟أليس هذا أسلم لهم ولشعوبهم؟
وها هيّ سوريا تمر بذات التجربة العراقية فإنحدرت الى حرب أهلية , بعد أن تعنت النظام وتأخر عن تحقيق المطالب العادلة لشعب سوريا. و ما ذهابه للحل العسكري إلا إنزلاق خطير الى هاوية المجهول.حرب مدمرة وتشريد وإرهاب وتدمير بنية بلد بالكامل.
كما إن المعارضة ومع شديد الأسف غير واعية ,وغير مدركة لنتائج التعنت ورفض الجلوس لطاولة الحوار, لأنقاذ سوريا من مصير يدفع له الأعداء, وبمقدمتهم إسرائيل. ويعينها على ذلك دول إقليمية ودولية.بعد كل ما جرى في سوريا فإن جميع عقلاء العالم يرون في وقف طلاق النار ووقف العمليات العسكرية والجلوس لطاولة الحوار بمرجعية محايدة هو الحل, ولا بد من فرض الحل على كل الأطراف حفظا لسوريا وللسلم الأهلي فيها , وعدم إنتشار لهيب هذه المعركة الى الجوار مما يعرض السلم الأقليمي و العالمي للخطر.
إن تدخل الغرب المكشوف وعملاء أمريكا هوما يفسد الحلول, فأمريكا والغرب والحلفاء يرسلون الأسلحة والمعدات علنا الى المعارضة. ولكنهم يحظرونها على النظام السوري. وهذا تأجيج للفتنة وإيقاد لنارها. فالمفروض حجب السلاح عن الجميع لا الأنحياز لطرف. إن الأحتراب في سوريا سيستمر الى ما يعلمه الله إن بقيّ الحال على ماعليه. و إن لم ينثني الحكام في سوريا عن الحل الأمني ويجنحوا لتحقيق آمال السوريين بالحرية والكرامة .وتنثني المعارضة عن ذات النهج وتجلس للحوار لأنتقال السلطة سلميا لمن يريده شعب سوريا لا لمن يفرضه السلاح والقوة والدعم الأجنبي. فإن الخطر داهم والنازلة ممحقة للجميع ومدمرة للجوار.ولكن سياسة التصعيد في سوريا تلتقي مع المأرب والغاية من قصف مصنع اليرموك ألا وهو خارطة الشرق الأوسط الجديد ومن خلال الفوضى الخلاقة.
ليس على سبيل الدعم والمآزرة زيارة امير قطر لغزة ولكنها زيارة تهدف لتكريس الأنقسام الفلسطيني اولا, ولأبعاد حماس نهائيا عن سوريا وحزب الله وإيران , وردا على زيارة الزهار لأيران, وتصريحاته الأخيرة عن الدعم الأيراني .وهذا يندرج ضمن خطة تفتيت القوى المعارضة للسياسة الغربية في المنطقة المساندة للإحتلال الأسرائيلي لأرض العرب والمسلمين فلسطين.
فهل سينجح أمير قطر ومن وراءه, ومن يطلب منه هذا في مسعاه لتفتيت قوى العرب لصالح إسرائيل؟ ربما ففي جهل الساسة وذيليتهم ما يسهل هذا .