18 ديسمبر، 2024 9:11 م

مغزى التباكي الأمريكي على سنة العراق !!

مغزى التباكي الأمريكي على سنة العراق !!

إن الذي يقرأ تاريخ المجتمع الأمريكي منذ عام 1492 – حين حط كولومبس رحاله على أرض تلك القارة العذراء – ولحد كتابة هذه الكلمات ، سيلاحظ دون كبير عناء انه ليس من أخلاق الأمريكان ولا من شيمهم الإنسانية ، التباكي على مشاهد الدمار ومسلسل النكبات التي تتعرض لها شعوب المعمورة ومجتمعاتها ، لا بل انه سيجد – على العكس – إنهم كانوا ولا زالوا من أوائل المستفيدين من تلك المآسي والفواجع طرا”، هذا إن لم يكونوا هم لا غيرهم من تسبب بوقوعها أو ساهم في حصولها ، وبالتالي شجعوا على ارتكاب ما تمخض عنها من جرائم إنسانية وانتهاكات أخلاقية ! .

واليوم وبعد كل الذي جرى ويجري ، جراء الجريمة النكراء التي اقترفها البرابرة الأمريكان بحق العراق (أرض وشعب وتاريخ وحضارة وهوية) ، عبر عدوانهم الهمجي في الحادي والعشرين من آذار عام 2003 يتساءل المرء ؛ هل إن موقف ودور الأمريكان الحالي ضمن ما يسمى (بالتحالف الدولي) ضد داعش ، نابع من الشعور بالذنب حيال ما اقترفته أيديهم الملطخة بالدماء ، ليس فقط إزاء (السنة) أو (المسيحيين) أو (الايزيديين) أو حتى (الشيعة) – الذين غالبا”ما يجري التعامل معهم بريبة وحذر- فحسب ، وإنما حيال جميع مكونات المجتمع العراقي بلا استثناء ، كما أثبتت الوقائع المؤلمة وبرهنت الأحداث الدامية على مدى أكثر من عقد ؟! ، أم تراهم يتصرفون هكذا بوحي من غرائزهم البراغماتية النفعية ، دون تمييز بين هذا الطرف أو ذاك ، ودون اعتبار لهذه الجهة أو تلك ، رائدهم في ذلك مصالح الطبقة السياسية الحاكمة المتحالفة مع كبار رجال المال والصناعة والعسكرة ؟! .

والواقع إن محاولات الأمريكان إظهار حرصهم المرائي على مصالح المكون (السني) ، في خضم الصراعات السياسية والتحركات الدبلوماسية والمخططات الأمنية ضد عناصر الإرهاب في العراق وعموم المنطقة ، ومن ثم الإيحاء – من طرف خفي – بان حقوق هذا المكون تتعرض للتسويف ومصالحه يجري إهمالها ، لا في مضامير السياسة والأمن والاقتصاد فحسب ، بل وكذلك في ميدان الجغرافيا ، من قبل حكومة طالما جرى تذكيره بأنها محسوبة على حصة المكون (الشيعي) ، بغية زيادة حدة الخلافات البينية على المستوى السياسي ، ودق أسفين الكراهيات المتبادلة على الصعيد الطائفي ، ولكن لماذا ؟! .

أولا”؛ لإبقاء موضوع تقسيم الجغرافيا العراقية على أسس عرقية (عربية وكردية) ، وطائفية (سنية وشيعية) مطروح على جدول أعمال جميع القوى السياسية بصرف النظر عن توجهاتها المحلية واجنداتها الإقليمية وعلاقاتها الدولية ، بحيث يتعذر عليها – فيما لو رغبت – الاتفاق على صيغة وطنية مناسبة تنأى بالعراق عن مشاريع التقسيم إلى كيانات وشظايا متصارعة ، كما خططت له الإدارات الأمريكية المتعاقبة ولاسيما الأخيرة .

وثانيا”؛ تخفيف حدة الضغط العسكري والنفسي الذي تتعرض له عصابات الإرهاب المنتشرة في المحافظات (السنية) ، من قبل قوات الجيش الوطني والشرطة المحلية والحشد الشعبي –

لاسيما وان الأخير يشكل ، من منظور ديني وسيكولوجي ، المعادل الموضوعي لقدرة العناصر الإرهابية في مضمار المنازلة والمطاولة – التي لم تفتأ المعارك والمواجهات اليومية من تصليب عودها وفولذة إرادتها وصقل خبرتها ، مع الأخذ بنظر الاعتبار الفروق النوعية بين الجبهتين ، لجهة الإيمان بعدالة القضية وصواب المعتقد اللذان يجري الاقتتال على خلفيتهما .

وثالثا”؛ توسيع رقعة الصراع الدائر وخلط أوراق لعبته والتلاعب بطبيعة أطرافه ، بحيث يتم نقل مركز الثقل فيه من الجبهة الخارجية (بين داعش والحكومة) إلى الجبهة الداخلية ليس فقط (بين الشيعة والسنة) فقط ، بل وكذلك (بين السنة أنفسهم) ، طالما إن هناك قسم منهم يؤيد الحكومة ويسير في ركابها ، وقسم آخر يعارضها ويقف بالضد من توجهاتها ، وقسم ثالث يعمل تحت غطاء (الخيمة الأمريكية) ، وهو الأمر الذي يفضي إلى إضعاف الجميع وكسر شوكتهم واستهلاك طاقاتهم .

رابعا”؛ زيادة توريط الحكومة الإيرانية في ميادين القتال العسكري واللوجستي ، والعمل على استدراجها للوقوع في مستنقع الفوضى العراقية لسببين ؛ الأول لاحتواء زخم قدراتها وتطلعاتها عن طريق مضاعفة أعبائها الاقتصادية والمالية وزيادة مشاكلها السياسية والاجتماعية ، بحيث يستنزف هذا الجانب الكثير من إمكاناتها المادية والمعنوية ، ويقلل من سقف طموحاتها الإقليمية والدولية ، وإجبارها من ثم على عدم تجاوز الخطوط الأمريكية الحمراء . والسبب الثاني اتخاذ التورط الإيراني في العراق كذريعة معقولة ، لجعل الدول الخليجية تسارع لوضع جميع قضاياها المصيرية ضمن الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ، مع قرصة أذن تحذيرية لبعض من يحاول الخروج عن عصا الطاعة الأمريكية ، أو من توسوس له نفسه أن بإمكانه الاستقلال بقراره الوطني عن إرادة العراب الأمريكي .

وهكذا يبدو إن الإدارة الأمريكية الحالية – كما هو حال غيرها من الإدارات السابقة – لا تتباكى على مصالح (السنة) ، عبر المطالبة بتدريبهم وتسليحهم بعيدا”عن سلطة الحكومة المركزية ، بحجة محاربة عناصر داعش وتحرير محافظاتهم المحتلة ، بقدر ما تضحك عليهم وتستهزئ بهم ومن ثم تضحي بالجميع على مذبح مصالحها الإستراتيجية ، التي كانت وستكون دائما”وأبدا”على حساب آلام الشعوب ومصائب الأمم ، حيث إن طغيانها السياسي ورخائها الاقتصادي وتفوقها العسكري وتزعمها الكوني ، قائم على تأجيج الحروب بين الدول وتغذية الصراعات بين المجتمعات ، دون النظر إلى شرعيتها الإنسانية أو مسوغها الأخلاقي !! .