المغزل هو المتحرك الرئيس في الرواية فالأشياء الآفلة (..تمارس علينا سلطتها بدهاء..تلعب لعبة الحياكة ، تنسج حولنا شباك الحنين ../ص9)..المغزل يغزل الحكي رواية ً وشَعر الماعز ..خيمة ً وهي خيمة مثنوية القيمة: (خيمة لأشعر بأنني تحت سماء لاسقف لها أو…تحت سقف لاسماء له ../ ص8)….المغزل يواصل الدوران على الحكاية، ليمنح السرد خيمة بنكهة القرنفل ، للمغزل غواية الموسيقى على الجسد الروحي..(..تويما أكثرهن مواظبة على سرد حكايته ، كلما حاكت أو نسجت السدو ).. والمغزل لايتوقف وفي الصفحات الاخيرة ، يوجز غزله السابق ، بدءاً من ص160 حتى 250 وهذه المسافة الورقية التي تقارب التسعين صفحة هي سماء أنيقة من شعرية السرد تقترب من صيغة حاشية :على المائة والستين صفحة التي تنتهي بمقتل ماران حبيبة سعدون الابهر ،ألتقط وحدة صغرى كشاهد شاهد عدل على قولنا هذا بخصوص المتن والحاشية النصية في الرواية ذاتها ..(ماالذي حدث مع الابهر، بهذا الشأن .. بحدسي الشخصي كانت ماران المرشحة الاقوى ..أما البقية فهي ،، كولاج ،، ماهر بين الطارىء والعابر / 212) ..والمؤلفة لينا هويان الحسن من وظائفها السردية تفكيك (شفيرات المغزل ..الذي تدور فيه البكرة وتبرم صوف الحكايا ) .. مغزلٌ ينسج الاشياء ليتخلص من الامكنة وذواكرها وهناك أنثى تلتقط الغبار من شقوق ماض يموء وراء اسرار محفورة في شخصانية الصخرة ؟ لكن اي قراءة للرواية تجعلنا ننسى المغارات ،الكهوف ، لسعة الصحراء ،بيت الابهر في بغداد ، غرفة كرستين البسيطة الاثاث ،خيمة زواج فارس وتويما ، عين الابهر المتلصصة التي تستعر ناراً من طاسات الماء التي تلقيها ماران على طراوة جسدها في ليل الحمام المحروس بذلك الفانوس ، عمى اللبوة ميه ،عواء الكلب المستذأب حردان ونباحه الاول والأخير ..
(*)
كل اسم مختوم برائحته :
*الشيخ ضاري : تفوح منه رائحة التبغ مختلطة مع دهن العود ذاته الذي كان يفوح من والد سعدون الابهر وشقيقه عناد ..
*مشهود الفدعان : تسبقه رائحة البارود أينما حل مع شيء من التبغ وشيء من رائحة بول الإبل..الذي كان يدفء به يديه في صباحات الشتاء القارصة ..
*مناحي تفوح منه رائحة زيت الخروع ممزوجة برائحة التتن الحموي .
*عبق عقد القرنفل : سيد الروائح وبطل الزمان وتميمة العشق الذي شمسه لن تغيب وآية المرأة / الكوكب ذات الجمال اللانهائي : ماران …كل هؤلاء وغيرهم : تصاعدوا يراعات وطافوا حول بنات نعش في الاعالي ،وهؤلاء كلهم : تضرجوا كشقائق النعمان في فضيلة العراء الصحراوي المديد ..
(*)
كل شخص من هؤلاء مفضوح بأيقونته :
*رمح من القصب مزيّن بريش النعام : سعدون الابهر
*جرن قهوة، من خشب ،،السويد،،: العبد مبارك
*بابوج ،زوجة ذاك الذي خلع اسمه الاول والتقط اسما يليق بجرحه : يوسف الذي كان أسمه سليمان .
*آنية من الكرستال مليئة بالماء يجاورها حجرٌ أسود مخضر صقيل : كرستين
*خيام منصوبة فوق سطوح بغدادية : بيوت البدو الذين أغوتهم بغداد بجمالها
(*)
السدو / السرد : مفردتان تتجاوران صوتيا وفي هذا الفضاء الرملي سيكون السرد سدوا حتى في غرف المدن .في هذه الرواية ليس الانسان وحده كائنا نصيا ،فالكينونة النصية توسق : الزوبعة / الكهوف / التسميات / الروائح / الحيوان / البنادق / الجوارح / الخيمة ..كل كائن في هذه الرواية يبحث عن لهب ليس كاللهب
(*)
الفضاء الروائي يبدأ من بغداد ثم : حلب ..بيروت ..خان السهم ..إمارة المنتفج ..وصولا الى
نجد ..
(*)
تتناوب الشخصيات بسرد سدو الرواية
*الساردة / المؤلفة
*تويما
*عم المؤلفة
*مناحي يسرد شعرا
*ثامر يتحدث
*كرستين تستأنف سرد شهرزاد الليالي الألف .
(*)
الحكاية الرئيسة : هي حكاية سعدون الابهر وهي باب مفتوح على متواليات حكائية ثرة ،سعدون هو المفتتح وهو كذلك مايلي خاتمة سرد السدو .وحكاية الابهر مسرودة شعرا على لسان ابنة عم الساردة / المؤلفة ( أسرتني حكاية الأبهر ..التي سمعتها بشكل متقطع خلال طفولتي.. دائما أتت سيرته، خلال قصيدة قديمة تغنيها احدى بنات عمي..ربما تويما كانت أكثرهن مواظبة على سرد حكايته /126) وهاهي الساردة / المؤلفة تشعرن سردها وتدوفه ُ بالرمل والعواء والثغاء والصهيل ورائحة البارود ودهن العود والمسك والخضيرة وهي محاولة للموزانة بين هذا التشكيل وما يتألق ويتأرج في الكفة الثانية التي ستكون هي الراجحة خلاخيل تصل ولاتصل وعقد قرنفل ينبض عشقا ..
(*)
الحكي ينبجس ولايتوقف :
*حكاية جمرة / 54
*مغارة عروس جني /56
*مغارة الحجل/ 57
*حكاية البيك/ 57
*حكاية يوسف /62
*حكاية عمشة المقتولة / 86
*حكاية فارس /101
*حكاية سرسك الفتاة ثم …الفرس /112
*حكاية الكلب حردان
*حكاية اللبوة ميه
*حكاية طراد السالم
*حكاية الفرس شربة ريح /139
*حكاية الصناديق الصخرية في جبل رجوم اللبن / 160
*حكاية الساحر المغربي / 162وهو يسردها على سعدون الابهر في احدى
خانات حلب .
*حكاية القصر الروماني الداثر / 170
*حكاية الطير في بيت ناره /
*حكاية القاضي الذي خسر كل شيء في لعبة البريدج/ 188
*حكاية مروض الاسود الروسي/ 198
*حكاية كرستين / 203 ،ثم نكون مع كرستين بوظيفة شهرزاد الليالي الالف تسرد بتلفيق
يوائم شبق الباشا ،ثم تسرد نمط حياة الباشا وفق قوانينها
*حكاية فارس بقلم ضابط الاستخبارات الالماني كارل رضوان / 214 ومن كتاب الالماني ستغذي المؤلفة روايتها حول نهاية فارس/ 215
(*)
المؤلفة ذات الاصول البدوية، خانت بطريقة فنية مراسم النسيان التي (يمارسها البدو، فهم يدفنون موتاهم ببطن الارض ،دون ان يؤطروا القبور بعلامة ما..دون أي اشارة أو رمز ..فتضيع قبور أمواتهم في متاهة الصحراء ..يوفرون على أنفسهم النحيب المتبادل بينهم المكان ،يبترون الصلة بينهم وبين الأمكنة عبر الرحيل ../ 221)..لينا هويان الحسن ، لم تنبش قبرا بل نفختْ فيهم من روح السرد الروائي ، فأستعادوا حيواتهم وسكنوا ذواكرانا، بفعل الكتابة وجعلتنا لينا ، كلما صعدنا سطوح بيوتنا وتأملنا تلك الزرقة الرحيمة ،سنبحث عن بنات نعش لنستعيد القرنفل والخلاخيل ..
(*)
لدينا مثلث يتأرج عشقا ويتضوع من المثلث ذاته بنفسج تراجيديا باهظة التكاليف .
*سعدون الابهر وماران
*فارس وتويما
*يوسف وزوجته التي قتلها ..
(*)
تشتغل الرواية على زمنين : زمن الحدث الروائي وزمن آخر بينه وبين الزمن الاول فاصلة زمنية ليست قصيرة وبشهاة المؤلفة لينا هويان الحسن ..(أنني أخترعت القليل في هذه الرواية ..رغم مرور أكثر من سبعين سنة مرت على أحداثها ../ ص2).. الزمن الآخر هو زمن كتابة الرواية لإستعادة الزمن الاول ..وهذا الكلام لاينتهي مع مقدمة الرواية التي كتبتها لينا ،بلا عنوان
(*)
حينما تضن عليها تويما الثانية وهي سمية تويما الاولى، حين تضن تويما الثانية بالحكي ستلوذ المؤلفة بعمها فيحكي لها قراءة البدو التأويلية ل بنات نعش ، ومن خلال حكي العم لأبنة اخيه مؤلفة الرواية ستنطلق رغبة السرد لدى المؤلفة وهي فاعلية أرضنة للمتسامي الاشاري بصيغة منظومة نجمية يطلق عليها بنات نعش وهكذا ستتم أرضنة الحدث / الجريمة ووقعنتها بالشهود والوثائق التاريخية والكتب المنشورة وبشهادة المؤلفة لينا هويان الحسن ..(في تلك الليلة تحديد بدأت حكايتي بالتحرش بأبطال روايتي هذه ../ص7) إذا كانت جذور الرواية في حكاية فلكية (بنات نعش ) وكيفية تأويلها بدويا ثم اختزالها قولا مأثورا (الذابح سهيل والمتهوم الجدي ) ..فأن المؤلفة لم تنتج نسخة طبق الأصل بل اشتغلت اجتماعيا على مرحلة احدثت رضة في المنطقة العربية بسبب اطماع استعمارية متناحرة فيما بينها ..بهذه المعلومة التاريخية ندخل الرواية (بعد مقتل اللفتانت كولونيل جيرالدي لجمن الملحق بالادارة البريطانية في العراق في خان النقطة في 12 آب 1921 رصدت الحكومة البريطانية مبلغ عشرة آلاف روبية لمن يأتي بالشيخ ضاري حياً أو ميتا /ص4)..
(*)
.ستنتقل كتابة المؤلفة من السرد الى الميتا سرد وتحديدا في ص209..(عندما وصلت ُ الى هذه النقطة من روايتي تضاربت الآراء ..والروايات التي سمعتها بشأن إخراج ماران من قبرها ودفنها في مكان سري ../ 209) ..ثم تقطع السرد منتقلة الى الميتا سرد ثانية ..(في حكاية الابهر حاولت البحث عن وثنه الحقيقي .فثمة وثن وثمة أشباه له../ 212) هنا تشتغل لينا هويان الحسن على البحث عن مثال الانا الذي تماهت روح الابهر فيه حد التلاشي ،ثم تواصل المؤلفة سرد شخوصها وزمنهم الآفل عن لحظتنا الراهنة ..وفجأة تعود الى الميتا سرد ، لتخبر القارىء بالحدث التالي ..(لم يخطر لي أنني سأقرأ تفاصيل موت فارس على هذا النحو من الوضوح ..تفاصيل الساعات الأخيرة من موته ِ..منذ بضع سنوات ،فيما كنت ُ أحاول جمع فقرات حياة أبطال روايتي هذه..قرأت ُ صدفة مذكرات كارل ..الضابط الالماني الذي جال بين البدو..كارل كان صديقا لفارس ،وقد عبرا صحراء النفوذ سويا، وخاضا عدة معارك ورحلات صيد كثيرة..وعندما كَتَب َ مذكراته بعد أكثر من ثلاثين سنة رفع الاهداء الى فارس ،، نم ياسليل الحرب ..لاتكترث للرمال عندما تهيج حول مدفنك ..تويما مازالت تنتظر..،، ../ص214)..
(*)
الرواية تلصق الوثائقي في متنها او في استهلالها ،ثم تكسر إطاره بجرعات من المخيال الضروري لتوسيع الفضاء الروائي وهكذا تجترح موازنة الآواني الفنية المستطرقة .
*لينا هويان الحسن / بنات نعش / دار ممدوح عدوان / دمشق / ط3 / 2008