تُفسَّر الانتخابات البرلمانية في العراق غالبًا على أنها مجردعملية لجمع الأصوات من الشارع العراقي، بغية الوصول إلىعالم مليء بالمغانم المادية والمعنوية، كالمال والسلطة والنفوذ.
ولهذا نرى الجميع يتهافتون على الترشح والفوز بالمقعدالنيابي؛ فالهدف واضح للجميع: الظفر بهذا المنصب الذييغيّر سلوك الشخص وتصرفاته، ويدفعه نحو عالم الصفقاتوالمقاولات السياسية.
إن ما يدور داخل قبة البرلمان بات مكشوفًا للجميع منذ زمنطويل؛ فالوضع هناك لا يعدو كونه عملية لتقاسم “الكعكة“،حيث يركض الجميع وراء المكاسب الشخصية.
والسبب لا يقتصر على المنصب وحده، بل يشمل ما يجلبه منأموال ونفوذ وإغراءات. كم من شخصية ادّعت الوطنية فيالماضي وتدّعيها اليوم، لكن أحوالها تبدلت، واتجهت فيمسارات تخالف ما قدّمته في برامجها الانتخابية، التي طالمانصّت على خدمة المواطن والدفاع عن حقوقه وإيصال صوته.
حتى المزايا التي يستخدمها النائب لكسب الجمهور ليست فيحقيقتها دليل حب أو وفاء، بل مجرد تصرفات يُضطر إلىالقيام بها، يُظهرها فريق إعلامي محترف يلتقط له لقطاتمؤثرة في الشارع، قد تكسبه ودّ جزء من المجتمع. غير أنّ هذهالأفعال في حقيقتها وسيلة للاستمرار في حصد أصواتالناخبين، وضمان البقاء في “العز والترف” الذي لم يكن يحلمبه في السابق، لكنّ الفرص سمحت له أن يصبح ذلك المسؤولالمهم.
وليس بخافٍ على أحد أنّ الساحة السياسية شهدت صعودشخصيات كانت “تكاد لا تكتب“، لكنها اليوم، بفضل أموالهاالاستثمارية، صارت “قادة سياسيين” لهم جمهور وحماياتوأصوات مؤثرة. ويا ليت هذه الأصوات المؤثرة كانت في صالحالشعب! لكنها ليست سوى حيل تُستغل لأغراض انتخابيةبحتة.
فكيف بوزير ينتمي إلى جهة سياسية وحزبية ، وله منصبحكومي، عمل طوال الفترة السابقة على كسب ودّ الشارعومحيط عمله، ثم يرشّح الآن للبرلمان مستفيدًا من كل ما رصدتهله الكاميرات في كل مكان؟
متى سنرى مسؤولًا يعمل من أجل الوطن لا من أجل الحزب أوالكتلة أو الانتماء العرقي أو المذهبي؟ إنهم يستخدمون فرقهمالإعلامية لخداع المجتمع، فيما تكشف الاختبارات الحقيقيةلتلك الوجوه السياسية أنهم لا يحظون بأي نسب تأييد عالية.
ولن يصوّت لهم إلا قلّة من أصحاب المصالح والطبقة الغنيةالذين أصبحوا “وجهاء” بفضل تجنيدهم الآخرين من أجلالسرقة وتحقيق مآربهم الدنيئة.
الدعايات والصور واللافتات وشهادات الشكر والتقديروالتعيينات والوعود… ما غايتها؟ أليس الأجدر أن تكون هذهحقوقًا أساسية للمواطن، لا مجرد أدوات دعائية انتخابية؟ أينالديمقراطية وحرية الرأي؟ أين “الكهرباء“؟ وأين “القرارالواحد” و“النظام“؟ من يقول بوجودها فهو واهم، لأن القائمإنما هو نظام يتبدل حسب المزاج السياسي، و“نقاط تشغيل” تعمل وفق ما يخدم مصالحهم.
ولماذا لا تُجرى الانتخابات في حرارة تموز أو لهيب آب؟ بل تُقامفي فصل الخريف واعتدال الطقس، لتخرج الحكومة والوزارةقائلتين: “انظروا إلى الإنجازات“، والكهرباء مستمرة! والشعبينسى سريعًا، ويركض بعضهم خلف “150 ألف دينار” يدفعها المرشح، أو “طبق دجاج وأرز“، أو حتى إغراءات لبعضالنساء بالذهاب إلى صالونات التجميل لكسب شريحة الشبابمن سن الثامنة عشرة والعشرين. فالمراهق يفكر بالوجه والفيلروالحاجب والتوريد… وما خفي أعظم.
إن استمرت الانتخابات على هذا النحو، فإن الدولة مهددةبالتمزق قريبًا، بسبب الصراع الداخلي والتدخل الخارجي. نصيحتي للمسؤول والمواطن معًا: فكّرا في حب وطنكما وتطورهفقط… قبل فوات الأوان.