مغادرة بعض المهاجرين من أصول عراقية السويد: خلفيات وتداعيات

مغادرة بعض المهاجرين من أصول عراقية السويد: خلفيات وتداعيات

تشير البيانات الرسمية المتاحة من إحصائيات مكتب الإحصاء السويدي ودائرة الهجرة السويدية إلى أن الجالية من أصول عراقية تمثل ثالث أكبر أقلية في السويد بعد الفنلنديين والسوريين، وتشكل ما يقارب 2–3% من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم نحو 10.5 ملايين نسمة، تتوزع هذه الجالية بشكل رئيسي في مدن كبرى مثل ستوكهولم، مالمو، ويوتوبوري، وتضم تنوعًا عرقيًا ولغويًا يشمل العرب، الأكراد، التركمان، الآشوريين/السريان، والمندائيين.

حتى نهاية عام 2024، بلغ عدد الأفراد المولودين في العراق والمقيمينالمتجنسين في السويد 143,160 شخصًا، فيما يُقدّر عدد المولودين في السويد ولديهم أصل عراقي (أبوان أو أجداد من العراق) بحوالي 93,323 شخصًا، ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الإحصائيات الرسمية لا تقدّم دائمًا تقسيمًا دقيقًا بين أبناء الجيل الثاني وأحفادهم.

في السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة لافتة تتمثل في مغادرة بعض أفراد هذه الجالية السويد إلى بلدان أخرى يشعرون فيها لأكثر استقرارية وطمأنينة ، وهو ما أثار نقاشًا في الأوساط العامة والإعلامية حول أسباب هذه الحركة العكسية وتداعياتها.

تغيّر السياسات وتداعياتها

من بين العوامل التي يربطها المحللون بهذه الظاهرة، التغييرات التي طرأت على السياسات الحكومية الحالية المتعلقة بالهجرة والإقامة، فقد تم تشديد أجراءات الحصول على الجنسية وتقليص مجال الحريات العامة، الأمر الذي فسّره البعض كجزء من توجه نحو سياسات متشددة نحو السويدين من أصول اجنبية.

اعتبارات اقتصادية اجتماعية و وجهات بديلة

تضاف إلى ذلك عوامل اقتصادية، مثل ارتفاع تكاليف المعيشة، خاصة في المدن الكبرى، إلى جانب تقليص بعض المزايا الاجتماعية وأزمة السكن التي تجعل من الصعب على بعض الأسر العثور على مساكن بأسعار مناسبة،كما أشار باحثون إلى أن بعض المهاجرين يواجهون تحديات في سوق العمل، بما في ذلك صعوبة الحصول على وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم أو فرص للارتقاء المهني بسبب خلفياتهم العرقية ؟

على الصعيد الاجتماعي، ورغم أن السويد تُعرف بانفتاحها وتقاليدها الديمقراطية، إلا أن بعض الأفراد ذكروا شعورهم بوجود حواجز ثقافية أو اجتماعية تحول دون اندماجهم الكامل رغم مرور سنوات على أقامتهم وعملهم في السويد، وهو ما قد يدفع البعض للبحث عن بيئات بديلة يشعرون فيها بفرص أوسع.

الانتقال لا يقتصر على العودة إلى العراق، إذ يتجه البعض إلى دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا أو هولندا، أو إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي مثل كندا والشرق الاوسط خصوصا لذوي الكفاءات العالية في دول كالامارات وقطر ، فهناك يجدون فرص عمل مناسبة أكثر وان كانت تكلفة العيش العالية لا تختلف كثيرا عن السويد.

التداعيات المحتملة

تظهر مغادرة بعض المهاجرين من أصول عراقية للسويد كظاهرة متعددة العوامل، تتداخل فيها السياسات الحكومية مع الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والشخصية، ورغم أن حجم هذه الظاهرة لا يزال محدودًا نسبيًا قياسًا بإجمالي الجالية بحسب الاحصائيات فان مايقارب 2000 شخص من أصول عراقية سجلوا رسميا مغادرتهم للسويد عام 2024 ، إلا أن استمرارها قد يطرح تحديات على صعيد سياسات الاندماج وبناء الثقة بين المهاجرين ومؤسسات الدولة.

هذه الظاهرة، وإن كانت لا تشمل جميع أبناء الجالية العراقية، قد تؤدي إلى فقدان السويد لخبرات ومهارات اكتسبتها عبر سنوات من برامج الاندماج والتأهيل، كما قد تعكس تراجعًا في جاذبية السويد كوجهة للمهاجرين على المدى الطويل إذا استمرت الاتجاهات والسياسات الحالية.