18 ديسمبر، 2024 9:12 م

مع مَن تقف “مرجعية” النجف ولم تخشى زوال الحكم ؟!

مع مَن تقف “مرجعية” النجف ولم تخشى زوال الحكم ؟!

الكثير من العراقيين كان ينتظر شيئا ما من “المرجعية” في خطبة يوم الجمعة الماضية، ومعظم هذا الكثير كان وما يزال يعتقد أنها ستحسم الأمور بتلك الخطبة، بناء على الخطبة التي سبقتها، حيث توهم الكثير بأنها مالت بعض الشيء باتجاه دعم الانتفاضة وشبابها.
على مدى ستة عشر عاما تبثت “المرجعية” في كل جمعة، أنها الراعي الأساسي للعملية السياسية المشوهة ورجالها، فهي تطالب الفاسدين والسراق والتقتلة، بإصلاح الوضع البائس الذي وصل إليه العراق بسبب سياساتهم، وهذا ما لا يقبله عقل أو منطق.
ثم أن “المرجعية” لم تهتز حتى اللحظة لاستمرار سيل الدماء التي تتساقط على أيدي مَن تواصل دعمها لهم، لدرجة أنها لم تصدر فتى تحرّم القتل بشكل واضح وصريح، وهو ما يقع على عاتقها شرعا، بينما تكتفي بالإدانة، وهو ما يتنافى ومسؤلياتها “الدينية” كون الإدانة موقف سياسي وليس دينيا.
وبالعودة إلى خطبة الجمعة الماضية، فقد ورد كلام خطير جدا على لسان وكيل المرجعية “عبدالمهدي الكربلائي”، مفاده “أن سفك الدماء قد يؤدي إلى زوال الحكم وانتقاله إلى آخرين”، ومرّ هذا الكلام مرور الكرام على مسامع العراقيين والمحللين.
فمن هم الآخرون، هل كانت تقصد “المرجعية” بذلك طائفة معينة، أم تقصد عموم العراقيين، ولماذا تخشى من زوال حكم الفاسدين، أم إن “المرجعية” تخشى زوال حكم الحاكم الفعلي للعراق المتمثل بالدولة العميقة، وإذا كان هنالك فعلا دولة عميقة في العراق..فمن هي؟!
وهذا أيضا يطرح علامات استفهام عديدة حول مواقف “مرجعية النجف” برمتها: هل “المرجعية” مهتمة أو مكترثة لما يحصل في العراق، والاستفهام الأهم.. مع مَن تقف؟!.
لو أعدنا قراءة مواقف “المرجعية” خلال ستة عشر عاما والأيام الأخيرة التي سبقت غزو العراق عام ٢٠٠٣، ربما نجد الأجوبة الشافية على كل التساؤلات الواردة أعلاه.
تقول بعض المصادر، إنه عشية الغزو الأمريكي للعراق صدرت فتوى تجيز الجهاد ضد الأمريكان، وهي موثقة بتوقيع المرجعي على السيستاني وبشير نجفي واسحق فياض، لكن تم التراجع عنها عقب الغزو، وربما ما يؤكد ذلك ما صرح به الحاكم المدني الأمريكي للعراق “بول بريمر” بأن إدارته أعطت مائتي مليون دولار، مقابل التراجع عن فتواها، وهو ما لم ترد عليه “المرجعية” إلى الآن أو تفنده.
بعد عام ٢٠٠٥، خرج تدخل دولة “المرجعية” في الشأن السياسي العام إلى العلن، وقادت انتخابات ذلك العام، بعد أن أفتت بحرمة عدم انتخاب الأحزاب التي جمعتها آنذاك، وواصلت دعمها لهم حتى اليوم رغم الفشل والفساد والمظالم التي ارتكبتها تلك الأحزاب بحق العراق وشعبه .
في حزيران عام ٢٠١٤، أصدرت “المرجعية” فتوى “الجهاد الكفائي”، عقب تسليم الموصل ومدن أخرى لتنظيم داعش الإرهابي، وبموجبها تشكلت عشرات الفصائل المليشياوية ووقفت خلفها، رغم ارتكابها عمليات قتل وتهجير وتغييب الاف المواطنين بحجة محاربة التنظيم، ومنع عودة النازحين إلى محافظاتهم بعد طرد مسلحيه.
هذه المواقف والدعم اللامحدود للعملية السياسية المشوهة ولقادة المليشيات، مكنّ المرجعية منذ عام ٢٠٠٣ وحتى الآن من تأسيس امبراطورية، مترامية الأطراف وعابرة للقارات، وباتت تملك سلسلة مشاريع واستثمارات تدر عليها المليارات، لا تخضع إلى مراقبة ومعفاة من الضرائب والرسوم، وتفتتح مشاريع خارج العراق، وبأموال العراقيين.
وهذا يطرح سؤالا جوهريا: مالذي قدمته “المرجعية” للعراقيين خاصة في محافظات الجنوب والوسط وهي تكتنز المليارات وتنشيء مستشفيات وغيرها من المؤسسات الخدمية في إيران وبأموال العراقيين؟!.
يحدث هذا كله فيما وكلاؤها والتابعون لها يسكنون في أرقى القصور وأفخمها، بينما يقول “أحمد الصافي” وهو أحد أبرز وكلائها، إن “الفقر في الدنيا لا يهم”، فلماذا لا تنعم المرجعية ووكلاؤها بالفقر إذا كان لا يهم، وتشارك بذلك نسوة وأطفال مدن الجنوب والوسط، الذين يبحثون في القمامة عن لقمة يسدون بها جوعهم، ومعظمهم على مقربة من أصحاب هذه الدعوات؟!. أليس الأجدر بها أن تكون قدوة لما تقول؟!، وهل بذلك تقتدي “المرجعية” وممثلوها بأئمة أهل بيت الرسول الكريم الذين كانوا مثالا حقيقيا للزهد والابتعاد عن ترف العيش ؟!.
هذه الحقائق الواضحة، تشير إلى أن “المرجعية” هي الدولة العميقة التي تتحكم بمفاصل الدولة العراقية، ويخطئ من يشير إلى أسماء عدد من السياسيين بأنهم مَن يديرون الدولة العميقة في الخفاء، لأن واقع الحال يفيد بأن هذه الأسماء مع ما تملكه من نفوذ وسلطة ومال، هي مجرد بيادق بأيدي دولة المرجعية، ولا تستطيع العمل خارج مظلتها.
لذلك، يبدو أن خشية “المرجعية” من زوال الحكم وانتقاله إلى آخرين، بالإضافة إلى البعد الطائفي، هو زوال دولتها العميقة التي بنتها خلال عقد ونصف العقد، لما تمتلكه من أذرع في جميع مفاصل البلاد والنفوذ في جميع الوزارات والمؤسسات بضمنها العسكرية والامنية، وبالتالي هي ترفض أي شكل من أشكال التغيير الذي يفقدها كل تلك المكاسب، حتى لو كان على حساب تطلعات الشعب العراقي، ورفع مستواه المعيشي والتعليمي والثقافي.
ولأن هذه المواقف وخاصة الموقف الأخير لا يصب في مصلحة العراق، فقد واجه رفضا عارما من شباب الانتفاضة الثورية، ما يعكس تصاعد وعي المواطن العراقي بكافة فئاته وشرائحه، الذي باتت يدرك خطورة الوضع برفضه موقف “المرجعية” ورفض وصايتها على المجتمع العراقي التواق إلى التحرر من نير الاستبداد بكل أشكاله، لضمان حاضره وضمان مستقبله.
لذلك، اذا لم تغير “المرجعية” موقفها وتنتقل به من صف الظلام والفاسدين والمجرمين، إلى جانب الحق والعدل الذي يمثله الشعب العراقي بوضوح ودون مواربة، ويبدو أنها ليست في وارد تغيير موقفها، فانها تكون قد وضعت نفسها بنفس المنظار الذي ينظر إليه شباب الانتفاضة للسياسيين وعمليتهم الفاسدة، وسيطالها ما يطالهم.