هناك مصطلحان قرآنيان، انفرد بهما القرآن، دون استخدامهما بالمعنى القرآني الذي سأشير إليه، في أي من أدبيات الإسلام الأخرى، سواء التأسيسية [الثانوية] منها (الحديث النبوي، والحديث القدسي، وروايات الأئمة)، أو الأدبيات التابعة (كلام الفقهاء، والمفسرين، وعلماء الكلام أي العقائد). أعني بكل من مصطلح «الذين آمنوا» ومصطلح «الذين كفروا»، وذلك بشكل مجرد، أي بدون إلحاقهما بماهية المُؤمَن به من جهة، أو المكفور به من جهة أخرى. وعندما أقول «مصطلح»، فأعني ذلك بدقة، فكل من مفردة «الذين آمنوا»، ومفردة «الذين كفروا»، بالاستخدام الذي أشرت إليه، تمثلان استخداما اصطلاحيا، أي إنهما مصطلحان قرآنيان بمعنى محدد لكل منهما.
ففي القرآن، وأؤكد، في القرآن بالذات، إذا وردت عبارة «الذين آمنوا» مجردة، أو عبارة «الذين كفروا» مجردة أيضا، فتعني الأولى (المسلمين)، بينما تعني الثانية (غير المسلمين). هذا يعني أننا كلما واجهنا عبارة «الذين آمنوا» مجردة في النصوص القرآنية، وكذلك كلما واجهنا عبارة «الذين كفروا»، إذا ما استبدلنا الأولى بعبارة «المسلمين»، والثانية بعبارة «غير المسلمين»، لم يتغير معنى أي من تلك النصوص. فمعنى «الذين آمنوا» هو «الذين آمنوا بالإسلام [دينا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن وحيا من الله»، ومعنى «الذين كفروا» هو «الذين كفروا بالإسلام»، أو بتعبير آخر «الذين لم يؤمنوا بالإسلام»، إلا إذا كانت هناك قرينة تدل على معنى آخر للإيمان أو الكفر، كأن يكون إيمانا أو كفرا بشيء معين على وجه التحديد، أو كان الكلام عن «الذين آمنوا» و«الذين كفروا» في حقبة سابقة، كما هو الحال في قصص الأنبياء السابقين وأقوامهم.
معرفة هاذين المصطلحين من قبل القارئ أمر في غاية الأهمية، لأن أكثر الذين لا يتوفرون على ثقافة قرآنية معمقة [كما هو الحال مع الغالبية العظمى من المتدينين، ناهيك عن عموم المسلمين]، قد لا يعرفون حقيقة ما مقصود به قرآنيا بهاذين المصطلحين. بينما مع معرفة ما مقصود بهما، سيفهم المتلقي عند مواجهته لأي آية من الآيات التي يرد فيها أي من مصطلحي «الذين آمنوا» أو «الذين كفروا»، أو يردان فيها سوية؛ عندها سيفهم ذلك فهما على غير فهمه، ما لو لم يعلم بحقيقة المعنى الاصطلاحي القرآني لهما.