ابي…ومن اجل ابي تضرعت للسماء ورفعت دعائي وفي نفسي حسرات ,اجل حسرات بل هي غصص قلت حيلتي لأعالجها واشفي جراحي النازفة التي ارقتني وانا ارقب ضعف والدي واستسلامه لليأس وعجزه ازاء جبروت اخويَّ الذي كان يأمل عونهما حتى كانت تلك الليلة التي بات فيها طريح الفراش يأن انين السليم وسمعته يهتف بعبارة :
يا الله عليك العوض ومنك العوض …لن اغفر لسامح وراجح فعالهما وانا في هذه المحنة .
هتفت والدتي :
ونعم بالله …واستطردت بعد لحظات
اغفر لهما جهلهما فهما ولداك على كل حال..
قاطعها قائلا بنبرة استنكار:
ولداي ويريدان ان يفرضا وصايتهما عليَّ …آه لم يبلغا بعد سن الشباب وانا لم ازل بعافيتي فكيف اذا مضى العمر ونالني الكبر واقعدني المرض …ترى ماذا سيفعلان اذ ذاك…؟
لم تستطع والدتي ان تجيبه بغير الصمت وهاله منها انها استسلمت لدموعها وعبراتها مما اثار غضبه واوشك ان يتلفظ بكلمات لكنه احجم عن ذلك حين رفع نظره ووجدني اقف على عتبة باب الغرفة مستأذنة الدخول وانا احمل على يدي انية الدواء الذي حان موعد تناوله فخفض بصره ومد يد مرتعشة بينما كانت نفسي تتمزق الما وعذاب.
وهتف بنبرة حنون :
الله …الله …الله يحفظج ويخليج ياحنينة ياحبيبة .
كانت امي تستمع الى كلمات ابي وفي سرها تود لو انه ينهي عباراته رغم علمها بحقيقة قوله ورغم سعادتها بما ابديه من مشاعر طيبة وما اقوم به من اعمال لكنها تظل غير راضية عن ابداء الاطراء لان ذلك سيثير فيَّ الغرور وهو بحد زعمها دلال زائد لا موجب له.
هل كانت امي محقة بهذا الاعتقاد …؟
كثيرا ما طرحت على نفسي هذا السؤال لكني لم اهتد الى الاجابة الصحيحة
لذا قررت ان اترك ذلك لمستقبل الايام فالزمن وحده يؤكد ذلك او ينفيه وان كانت التجارب تختلف بنتائجها حسب الازمنة والامكنة والظروف.
…………………..
لم يستسلم والدي وظل مصرا على موقفه الرافض لبيع او رهن البيت رغم شدة معاندة اخوي وتركهما بيتنا الى بيت خالتي التي يبعد بيتها عنا بمسافة ليست بالقصيرة مما كان يكلفهما بذل وقت طويل في كل مرة يطرقان فيها باب بيتنا بحجة احتياجهما لبعض الملابس او الكتب فهما ما يزالان يواظبان على دراستهما وان انتقلا من الدراسة الصباحية الى الدراسة المسائية املين مباشرتهما العمل نهارا اذا ما تم لهما تحقيق هدفهما المتمثل ببيع البيت او رهنه كأن محنة والدي سرتهما فهي ستحقق لهما مأربهما بحسب ما زعما من رأي .
كان ذلك يؤلمني ويشقيني ووجدتني دون ارادة مني امسك القلم واسطر على الصفحة الاخيرة من دفتري المدرسي هذه الكلمات:
اليوم هو الثلاثاء المصادف
لم أشأ كتابة التاريخ وكأنني تركته غير معلوم فهذا اوانه لكنه سيمتد الى ما لانهاية اذ ستبقى المشاعر وسأبقى اتذكرها على مر الايام والليالي .
اعود من جديد اسجل لحظات اعتبرها مريرة اذ في هذا الصباح من يوم الثلاثاء كما ذكرت سابقا وعند العاشرة طرقت الباب فخرج اخي الصغير ليفتحها وهنا سمعته يهتف فرحا مرددا كلمات الترحيب بلثغته الحلوة …
اخي سامح …اخي راجح
ركض اليهما باسما لكنهما لم يبادلاه الابتسام ,ارتمى في احضانهما فضماه اليهما للحظات ثم سرعان ما تركاه قائلين :
ليس لدينا وقت …نريد بعض الملابس والكتب
تركاه ينظر اليهما فاغرا فاه كأنهما غريبان لا يعرفهما وملامح وجهه تشي بالحزن والالم …
آه …يا لهذه الاخوة التي تطعن بقسوة مشاعر حب اخ صغير
كم اشعر بالألم بل اشعر بالغضب واخشى ان اكون قد شعرت بالحقد
اكتب
كلمات لا تقال
انها كلمات
انها جراح
انها كلمات
لا تحققها المدى
انما حققتها
بنات الشفاه
براكين الغضب تعلو
في حنايا الصدور
تفتح في النفوس
الف كوة للالم
تعج بعواصف النار التي تأتي
في كل حين
على كل الطيبات
وكل الافعال
التي حققتها النوايا الطيبة
اذ يقف الحقد الاسود
تمثالا
معبودا في الافاق
تسجد له هياكل
حولها الحقد الاسود
الى فحم اسود
ليس فيها من شعور
شعورها الوحيد
شعورها الاكبر
شعورها الاعظم
حقد اسود
صار كينونتها
اخرجها عن ادميتها
فهي والهمجية سواء
فهي والجهل سواء
اذ لولا الجهل
لما انتصر الحقد
ولولا الجهل
لما تحولت الحياة الى
الى معركة دائمة
تلونت فيها الارض
بالدماء
وارتفعت معالم الحقد
حتى اطبقت
آفاق السماء
…………….
امتدت ايام المحنة الى شهرين متتابعين بعدها بدأ والدي يستعيد عافيته ومن ثم قرر السفر الى احدى المحافظات الجنوبية التي كان له فيها بعض العملاء الذين كلفوه بأجراء عدة اعمال يمكن ان تساعده في اجتياز الازمة التي المت به .
كان هذا القرار صعب بالنسبة لنا سيما وان ايام سفره ستمتد الى عدة شهور لا يزورنا خلالها الا لماما .