23 ديسمبر، 2024 12:11 ص

مع مجرى النهر…تمضي الذكريات

مع مجرى النهر…تمضي الذكريات

مع مجرى النهر…تمضي الذكريات-1

مُلئت الكأس…فلا مكان لقطرة اخرى.
إذا كانت الحياة تفرضً عليَّ الصبر…وسيلتي للنصر هو التعلق بسجال الامل واحفز نفسي بإرادة قوية لتٌؤمن ان خلف هذا الظلام فجر مشرق سيضيئ آفاق الحياة.
……………………..
الاولى:
خمسة عقود مضت مذ رحلت اول مرة.
خمسة عقود سار فيها شراع حياتي في بحر متلاطم الامواج كثير العواصف واسع المدى تتصارع في أحشاءه مختلف الكائنات …صغيرها وكبيرها …آكلها ومأكولها …حجارة ونباتا وحيوانا وحشرات …كم هائل من المعارك تدور في مدى البحر الذي امضي في خضم موجه العنيف بشراع صغير لإيكاد حجمه يحتوي جسدي المتعب وأن اتسعت آفاق سماواته إلى ما لانهاية…
الثانية:
في رحلتي الطويلة تعودت ان استجمع ذرات ارادتي المتشظية واجعلها انسانا محاربا موقنا بأن له الحق في العيش الكريم والحياة الهانئة وفرض عليَّ والحالة هذه أن أحمل السلاح دفاعا عن انسانيتي التي يريد لها الآخرون ان تنتهي.
شددت حيازيمي لمواجهة اليأس الذي اراد اغتيال ارادتي ممتطيا صهوة الاهوال والصعوبات وواضعا في طريق حياتي مختلف مجسمات الصد المظلمة المضللة .
كنت اسمع صوت اليأس مجلجلا في الافق مزمجرا بعبارات يريد بها ان يبعث شعور الخوف …اه …الخوف .
هل استسلم …؟انا لا أخاف لان الخوف سيف قاطع لمهجة الامل وهو محطم رهيب لقلاع وحصون ارادة الحياة وباعتقادي ان من يستسلم للخوف لا يستطيع ان يفكر او يخطط لمستقبل يراد له ان يكون طيبا جميلا زاهرا مزدهرا مستقبل لا يخص فرد معين او شخص بذاته لكنه مستقبل دائم يشمل الاجيال جيلا بعد جيل اجدادا وآباءا وابناءا واحفاد وهكذا على توالي العصور.
الثالثة
مذ كنت طفلة علمت ان الحياة تحملني ما لا طاقة لي به ووثقت انني لا أستطيع ان اواصل الحياة اذا انا اعلنت استسلامي لذلك الهول من الالام لذا وجدتني اشمر عن ساعدي مدافعة عن جليل ما اريد وفي الارض اثبت قدما كأنها الصخر في قلب الجبل.
الرابعة
لم اكن بكر ابي وامي لكني الثالثة في مواليدهم اذ جئت الى هذه الدنيا بعد اخوين ذكرين هما سامح وراجح ولهذا اسموني سماح نسبة الى اسم اخي الاكبر سامح ولهذا ايضا ارادوني مذ يوم ولادتي الاول ان اكون اما رؤوما للجميع ,اجل للجميع صغارا وكبارا حتى امي وابي هكذا يجب ان يكون هكذا… لأنني اكبر البنات وهذا يحتم عليَّ ان يكون لي دور مهم في اداء الواجبات اتجاه الاسرة التي تعدد افرادها بتقادم السنين حتى بلغ خمسة اولاد وبنتين لذا وجدتني مذ نعومة اظفاري وفي سني الاولى أؤدي واجبات الرعاية وادور كما النحلة لتحقق للآخرين اراداتهم وتقدم لهم العون والمساعدة وتزداد معاناتي حين تكون امي على وشك استقبال مولود جديد فتظل طريحة الفراش طويلا كثيرة الشكوى وتزداد معاناتي حين يسافر ابي فأجد نفسي اما صغيرة لعائلة كبيرة عليَّ رعايتهم كأي ام رؤوم ..ام صغيرة تقوم برعاية اب وأم وخمس اولاد وبنت.
كانت مهام صعبة لطفلة لم تتعدى سنوات طفولتها وكنت اشعر انني احتمل من الامر مالا طاقة لي به وفي سري كنت استسلم لسنن من الاماني واحلام اليقظة وفي خلواتي كنت احتضن لعبي التي اطلق عليها اسماء سرعان ما اغيرها بحسب الاوقات والايام وبحسب ما أواجه من احداث فلعبتي الكبرى كنت اسميها بشرى اذ فرحت بها يوم اهداها لي والدي بعد عودته من سفر امتدت ايامه الى اسبوعين لذا فرحت بعودته وفرحت بهديته واسميتها (بشرى) مستبشرة بضمها الى عائلتي وحسبتها اختا صغرى كأختي بل حسبتها طفلتي وانا ام رؤوم فكنت اتفنن في تزينها وتزيين ملابسها التي اخيطها بنفسي واختار الوانها كما اعددت لها سريرا صنعته من بضع صناديق صغيرة وفرشته ببقايا شرشف جميل مطرز بالورود مع وسادة وغطاءا ادثرها به في الليالي الباردة فانا احسبها تشكو لي البرد وتدعوني اليها كما تدعو الطفلة امها.
في الوقت الذي اسرع فيه لأجيب دعوة والدتي التي اقضي اليها بعض ما تطلب من اعمال فتقربني اليها وتقبلني وتقول بنبرة حنون .
باركك الله تعالى …
ابتسم واشكرها في سري دون ان انبس ببنت شفة فتهمس لي بكلمات لازلت اذكرها قائلة :
أنتي مصدر فخري دائما …اسفة لأني احملك من الامر الكثير.
اظل صامته وفي سري اشعر بالرضا والمحبة لأمي وابي واصمم على ان اكون دائما مصدر فخر لهما …
بعد سنوات قرأت عبارة ذكرتني بتلك المشاعر وتلك العبارة هي :
(لا تفعل شيئا لا تفخر به والدتك ,أو يجعل والدك يشعر بالخزي اتجاهه).