19 ديسمبر، 2024 12:42 ص

مع قرب الانتخابات … مادح وممدوح وشهادات زور

مع قرب الانتخابات … مادح وممدوح وشهادات زور

يسمّونه في العاميّة العراقيّة (المهوال). يصرخ بأعلى صوته معدِّدًا أبهى الصفات والمواصفات من دون خشية نفاد حتى يصل بالممدوح – شيخ عشيرة، أو وجيه، أو مسؤول زائر – إلى مراتب العظماء فيدسّ أحدهم في جيبه حفنة من مال، ثم يصرخ ثانية ليستقبل حفنة أخرى. باستثناء بعض المهاويل الذين يعدّونها طريقة للترحيب بالضيوف، ولكل قاعدة استثناء.
هذا النسق متأصل في الثقافة العربيّة وليس أصيلًا، فمنذ عشرات القرون تلقى القصائد الكبيرة بين يدي الملوك والخلفاء، لتكون رنّة الدنانير هي الصدى. فلما كانت الأنظمة الفرديَّة أصبح الشعراء على صيغة جديدة من المقايضة، يسلّم المدّاح بضاعته ليقبض ثمنها مكافأة ماليّة، أو ترقية، أو وسام، أو شهادة تقديريّة.
التصويت في الانتخابات شهادة فَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ، ولا تجعلوها شهادة زور. وإن سألتم عن المقياس، فالمقياس عندي أن أصوّت للمرشح الذي هو موجود بين مواطنيه باستمرار، وما حملته الانتخابيّة إلا إعلان عن ترشّحه، وعرض لبرنامجه الانتخابيّ الحزبيّ أو الفرديّ، ولا أصوّت لأولئك الذين يقومون بجولات ميدانيّة قُبيل الانتخابات بدعايات ساذجة كصبغ رصيف، أو إنارة منطقة مظلمة، يرافقها توزيع هدايا ترويجيّة … هكذا يظهرون فجأة من غير تاريخ، كالبخيل الذي يتظاهر بالكرم عندما تلوح أمامه مَغنمة يعتقد أنها ستدرّ عليه أكثر مما سينفق، أو الثعلب الذي يسارع بحمل مسبحته عندما يرى فريسته، ولنقسو أكثر فنقول: كالوَسِخ الذي يؤجِّل الاستحمام إلى يوم المناسبة.
ربّما يعترض أحدهم بالسؤال: ما الضير بأن يقتحم الحلبة وجه جديد؟
أقول: كما أن المناصب العليا في الدوائر المتخصّصة تتطلّب لاعتلائها موظفًا متدرّجًا في السلك الوظيفيّ، صاحب خبرة ودراية، فإن الترشّح للانتخابات يتطلّب سيرة اجتماعيّة مشهودة، فما الذي سنجنيه من وجه جديد يحتلّ مقعدًا في أعلى سلطة تشريعيّة في البلاد؟ ولم هذه العجلة؟ أليس من الأفضل له أن يقطع بعض الأشواط قبل الترشّح؟
أخيرًا وددت لو أنّ مفوضيّة الانتخابات شدّدت في الشروط الواجب توافرها فيمن يتقدّم للترشّح، كأن يكون صاحب منجزات جيّدة، علميّة، أو اجتماعيّة، أو سياسيّة. ولو أنها فعلت ذلك لما كنّا نرى اليوم آلاف اللافتات، بعضها لأشخاص لا تناسبهم إلّا كلمة (لا تعليق!).