8 أبريل، 2024 11:16 ص
Search
Close this search box.

مع زغلول في استخفافه بالعقول

Facebook
Twitter
LinkedIn

من حق كل إنسان أن يدافع عن عقيدته، ويدعهما بما يراه من أدلة. ولكن أن يستغل بساطة البسطاء، أو عدم كفاية اطلاع غير المطلعين بما فيه الكفاية، ليمرر ما يريد وإن خالف الحقيقة، فهذا إن كان مقصودا منه، فهو كذب، والكذب هو بداية السقوط الأخلاقي، فهل يجوز يا ترى للإنسان أن يكذب من أجل الانتصار لعقيدته؟ وإن كان بغير قصد، فهو جهل منه، وعلى الجاهل في شيء، أن يترك الخوض فيه، من أجل ألا يورط نفسه ويوقعها في حرج، عندما يصطاد العارفون تخبطاته.

وصلني من إحدى السيدات على الـ WhatsApp عن زغلول النجار الآتي، ثم تجدون ردي الذي كتبته لتلك السيدة، التي أرادت رأيي فيه. مع العلم إني صححت بعض الأخطاء اللغوية فيما كتبه زغلول النجار.

يقول الدكتور زغلول النجار:

كنت أقرأ لعشرات المرات بعشرات السنين قصة سيدنا يونس ومنذ سنتين فقط توقفت عند «فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ» فقلت: لماذا قال ربنا تبارك وتعالى: «فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ»؟ فبدأت أدرس طبيعة الحيتان، فوجدت أن هناك مجموعة من الحيتان اسمها الحيتان الزرقاء، والحوت الأزرق أضخم حيوان خلقه الله تبارك وتعالى، فهو أضخم من الديناصورات، وأضخم من الفيلة، فطوله يمكن أن يصل إلى أكثر من 35 متراً، ويمكن أن يصل وزنه إلى أكثر من مائة وثمانين طنا. وهذا الحيوان على ضخامته لا يأكل إلا الكائنات الميكروسكوبية الضئيلة التي تسمى (الپلانكتون)، أي الكائنات الطافية الهائمة، فهو لا يملك أسنانا إطلاقاً، وله ألواح رأسية يصطاد بها هذه الكائنات الطافية، وطريقة تناوله لطعامه كالآتي: يأخذ بفمه عدة أمتارا مكعبة من الماء، فيصطاد ما فيها من كانت طافية، ويخرج الماء من جانبي الفم، يعني لا تفلت منه واحدة فقط من هؤلاء (الپلانكتون).

وعن قصة الحوت الأزرق وسيدنا يونس: هذا الحوت على ضخامته، بلعومه لا يبلع إلا هذه الكائنات الدقيقة، فإذا دخل فمه أي شيء كبير لا يُبتلع، ولذلك بقي سيدنا يونس عليه السلام في فمه كاللقمة، ولهذا قال الله ربنا الحق: «فَالتَقَمَهُ الحُوتُ»، يعني لا هو قادر على بلعه، ولا مضغه، لأنه (أهتم)، أي ليس له أسنان، والحوت يتنفس بالأوكسجين، ولذا فهو يرتفع فوق سطح الماء مرة كل خمس عشرة دقيقة، وقد قال علماء الحيوان: إن لسان الحوت يستطيع أن يقف عليه أكثر من رجل والفم مغلق مرتاحين، بدون أي مضايقة، بمعنى إن سيدنا يونس كان جالساً فيما يشبه الغرفة الواسعة المكيفة، ولهذا قال ربنا تبارك وتعالى: «فَالتَقَمَهُ الحُوتُ»، ولم يقل ابتلعه أو هضمه. ولقد قرأت الآية مئات المرات، ولم تستوقفني أبداً إلا حينما تأملت فيها، ولذلك أقول: كلما تأمل الإنسان في القرآن الكريم يرى العجب، ويفهم ما يجعله على يقين تام بالله رب العالمين سبحانه جل وعلا، وصدق كل حرف بالقرآن المجيد. ولقد تأملت وراجعت المصادر العلمية، وكذلك عدت للعهد القديم باللغة الإنجليزية وهو التوراة فوجدتهم يقولون: «ابتلعته سمكة كبيرة»، وطبعا هناك فرق كبير جداً لأنه لو ابتُلِعَ لهلك بعملية الهضم.

فالتقمه غير فابتلعه؟ يعني الدلالة القرآنية هنا دقيقة تماماً، بل في غاية الدقة «فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ»، تعني بقي كلقمة في فم الحوت، لا يستطيع أن يبلعها، ولم يلفظها مباشرة. ثم يقول الله رب العالمين في آيات أخرى «وأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ» (بعد خروجه) سورة الصافات الكريمة. فلماذا اليقطين؟ الإجابة: اليقطين هو القرع بأنواعه المختلفة، ومنه القرع العسلي، وهو يملك أكبر حجم لورقة نبات، ولأن الله ربنا تبارك وتعالى يريد أن يستر عبده ونبيه، فستره بشجرة من يقطين تملك أكبر حجم لأوراق الشجر، ثم بدراسة متأنية لشجرة اليقطين وجدت أن اليقطين ساقه وفروعه وأوراقه وثماره مليئة بالمضادات الحيوية، ولهذا لا تقربه حشرة. أي إن كل كلمة وكل حرف في القرآن الكريم له حكمة بالغة تثبت صدق القرآن بكل حرف منه.
وذلك لأنني عندما عدت إلى العهد القديم أيضا، وجدت إنهم يقولون فظللته شجرة من العنب، والعنب مليء بالحشرات، ولا يملك أن يظلل سيدنا يونس، لأن أوراقه صغيرة، ولا يملك أن يشفي جراح سيدنا يونس، لأنه لا يملك الكم الهائل من المضادات الحيوية الموجودة بشجرة اليقطين.

سبحانك ربى ما أعظمك
عندما تنتهي من القراءة، صلِّ على رسول الله عليه الصلاة والسلام.

انتهى كلام زغلول النجار. ثم ذيل بالعبارة أدناه، والتي تبدو أنها من المروج الأول، وليس من السيدة المشار إليها.

«اقرأ وانشر تُؤجر.»

فكتبت جوابي للسيدة المحترمة الآتي، مضيفا بعض التكملات [بين مضلعين].

مساء الخير … ما يقوله النجار مخالف للقرآن، لأن القرآن يقول «فَلَولا أَنَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحينَ لَلَبِثَ في بَطنِهِ إِلى يَومِ يُبعَثونَ». إذن هو كان في بطن الحوت، وليس على لسانه كما يدعي هذا النجار، متصورا [على ما أظن باحتمال راجح] إنه بتجاهله [المتعمَّد] هذا المقطع من قصة يونس في القرآن، وباستقطاعه ما يحلو له، ليدعم نظريته، سيخدع الجميع، ولو إنه يخدع [فعلا للأسف] الكثيرين، لكنه لا يستطيع خداع فاتحي أعينهم في لبن القرآن [ويقرأون حتى الممحو منه]. مع تحياتي.

ولي بعض الإضافات التي ارتأيتها:

فزغلول النجار يرى عظمة القرآن ودقة تعبيره ودقة اختياره لكل كلمة بل ولكل حرف، كما يدعي، أو لنقل كما يعتقد، فيقول إن هذه الدقة جعلت القرآن يستخدم فعل التقمه، ولم يستعمل فعل ابتلعه، ثم يقول منبهرا ومبهرا قراءه المساكين بأنه «لأنه لو ابتُلِعَ لهلك بعملية الهضم». فأقول له لو لم تستغرب من كيفية إمكان لبوث يونس «في بَطنِهِ إِلى يَومِ يُبعَثونَ»؟ كيف كان سيتنفس، وعلى ماذا كان ستغذى، هل يا ترى على الطحالب التي يبتلعها الحوت؟ لكن أليس الله على كل شيء قدير، وإذا أراد شيئا فما قوله إلا كن فيكون؟ نسيت إن القرآن قد أنبأك كيف جعل الله النار بردا وسلاما على إبراهيم؟ أنسيت إن القرآن يقول إن الله أنطق عيسى في المهد في الساعات الأولى بعد أن ولدته مريم؟ أنسيت نوم أهل الكهف لثلاث مئة وتسع سنوات؟ أنسيت ذاك الذي أماته الله مئة عام ثم بعثه؟ أنسيت عروج نبيك إلى السماء السابعة (مكان إقامة الله، تعالى عن ذلك) فكان نبيك وعرش الله قاب قوسين أو أدنى، والذي تشرف وحده بالعروج إلى الطابق السابع، كما يعبر صديقي صباح جمال الدين؟ إذن فالله قادر على أن يجعل يونس يعيش خالدا «إِلى يَومِ يُبعَثونَ» في بطن الحوت. ثم ألم تفكر إن الحوت الذي ابتلع، عفوا التقم يونس يفترض إنه ما زال حيا، وسيبقى حيا إلى يوم البعث، لأن القرآن افترض، لولا إنقاذ الله ليونس، «لَلَبِثَ في بَطنِهِ إِلى يَومِ يُبعَثونَ»، «لَولا إِنَّهُ كانَ مِنَ المِسَبِّحينَ»، ولو إن تسبيحه لله شفع له عند الله فأنقذه؟ ألا يعني هذا إن القرآن الذي تعتقد إنه كلام الله وما هو بكلام الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، يفترض إن ذلك الحوت هو باق على قيد الحياة حتى يومنا هذا وإلى يوم القيامة، سواء بقي يونس في بطنه أو لم يبق؟ ثم أيها الباحث المتخصص النحرير العارف بالقرآن والمدقق فيه، كيف التفتَّ بفطنتك إلى «التَقَمَهُ» ولم تلتفت إلى «لَلَبِثَ في بَطنِه»؟

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب