23 ديسمبر، 2024 6:32 ص

مع د. ديكران يوسف كيفوركيان في موسكو

مع د. ديكران يوسف كيفوركيان في موسكو

اخيرا سنحت لي الفرصة ان التقيه وادردش معه حول الزمن الجميل الذي قضيناه معا في جامعة موسكو ايام الدراسة فيها في ستينيات القرن العشرين , اي قبل حوالي (60) سنة مضت , اذ كنّا معا في العام الدراسي 1960/1961 فصاعدا , هو طالب عراقي شاب في كليّة الجيولوجيا بجامعة موسكو , وانا في كليّة الفيلولوجيا بنفس الجامعة , وكنّا نعيش في القسم الداخلي للطلبة معا , كل في الطابق المخصص لطلبة كليته , وغالبا ما كنّا نلتقي في المطعم الطلابي او في الممرات… انه صديقي القديم الدكتور ديكران يوسف كيفوركيان.
لقد تحدثنا كثيرا عن تلك الذكريات المشتركة في مرحلة ( الصبا والجمال ) , ولكن الاحاديث تمركزت طبعا و
قبل كل شئ عن زملائنا الذين رحلوا , وكان آخرهم المرحوم الدكتور عدنان عاكف ( انظر مقالتنا بعنوان – عراقيون مرّوا بموسكو / د. عدنان عاكف ). قلت له , اني ذكرت في تلك المقالة أسماء بعض الزملاء في كليّة الجيولوجيا , الذين درسوا معه , ومنهم الشهيد الدكتور حامد الشيباني , وأعرف انك كنت تعمل معه في شركة النفط الوطنية في بغداد آنذاك , فكيف حدث اعتقاله وهو في عمله بالشركة ؟ أجابني د . ديكران قائلا – نعم , هذا صحيح , كنّا نعمل معا , وقد برز المرحوم د. حامد في عمله , واصبح عضوا في لجنة تابعة لوزارة التخطيط مسؤولة عن خطط النفط والغاز في العراق , حيث كان يمثّل الشركة , وقد تعرّض الى ضغوط المنظمة الحزبية للبعث من اجل التسجيل لديهم , وكان يرفض بشدة هذه الضغوط , بل ويستهزأ بهم , وكانوا هم يعرفون طبعا انه يرتبط بالحزب الشيوعي , اذ ان نشاطه هناك كان شبه علني , فقد كان مسؤولا عن احدى اللجان المحلية , وكم حاولت – بحكم الصداقة القريبة معه – ان اثنيه عن الاستهزاء بهم , اذ انني كنت أخشى عليه من غدرهم وحقدهم نتيجة مواقفه الحادة ضدهم , لكن سبق السيف العذل كما يقولون . سألته – وكيف حدث هذا ؟ فقال – جاءت في احد الايام مجموعة كاملة واغلقت جميع ابواب الشركة , وقد علمنا جميعا بذلك , وجاء المرحوم د. حامد اليّ واعطاني مفتاح سيارته , وقال لي , اني أشعر بانهم سيعتقلوني , وطلب منيّ ان اعطي مفتاح سيارته الى أخيه في حالة اعتقاله , وهذا ما حدث بالضبط , اذ انهم أخبروه , انه مطلوب في وزارة التخطيط , ولكنه قال لهم , انه لا يوجد اليوم اجتماع اللجنة هناك , فأصرّوا على ذلك الامر وأجبروه على الذهاب معهم , وهكذا اضطر الى الخروج من الدائرة معهم ولم يعد ابدا , وكم حاول اهله ان يعرفوا مصيره , ولكن عبثا , ومنذ عام 1974 وطوال فترة حكم البعث لم يستطيعوا معرفة اي شئ عنه , وبعد سقوط النظام حاولوا ايضا , ولكنهم لم يحصلوا على اي نتيجة , وهكذا أقاموا له عندئذ مجلس الفاتحة ( اي بعد ثلاثين سنة من اعتقاله !) , وحضر فيها بعض الزملاء الذين كانوا في بغداد , ومنهم المرحوم د. عدنان عاكف . وهكذا خسر العراق واحدا من كبار الاختصائيين الجيولوجيين في مجال استكشاف النفط والغاز. وقد حدثني د. ديكران , كيف حصل الشهيد حامد على شهادة الماجستير في كلية الجيولوجيا بجامعة موسكو بجدارة , وكيف اقترح عليه مشرفه العلمي بضرورة الاستمرار بدراسته لاكمال بحثه العلمي وتطوير النتائج التي توصل اليها عند اعداد اطروحة الماجستير, وكيف استطاع المرحوم ان يبرر اقتراح مشرفه العلمي , وكيف انه كان ( رفعة راس) العراقيين في كليته آنذاك , وحصل على شهادة الدكتوراه فعلا , وكيف انه عاد رأسا الى العراق وتم تعينه في شركة النفط الوطنية , وكيف برز في عمله واختصاصه المهم للعراق …الخ . لقد ترك الشهيد د. حامد زوجته الشابة واهله وكان في ريعان شبابه . قلت لديكران , أليس من الضروري ان نسجل كل هذه الاحداث والوقائع في تاريخ الخريجين العراقيين من الجامعات الروسية , وان نتحدث بها وحولها للاجيال الجديدة ؟ قال – طبعا , رغم ان مصائب العراق اصبحت كثيرة جدا منذ اكثر من نصف قرن الاخير في مسيرة تاريخنا . واتفقنا معا , ان نسجل هذه الاحداث , ا لتي حدثت للشهيد د. حامد الشيباني وللشهيد د. عبد الرزاق مسلم وللشهيد الفنان د. شمس الدين فارس وبقية الزملاء من خريجي الجامعات الروسية , وانه من الضروري العمل معا من اجل تخليدهم , ولو في كتاب يضم كل هذه التفاصيل المهمة والرئيسية , التي حدثت لهم , والتي يمكن ان تتكرر مع الآخرين , وكم اتمنى ان تتبنى الجمعية العراقية لخريجي الجامعات الروسية في العراق هذه الفكرة وتحاول تنفيذها وتحقيقها .