سلوك محافظ البصرة خلف عبد الصمد الممسك بكرسي المحافظة حتى الرمق الاخير في الاسابيع الماضية يشبه الى حد كبير سلوك الكثير من المسؤولين في الدولة العراقية المبني على قاعدة “البقاء في السلطة مهما كلف الامر وباي ثمن ، وقاعدة الحكومة باقية والشعب زائل ” يبدو أن المحافظ وغيره من المسؤولين غير مدركين أن الديمقراطية تعني فترة محددة من الحكم أو النيابة و أن المقاعد الوثيرة والسيارات المصفحة ليس بامكانها حماية المسؤول من الاصوات الانتخابية الرفضة للفساد والفشل أو على الاقل فان هذه الاصوات قادرة على إجراء تغييرات على مستوى الادارة من أدنى مستوياتها الى العليا .
الاسابيع والسنوات الماضية كشفت عن سلوك عراقي مريب في التعامل مع المنصب حيث قدم لنا وزراء الحكومة الاتحادية سلوكيات جديدة وغريبة في الوقت نفسه ، وزير يستقيل ليلا من على شاشة إحدى الفضائيات من منصبه ويعود نهارا لممارسة مهامه أو يكون في وسائل الاعلام مع المتضاهرين وضد الحكومة وممارساتها وفي النهار يزاول عمله في مجلس الوزراء ، هؤلاء يحاولون إحداث شكل من أشكال التوازن بين متناقضات لايمكن مسكها من المنتصف يريد أن يكون وطني وهو طائفي ويريد أن يكون مع الفقراء والمعدمين ولايترك أدنى امتياز من أمتيازات المنصب غير سرقة المال العام وهدر الثروات ، أو كومبارس في عالم السياسة يحرض من خلال فضائيته على العنف والطائفية والكراهية ويعرف الناس كيفية صنع العبوات الناسفة ويعود ليلا عبر مطار بغداد ليشارك في إنتخابات مجالس المحافظات !
أي دولة هذه التي لامعنى للقانون فيها ولايمكن لاستحقاق إنتخابي مبني على قناعة الناس في إختيار ممثليهم أن يغير معادلة السلطة سواء المحلية أو الاتحادية أو على الاقل يحسن من مستوى الخدمات ، ولايمكن لجميع المؤسسات الرقابية الحد من فساد الطبقة السياسية ! ولم يقتصر الامر عند هذا المستوى فحسب بل طالما كشفت القوى السياسية عن اداء لبعض الوزراء أو النواب الذين يعملون صباحا في دوائرهم الرسمية و ليلا مع القاعد أو الميليشيات سلوك يكشف عن تناقضات الشخصية العراقية وحالتها المزرية ولهاثها وراء السلطة والمال .
المشكلة الاساسية في هذا اللهاث تكمن في غياب التوزيع العادل للثروة في البلاد وأثبتت التجربة خلال السنوات العشر الماضية أن الكثير من قوى الاسلام السياسي التي أمسكت بالسلطة سواء في مجالس المحافظات أو الحكومة إرتكبت مخالفات وإنتهاكات كبيرة وتورط بعضها بدم العراقيين وسعت بشكل حقيقي لاحتكار الثروة والموارد وعملت على توظيفها بما يخدم مصالحها الشخصية ومصالح أحزابها.
المجتمع عمليا لم يخرج بتظاهرة ولم يذهب الى حمل السلاح بوجه الحكومة بل ذهب الى صناديق الاقتراع وقرر في لحظة مشحونة بصور البؤس والحرمان والمزابل وإنقطاع الكهرباء والتردي الامني وتوظيف السلطة لمصلحة فئة محددة أن يغير هذا الواقع “بجرة قلم ” ولم يذهب حتى الان الى الحقوق الاخرى التي كفلها الدستور والقانون في محاسبة المفسدين والفاشلين لذا يجب إحترام رأي الناخب والاحتكام لإرادته أما الممارسات التي تحاول الالتفاف على القوانين والاسس الديمقراطية لن يكتب لها النجاح حتى في ديمقراطية على المقاس العراقي وقضية إخراج تظاهرات من قبل محافظ البصرة من أجل البقاء في المنصب لن تغير في المعادلة ولن تغير قناعة الناس بالمسؤولين لذا فان الاحتكام الى الخيار الديمقراطي الحل الاكثر شرعية والاكثر كرامة .
محافظ البصرة ربما كان صريحا أكثر من غيره في الاعلان عن نزوعه البقاء في المنصب لكن هناك من هو أسوأ وللاسف في نفس المحيط السياسي الذي ينتمي اليه الكثير من المسؤولين في المحافظات لذا تراهم يصدرون جميع أشكال التكاذب من أجل إقناع الناس بانهم يعملون مرة من خلال الزي ومرة من خلال إستخدام الشعائر الدينية ومرة من خلال إثارة الكراهية العرقية والطائفية إنها حكاية إستثمار في السلطة من أجل البقاء لاطول فترة ممكنة .
لذا لامفر من سلوك سياسي تغيب عنه قضية الكيل بمكيالين والوضوح وتغليب المصلحة الوطنية وسلوك بعيد عن شبهات الفساد وهدر المال العام أما محاولات الالتفاف على كل هذه المشكلات تعني الالتفاف على وعي المواطن ومشكلاته اليومية التي أصبح من الصعب تغليفها بخطاب طائفي أو دوغمائية وطنية .