23 ديسمبر، 2024 8:06 ص

مع بيان المرجعية في 6 كانون الأول 2/2

مع بيان المرجعية في 6 كانون الأول 2/2

أواصل تناول ما تبقى من بيان المرجعية في الجمعة الماضية:
«فإنه لا غنى عن هؤلاء الأعزة في تفادي الفوضى والإخلال بالنظام العام، وقد لاحظ الجميع ما حلّ ببعض المناطق لما لم تستطع القوات الأمنية القيام بما يتوقع منها في هذا الصدد، إلى أن هبّ رجال العشائر الكرام فقاموا بدور مشهود في حماية السلم الأهلي ومنع الفوضى والخراب، فلهم كل الشكر والتقدير على ذلك، ولكن ينبغي العمل على أن ترجع الأمور إلى سياقها الطبيعي في جميع المناطق من تحمل القوى الأمنية الرسمية مسؤولية حفظ الأمن والاستقرار وحماية المنشآت الحكومية وممتلكات المواطنين من اعتداءات المخربين»:

وهنا مع الإشادة بدور رجال العشائر، وهي إشادة يستحقونها، تتمنى المرجعية، كما نتمنى، ألا تضطر العشائر أو غيرها بأخذ زمام المبادرة في حماية الأمن، فالسياق الطبيعي، كما يؤكد بيان المرجعية، في الدولة الحديثة، دولة القانون والحق العام، أن يكون ذلك من اختصاص القوات الأمنية الرسمية، وحصر السلاح بيد الدولة، وعدم إشاعة ملكيته للعشائر والميليشيات الحزبية والمجموعات الخارجة عن القانون.

«مع التزامها بالتصرف بمهنية تامة في التعامل مع كل الأعمال الاحتجاجية لئلا تتكرر مآسي الأسابيع الماضية.»

وهذا يتضمن إدانة للتصرف خارج إطار المهنية، في إطلاق الرصاص الحي والغازات المحرمة دوليا ضد التظاهرات.

«إننا إذ ندين ـ مرة أخرى ـ كل ما وقع خلال الأيام السابقة من سفك للدماء البريئة والإضرار بالممتلكات الخاصة والمؤسسات العامة»:

وهنا تتكرر الإدانة تصريحا، أو منطوقا كما يعبر في علم الأصول، مثلما سبقتها تصريحا، أو مفهوما، كما في المصطلح الأصولي.

«ندعو جميع المتضررين إلى سلوك السبل القانونية في المطالبة بحقوقهم»:

فثقافة ما يصطلح عليه بالقضاء الذاتي، يؤدي إلى الفوضى والمزيد من الدماء، فذهب زمان أخذ ولي الدم بثأر قتيله، حيث لم تكن هناك دولة بمعناها العصري، ولا يمكن القول إن ظروف الثورة ظروف استثنائية، تسمح بالثأر خارج إطار القانون، بل لتأخذ ثورتنا درسا من العظيم مهاتما غاندي، عندما انتصر على عنف الاستعمار البريطاني بالإصرار على سلوك المقاومة اللاعنفية التي قاد شعبها فيها، فانتصر على العنف باللاعنف.

«ونطالب الأجهزة القضائية بمحاسبة ومعاقبة كل من اقترف عملاً إجرامياً ـ من أي طرف كان ـ وفق ما يحدده القانون»:

لأن هذا حق لا يجوز التفريط به، حق ضحايا هذه الجرائم، وحق ذويهم، وحق الشعب العراقي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، عندما يأخذ القانون مجراه الطبيعي، نحول دون الفوضى باضطرار ذوي ضحايا الثورة إلى أخذ المبادرة بأيديهم لقتل قاتلي أبنائهم، مما يؤدي إلى فوضى القضاء الذاتي الذي لا نتمناه للعراق، وننبه إلى خطورته. وهذا مطلبنا جميعا، وهو مطلب لا يمكن التسامح فيه، فلا بد من أن نعرف من المسؤول عن قتل أكثر من أربعمئة متظاهر وربما مستطرق، وجرح وإصابة وإعاقة عشرين ألف منهم، وهذا يشمل أيضا المسؤولين عن قتل أفراد من القوات المسلحة بلا مبرر، وليس دفاعا عن النفس، كما قد يمكن أن يكون حصل في حالات، فكل من المتظاهرين وأفراد القوات الأمنية هم أبناء شعبنا العراقي.

«ونعيد هنا التحذير من الذين يتربصون بالبلد ويسعون لاستغلال الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح لتحقيق أهداف معينة تنال من المصالح العليا للشعب العراقي ولا تنسجم مع قيمه الأصيلة»:

والمتربصون بالعراق وبالشعب العراقي ومصالحه العليا وتطلعاته من أجل مستقبل أفضل، معروفون داخليا وخارجيا، فالأحزاب والميليشيات المتربصة شرا بالعراق معروفة، كما إن الجارة الشرقية بخامنئيها وسليمانيها معروف تربصها بالعراق شرا.

«كما نعيد الإشارة إلى ما سبق أن أكّدت عليه المرجعية الدينية من أنها لجميع العراقيين بلا اختلاف بين انتماءاتهم وتوجهاتهم»:

وحسنا تفعل المرجعية بتجنبها استخدام مفردة «المكونات» سيئة الصيت، بل استخدام مصطلحات كالفئات والانتماءات، بما فيها الدينية والمذهبية والقومية، والتوجهات، بما فيها السياسية والفلسفية، تأكيدا لمبدأ المواطنة الذي ننادي – كديمقراطيين علمانيين – باعتماده على جميع الأصعدة، سياسيا واجتماعيا.

«وتعمل [المرجعية] على تأمين مصالحهم العامة ما وسعها ذلك، ولا ينبغي أن يستخدم عنوانها من قبل أي من المجاميع المشاركة في التظاهرات المطالبة بالإصلاح» «لئلا تحسب على جمعٍ دون جمع»:

وهذا تعبير واضح، كنت قد انتظرته من المرجعية، عن عدم قبولها بتظاهرات خميس ما قبل الجمعة التي تلي فيها هذا البيان، إذ هتف المتظاهرون باسم المرجع الأعلى، سواء كان ذلك بحسن نية، من قبيل جواز فرض المحال، أو نفاقا ومتاجرة، لجعل المرجعية غطاء شرعيا لما يمكن تسميته بالثورة المضادة، خاصة إذا تبين فعلا إن الداعين لتلك التظاهرات النفاقية حزب الدعوة وتيار الحكمة والمجلس الأعلى، وربما بقية الشلة. ثم من يدري، لعلهم بهتاف «كُلْنَا وْياك سيّد علي» إنما يقصدون ولي أمرهم علي خامنئي وليس المرجع علي السيتاني.

«وفي الختام نأمل أن يتم اختيار رئيس الحكومة الجديدة وأعضائها ضمن المدة الدستورية ووفقاً لما يتطلع إليه المواطنون»:

وهذه نقطة هي الأخرى في غاية الأهمية، فيجب أن يكون اختيار رئيس مجلس الوزراء وقفا لما يتطلع إليه المواطنون، وليس وفق ما تتطلع إليه أحزاب الطبقة السياسية المتنفذة والمتحاصصة سنيا شيعيا كرديا، فلم تعد صفقاتها المعقودة في الغرف المظلمة مقبولة من جماهير الشعب العراقي الثائر ثورته التغييرية الإصلاحية الجذرية الشاملة.

«بعيداً عن أي تدخل خارجي»:

وأهم الدول التي يمكن أن تتدخل هي إيران بالدرجة الأولى، لكن أي تدخل آخر مرفوض هو الآخر، سواء كان سعوديا، أو أمريكيا.

«علماً أن المرجعية الدينية ليست طرفاً في أي حديث بهذا الشأن ولا دور لها فيه بأيّ شكل من الأشكال»:

وهذا تأكيد آخر لإعلان المرجعية الذي تضمنته الخطبة السابقة بتبنيها لمبدأ الفصل بين الدين والسياسة، فهي تقتصر على النصح والإرشاد، كما أعلنت بوضوح، والقرار وحده للشعب العراقي، وهذا ما كنت أؤكده في مقالاتي عامي 2003 و2004، مما حدا بلجنة تزكية المرشحين لقائمة الائتلاف العراقي الموحد 169 للجمعية الوطنية، أن تصر – خاصة عضو اللجنة آنذاك حسين الشهرستاني – على شطب اسمي، معتبرا إياي مناوئا للمرجعية، وكنت قد دعوت إلى ذلك، وأنا كنت ما أزال إسلاميا، وإن كنت أعتبر نفسي آنذاك ديمقراطيا-إسلاميا. ومشكورة المرجعية اليوم إذ تعتمد مبدأ الفصل هذا، الذي هو خير للوطن والمواطنين من جهة، وخير للدين والمتدينين من جهة أخرى، وخير حتى للمذهب والمتمذهبين بمذهب الأكثرية من جهة ثالثة. فالأيام والسنون والعقدان قربت بين المرجعية الدينية العليا وبين رؤيتي العلمانية في الكثير من الرؤى، لتجعل المرجعية نهاية لتسييس الدين ومنح أحزب الإسلام السياسي الشرعية، وتقترب من مفهوم الدولة المدنية التي كان ينادي بها الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وأسميها دولة المواطنة العلمانية الديمقراطية الحديثة، كما في مبادرتي في «دستور دولة المواطنة».