بين بناء الدولة وبناء الحزب على حساب الدولةمسافات , لا يمكن لها أن تلتقي مهما أبدعنا في تعبيد الطرق الغير موصولة لها ,بناء الدولة ينصهر فيه مصلحتي الحزب والشخوص , يرتكز على مبدأ سيادة القانون والعدالةالاجتماعية للمواطنين , والحفاظ على الموارد البشرية الذهنية والفكرية , وتقبل المجتمع على انه مجموعة أفكار متحركة , ليس من الضروري أن تنسجم مع تطلعات الفكر الحزبي أو آلياته الحاكمة , على العكس من بناء الحزب والشخوص على حسابها فهما يبتلعا الدولة , ويرسخان مبدأالمصادفات في استنباط الحقوق التي يحتم حين ذاك الحصول عليها التقرب من الحزب والحاكم وكسب ولاءاته , تلك أساليب عملت عليها حكومات العصر الدكتاتوري الرمزي الكلاسيكي ,التي وعلى الرغم من بعض سلوكياتها التي حاولت من خلالها إيهام مجتمعاتها بديمقراطية نهجها , إلا إنها لم تعدوا أكثر من كونها مجرد آليات ليس لها بعد أو روح ديمقراطية ومفاهيمها , كما هي آليات الاستفتاء العام واستسقاء موارد الفوز بطرق قسرية معلنة , واختفاء روح المنافسة السياسية , وإغلاق فرص التكافؤ السياسي , الذي كشفت عورته تطورات حرية الرأي والحراك الديمقراطي العالمي . وبالرغم من كل ذلك إلا إننا يمكن لنا تشخيص عوامل بناء الدولة الحزبية في بعض الدول حديثة التحول الديمقراطي ,الدولة العراقية الجديدة نموذجا تقييميا يمكن الاستدلال طبقا لحداثة تجربتها إلى بعض من صفات بناء الدولة الحزبية , بالرغم من التعددية السياسية وحرية الصحافة والإعلام, واليات إنجاب السلطة عن طريق انتخابات عامه تشارك فيها القوى السياسية بشكل معلن, إلا إن ذلك لا يمنع من تأشير علامات القبض على السلطة , لتكون آلياتها الديمقراطية غلافا مهلهلا لقرصنتها , من ابرز تلك المؤشرات غياب استحقاقات الفرد طبقا لهوية مواطنته , لتعلو عليها صفة الحزب , ذلك تجلى في إقحام شخصيات على أسس حزبية في التصدي لقرار الدولة المؤسساتي الأعلى والبسيط , مما ينذر بعسكرة المجتمع حزبيا تنفيذا لمتطلبات الحاجة , بالإضافة إلى تغليب كفة القرابة على استحقاق المواطنة مقرونة بالكفاءة , لتظهر مرة أخرى إلى موقع القرار , جلاوزة عوائل المدراء العامين والوكلاء والوزراء , وصولا إلى رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان وحتى رئيس الوزراء ,لنرى ابن فلان وزوج فلانة بنت فلان والأخ الأكبر لفلان والأصغر لعلان , شبكة متشرنقة تلتف على محور القرار وتعبث به بجهل ومصلحة شخصية نمت خلالها قومسيون اتالعصر البدائي المكشوف وشركات العهر التجاري , وغسيل الأموال والفساد الإداري والمالي , وأمام أنظار الجميع , معرفون بشخوصهم وهوياتهم ونشاطاتهم , مترفون تسوقهم رغباتهم المتخلفة إلى سحق مقدرات هذا البلد بعد أن أجهزت عليه زبانية العهد المسمى بالبائد والذي لازالت خطاه تدوي مع القادمون الجدد , كأن الوجوه تتغير والأدوار تتكرر , برغم مقاربة العهد الديمقراطي الجديد على عقده الأول وإتخام مؤسسات الدولة برجالاته , لتنتشر ظاهرة استمرار تفشي الفساد بكل أنواعه كأنه صفةالحاكم , ليكون من الصعب وفقا لمعطيات الواقع من الاستمرار إلصاق تهمة الفسادوتأخر بناء الدولة على أزلام النظام السابق كما يحلو للكثير من الفاشلين التغني به, ذلك ليس إعلان براءة لطغمة النظام لكنها حقائق فشل النظام السياسي الجديد فيتجاوز محنة استقرار الدولة وبناءها , إن البناء الديمقراطي للدولة الديمقراطية يرتكز أساسا على الوجود والممارسة الفعلية للحقوق الأساسية للفرد والجماعة طبقا لمفاهيم الديمقراطية ومنها حق التملك والعيش الكريم والمساواة تحت مظلة القانون ومنح الفرصالمتكافئة للتنافس السياسي وحرية الرأي بالإضافة إلى حقوق جوهرية أخرى مكفولة بالقانون , فهل استطاعت القوى السياسية العراقية توفير جزء اكبر من تلك الحقوق الأساسية والجوهرية ؟ من خلال مراجعة مجريات الأمور أرى إن هنالك قصورا واضحا في توفير الجزء الأدنى من تلك الحقوق , أو بالأحرى فان هنالك عملا ممنهجا للالتفاف على أهمها , انبرى بشكل واضح في قوانين العمل السياسي وبعض إجراءاته التي أطاحت بآمال الدولة المدنية , حيث انتشار الولاء للهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية وهيمنة الإسلام السياسي بعباءةا لطائفية وبقوة متعكزة على نظريتها في حماية الطائفة وتجسيد صراعها بشكل عملي غيب بشكل خطير هوية المواطنة .