في الخامس عشر من حزيران الماضي توفيت الكاتبة المبدعة والمناضلة التقدمية المصرية المعروفة فتحية العسال ، بعد حياة نضالية وكفاحية عريضة دفاعاً عن المرأة وحقوقها ومساواتها ، وبعد مسيرة عطاء ثقافية حافلة .
فتحية العسال هي ناشطة نسويه سياسية وقيادية بارزة في الاتحاد النسائي التقدمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي المصري وجبهة الدفاع عن حرية التعبير ، التي أسستها مع الفنانة إسعاد يونس ، ورئيس جمعية الكاتبات المصريات وعضو في اتحاد الكتاب . وهي من مواليد العام 1933 ، ومنذ شبابها المبكر ارتبطت بالعمل النضالي التحرري وانخرطت في النشاط السياسي ، انحازت للشعب واهتمت بالقضايا الاجتماعية وانتصرت لقضايا الإنسان ، وكرست حياتها في الذود عن القيم العظيمة ، وعن قضايا الفقراء والمهمشين في المجتمع ، والدفاع عن قضية المرأة ومسائل الحرية والديمقراطية .
عرفت العسال بأفكارها التقدمية التحررية النيرة وبمواقفها الشجاعة الصلبة ، وقد وقفت ضد الظلم والفساد والقهر الاجتماعي والاضطهاد الطبقي ، ورفضت التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ، وتصدت لمحاولات تغيير الهوية الثقافية ، وشاركت في جميع المعارك الكفاحية الشعبية والمظاهرات الغاضبة والأعمال الاحتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي على غزة ، والعدوان الأمريكي على العراق ، وخاضت الانتخابات النيابية أكثر من مرة ولكن لم يحالفها الحظ بالفوز . ورغم مرضها ، فقد شاركت العام الماضي في اعتصام المثقفين والمبدعين المصريين ورجالات الفكر والثقافة احتجاجاً على تعيين علاء عبد العزيز المحسوب على “الإخوان المسلمين ” وزيراً للثقافة ، وبسبب نضالها وكتاباتها السياسية ومواقفها الجريئة المناهضة للنظام السياسي الحاكم تعرضت للسجن أكثر من مرة ، وكانت تخرج أقوى واشد صلابة وتفولذاً وإيماناً بعدالة القضية التي تدافع عنها .
وعن تجربة زواجها المبكر من الكاتب والمناضل الراحل عبد اللـه الطوخي تقول فتحية العسال في مذكراتها : “أن زوجها كان مثقفاً وواعياً وجريئاً مثلها ودخلا السجن معاً ، إلا أنها طلبت الطلاق حين شعرت أنه يحاول أن يتملكها ويستحوذ عليها ” .
بدأت فتحية الكتابة الأدبية في العام 1957 ، وصدر لها عشر مسرحيات ، منها : ” المرجيحة ، البسبور ، نساء بلا أقنعة ، ليلة الحنة ، من غير كلام ، البين بين ” وغيرها ، ولها ما يقارب الستين مسلسلاً تلفزيونياً ، أشهرها :” شمس منتصف الليل ، حبال من حرير ، بدر البدور ، هي والمستحيل ، حتى لا يختنق الحب ، رمانة الميزان ” وسواها العديد .
ولفتحيه أيضاً مذكراتها الجريئة ” حضن العمر” التي أثارت أصداء واسعة بين الأوساط الثقافية والأدبية المصرية والعربية .
وفي أعمالها الأدبية تجسد فتحية الواقع الاجتماعي المعاش ، وتركز على الجوانب والقضايا المتعلقة بمسألة المرأة ومعاناتها من الكبت والحرمان والأغلال والقهر والتمييز ، وتمتاز كتاباتها بعنصر التشويق والوصف الجميل واللغة الدافئة التي تلامس القلب والوجدان وتخاطب العقل .
فتحية العسال مناضلة ومقاتلة صلبة شاركت بالعمل السياسي والحزبي ، حملت هموم المسحوقين والمظلومين والكادحين ، وانغمست بقضايا الوطن ، وجسدت البطولة في أسمى معانيها وأروع صورها ، وكانت نموذجاً يحتذى في العطاء والشجاعة والمسؤولية ، وقدمت لثقافة التقدم والتحرر زاداً فكرياً وثقافياً سوف يبقى في ضمير الأمة والشعب هادياً وملهماً على طريق الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم الحضاري والإنساني . فطوبى لها ، وعاشت ذكراها خالدة في قلوب المناضلين والمقاتلين في سبيل وطن حر وشعب سعيد .