23 ديسمبر، 2024 3:27 ص

يوميا بعد صلاة العشاء اقوم بالمشي نصف ساعة تقريبا ضمن مربع محدود في منطقتنا السكنية كوننا اصبحنا من جلساء البيوت اضطراريا بسبب فايروس كورونا بالامس وانا اقوم بهذه الجولة مررت بالقرب من مدرسة اسمها متوسطة انوار الهدى للبنات وقد ذكرتني هذه المدرسة باحدى مراجعاتي لها قبل اعوام عندما كانت ابنتي الوحيدة حنين تدرس فيها فاستدركتني الذاكرة واوقفت عجلة الزمن عندي لاتذكر كم سنة مرت سريعا دون ان ادري..سنين بحروبها ومشاكلها اعادتها الذاكرة وكأنها دقائق قليلة…. لقد كبرت حنين وانهت دراستها المتوسطة وذهبت الى اعدادية موصل الجديدة للبنات وانهت تلك المرحلة بتفوق وبمعدل 97 ثم دخلت عالم الجامعة ليكون قبولها وحسب رغبتها كلية طب الاسنان في جامعة الموصل واليوم هي في المرحلة الخامسة والاخيرة لتحصل في العام القادم ان شاء الله على شهادة البكلوريوس في طب وجراحة الاسنان..
ما اسرع السنين والوقت وما اسرع عجلة الزمن وهي تدور وبدون ان نراها وبدون ارادتنا….
كبرت حنين مع الزمن وبسرعة أيضاً واصبحت تنتظر دورها في الحياة لتخدم المجتمع كطبيبة ومازلت انظر لها تلك الطفلة المدلله الوحيدة لاهلها ومازالت طلباتها من ابوها بنفس الطريقة الطفولية البريئة..
نعم انه قطار العمر هو الشيء الوحيد الذي لا نعرف سرعته الا بعد عبوره مرحلة الطفولة والشباب في اعمارنا… بعدها نستعيد ذكريات كل محطة مررنا بها
واين توقفنا وماذا رأينا ومن كان معنا واين اصبح رفقائنا في هذه الرحلة.. مجرد ذكريات مؤلمة لان الرحلة كانت قاسية وسريعة جدا واغلب المسافرين معنا رحلوا الى عالم آخر او تغيرت مساكنهم ولم نراهم منذ فترة طويلة..
نعم لقد كبر الاطفال واصبحوا مؤهلين لقيادة المجتمع واصبح كل واحد فيهم يفكر بان يكون قائد لاسرة جديدة واصبح شباب الامس في مرحلة المشيب مرحلة الجلوس في البيوت وتحول الاغلبية منهم من قائد فعال في الاسرة الى مراقب للعائلة يقدم النصائح والاقتراحات ويعاني من فراغ زمني صعب يبحث فيه عن اي مناسبة للخروج من البيت مثل اداء المناسبات العامة والاجتماعية وخاصة بعد ان اصبحت التكنولوجيا الحديثة تدخل في كل المجالات وهنا اقصد التعامل الإلكتروني في المصارف والبنوك وبعد ماكان الموظف المتقاعد يذهب بنفسه الى المصارف والموجودة حصرا في المدينة ويعاني بعض الشيء عند استلام راتبه التقاعدي بينما نجده اليوم يستلم الراتب من اقرب مكتب صيرفة في منطقة سكنه….
وتبقى محطات العمر وهي تستقبل الجديد وتودع الذين شاءت ارادة الله ان يرحلوا من بيننا ويستمر القطار مسرعاً وتبقى الحياة متواصلة من جيل الى جيل ويبقى الجميع يعيش على ذكريات الماضي ويخاف من المستقبل المجهول…
ذكريات لا اعرف لماذا يحن اليها الجميع ويشتاق اليها رغم مرارتها أحياناً ورغم ماحقق لنا المستقبل من كثير من أمانينا وطموحاتنا الا اننا في الواقع لم تدخل البهجة والسرور الى انفسنا…
ورغم كل الحروب والمآسي في الاربعين سنة ماضية فلقد كبرتم يا جيل ابنتي حنين وانتم تشهدون عصر تكنلوجي متطور جدا وكل ذكرياتنا بالنسبة لكم مجرد كلام عبير تعتبرونه خرافة وغير موجود على ارض الواقع كونكم بعيدين كل البعد عن واقعه او المرور بنفس ظروفه.. فالسكن اليوم على الطراز المعماري الحديث والقرية تحولت من دور طينية الى قصور شيدت بها كل وسائل ومتطلبات العصر الحديث فالراديو والمسجل الوحيد في القرية اصبح غير موجود ولاحاجة له ووسائل الاتصال الذي لم نكن نعرفها نهائياً اصبح في متناول الجميع واصبح الاب لايبحث عن ابنه اذا احتاجه في امر معين كونه سوف يتصل به بدون عناء ويعرف مكان تواجده.. واصبحت كل النساء ربات بيوت من الدرجة الاولى بفضل الانترنيت ومطبخ السيدة منال والشيف رمزي ولم يعد للمبصلية والچشچ وجود جانب موائد اليوم وماتحوي من حمص بطحينة ومخللات ومشويات وانواع لاتعد ولاتحصى من المأكولات… واصبح الابناء يقضون اوقاتهم ليس بلعبة الختيلة ﴿ القمقمية) او تصفيف قواطي المعجون الفارغة ورميها من بعد او الچولة انما بلعبة البوبچي الإلكترونية ومراسلة الاصدقاء والصديقات من شتى بقاع العالم…
كل هذه الذكريات كتبتها بدقائق معدودة ولكنها في الواقع هي احداث لاكثر من خمسين سنة تذكرت قسم منها وانا امر من القرب من مدرسة طفلتي الصغيرة ومدللتي الدكتورة طبيبة الاسنان حنين…….