هل يشهد عام 2021 تفكك العراق أم إعادة تشكيل الدولة بصيغة تضمن وحدتها التأريخية على غرار ما حدث قبل مئة عاملا يفصلنا عن هذا التاريخ سوى بضعة سنوات وتحديداً خمسة أعوام في وقت ما زالت فيه بوصلة سفينة الدولة العراقية عاجزة عن ضبط نفسها ومساراتها بدقة أوالسيطرة على اتجاهاتها بحكمة وموضوعية لتضمن سلامة وصولها إلى بر الأمان وسط تلاطم أمواج المد العاتية وتواتر العواصف والرياح الشديدة التي ألمت بها من كل حدب وصوب.
ومع قرب حلول تلك الذكرى التأريخية التي إستبشر بها خيراً العراقيون جميعاً آنذاك، ما زال مستقبل تلك الدولة مجهول المصير بعد مئة عام من تاسيسها عام 1921 بمباركة دول الحلفاء الزاحفين أو الفاتحين على حساب تراجع وإضمحلال نفوذ الرجل المريض بين السبعة الكبار حينذاك، وهو ما يثير التساؤل حول قدرة تلك الدولة في الحفاظ على وحدتها التاريخية التي باتت اليوم حبرا على ورق في ظل الانقسامات السياسية والنزعات العرقية والقومية التي تعصف بالبلاد الغنية بالنفط.
وقد يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى وتجود الدول الكبرى وهي اللاعب الاساسي الأول في حلبة الصراع العراقية بكرمها وسخائها على شعب الرافدين المغيب عن الواقع السياسي والمغلوب على أمره في كل الحلول وأنصاف الحلول السياسية، وذلك من خلال تضميد جراحه ووقف نزيفه المتواصل بتنصيب حكومة إنقاذ وطني مدعومة بقوة من قبل تلك الدول، على غرار ما فعلته بريطانيا عام 1921 عندما نصبت الملك فيصل الأول ملكا للعراق، ولكن ما سيزيد من صعوبة هذا التنصيب الجديد ونظام الحكم المستحدث في العراق هو مدى جاذبيته أم معارضته لدى الجارة (إيران) الند الاقليمي الآخذ في التنامي وصاحب النفوذ القوي والفاعل في المشهد السياسي العراقي، وكذلك مدى مقبوليته من عدمها لدى (السعودية ، تركيا) وهي أطراف الصراع الأخرى المتنافسة على مصالحها المذهبية والقومية في هذه الرقعة الجغرافية من العالم، وهي جدلية سياسية شائكة قائمة منذ ما يربو على الثلاثة عشر عاماً دفع وما يزال يدفع ثمنها دما عبيطاً أبناء العراق الغيارى.
ولربما يكون عام 2021 مفترق طرق للعراق ليجري تفتيته الى دويلات جديدة بعد إعادة تشكيل الخارطة السياسية للـ (العراق سابقا) إرضاءا لمصالح ومطامع هذه الدولة او تلك الجهة، وفضا للمنازعات الداخلية بين الفصائل السياسية التي أغرقت البلاد في دوامة من العنف الدموي على مدى ما يقارب عقدين من الزمن منذ الاطاحة بحكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 2003، لتدق ناقوس خطر تفكك خارطته الحالية التي رسمت حدوده التاريخية وأطرت لحمته الوطنية على مدى عشرة عقود خلت من الزمن.
لا أعتقد ان أحدا يستطيع الإدعاء بانه يمتلك اجابة صريحة وواقعية لتلك الأسئلة الغامضة وما سيؤول إليه مصير العراق المجهول عام 2021 لضبابية المشهد السياسي الحالي، في وقت فقد فيه أصحاب الشأن السياسي الراهن في العراق مفاتيح الحل لأزمته وعجزوا عن فك عقدة حكمه الأزلية وهم في حيرة من أمرهم بين “عراق مفكك” أم “عراق موحد” وسط تجاذبات حيال “حل وطني من الداخل” أم “بديل مستورد مصنوع في الخارج”، ولكن في حقيقة الأمر ثمة تحول سيحدث في العراق بعد إن لاحت في أفقه بوادر التصدع والتشظي بين مكوناته وخيمت على أجوائه غيوم الفرقة وإنعدام الثقة بين فصائله السياسية المتناحرة، وهي كلها عوامل تصب في إتجاه واحد لا غير هو الحد من متانة وصلابة ومقاومة وحدته ضمن الإطار الجغرافي الحالي بعد صمود دامٍ دام زهاء مئة عام.