23 ديسمبر، 2024 1:39 ص

مع أ.د. مكارم الغمري في موسكو

مع أ.د. مكارم الغمري في موسكو

التقينا معا آخر مرة في اواسط السبعينات من القرن الماضي بموسكو اثناء مشاركتنا في الندوة العلمية لمدرسي اللغة الروسية وآدابها في بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ( انظر مقالتنا بعنوان – مكارم الغمري والادب الروسي ), وها نحن ذا نلتقي من جديد بعد اكثر من اربعين سنة في المؤتمر العالمي الخامس لمترجمي الادب بموسكو العام 2018 , وبما اننا افترقنا كل هذه الفترة الطويلة من السنين , فقد كان اللقاء ( الذي استمر ثلاثة أيام) مليئا بالاحاديث والذكريات عن الاشياء المشتركة التي توحّدنا , وما أكثرها , ابتداءا من الاصدقاء والزملاء الراحلين د.محمد يونس ود.حياة شرارة و و و.. , وانتهاءا بهمومنا ومشاغلنا التي ترافقنا لحد الان في مجال ترجمة الادب الروسي ومشاكل تدريسه ونشره في بلداننا العربية .
سألتها رأسا – هل قرأت مقالتي عن (مكارم الغمري والادب الروسي) , فضحكت وقالت طبعا طبعا , وأنا أعتز بها جدا ( قدّمت لها نسخة من كتابي – ( دفاتر الادب الروسي 1) حيث توجد مقالتي تلك, رغم انني لا امتلك غيرها وقلت لها , أفضل ان تكون هذه النسخة لديك مما ان تكون عندي). بدأت أروي لها , كيف كان المرحوم أ.د. محمد يونس يحدثني عنها , فقالت انها لاتزال تحمل أجمل الانطباعات عنه وعن زوجته ام بشار( اذ انهم كانوا يعيشون سوية في القسم الداخلي بجامعة موسكو اثناء الدراسات العليا ) , وسألتني بتفصيل عن أخبار زوجته واولاده , وحدثتها عن بشار وعمار ومي وحسين , وطلبت مني ابلاغ تحياتها وتمنياتها لهم جميعا , وها انذا اقوم بذلك حسب طلبها , وقلت لها , ان محمد يونس كان يكتب آنذاك اطروحته عن تولستوي , بينما كنت انت تكتبين اطروحتك عن غوركي , وسألتها – لماذا اختارت غوركي بالذات ؟ فقالت , لاننا كنا في ذلك الوقت مسحورين بالاشتراكية ومفاهيمها في كل شئ , بما فيها قضايا الادب والفن , ثم أضافت – ولكنني لم اكتب عن ادب غوركي بشكل بحت فقط , وانما تناولت انعكاساته في الادب العربي ايضا , وبالذات عند الشرقاوي والخميسي والآخرين , ولهذا فانني اقدّم نفسي دائما على اني متخصصة بالادب الروسي والادب المقارن في آن واحد , قلت لها مبتسما – ولهذا جاء كتابك المتميّز بعدئذ عن المؤثرات العربية والاسلامية في الادب الروسي , والذي لا زال مطلوبا من القراء العرب رغم انه صدر قبل اكثر من ربع قرن في عالمنا العربي ( انظر مقالتنا بعنوان – حول مقالة تولستوي بدل السخوي ) .
حدثتها طبعا عن دار نوّار للنشر , ومشاريعي المرتبطة بدار النشر هذه وتوسيعها كي تشغل مكانتها اللائقة بها في مجال الادب الروسي في العالم العربي , بما فيها جائزة نوار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي , وأخبرتها ( سرّا !) باسم المرشح المحتمل ( آنذاك ) لنيل هذه الجائزة , وهو بوغدانوف , فقالت انه اختيار ممتاز و صحيح ودقيق من قبل اللجنة , ومدحته جدا , خصوصا عندما عمل في مصر ( أرسلت لها بعدئذ كل ما ظهر من مقالات وتعليقات بعد اعلان خبر حصول بوغدانوف على الجائزة , بما فيها طبعا مقالة سلام مسافر – نوار يضئ الالفة العراقية الروسية , ومقالة محمد عارف – وسام الدبلوماسية الشعبية العراقية ) . دعوتها ان تشارك في نشاطات دار نوار للنشر , وقلت لها , انني اتمنى ان أرى يوما- ما عددا خاصا يحمل اسم أ.د. مكارم الغمري ضمن سلسلة ( دفاتر الادب الروسي ) يضم مقالاتها وملاحظاتها حول الادب الروسي كي لا تبقى هذه المقالات والملاحظات المهمة للقارئ العربي مبعثرة هنا وهناك في مختلف المجلات والصحف والمواقع الالكترونية , فوافقت على هذا المقترح وقالت انها تتمنى ايضا ان تشارك في هذا المشروع الثقافي الذي يحمل اسم ابنك الراحل, وانها ستفكر جدّيا بتحقيق هذه الفكرة الجميلة مستقبلا , واود ان اكرر هنا باني انتظر من زميلتي د. مكارم – وبكل سرور – تحقيق الفكرة وتنفيذ هذا المقترح المهم علميا للقارئ العربي .
ختاما لهذه السطور , اود ان أشير , الى ان احاديثنا خلال ايام المؤتمر الخامس للمترجمين في موسكو قد تشعبت كثيرا وشملت الادب العراقي طبعا , وقالت لي د. مكارم انها معجبة جدا برواية انعام كجةجي الموسومة ( الحفيدة الامريكية ) , الا انها ضحكت وأضافت قائلة , انها لا تقدر ان تتذكر او ان تلفظ بشكل صحيح لقبها هذا ( اي كجةجي ) , وقلت لها , انني ايضا معجب بانعام كجةجي روائية وصحافية , وانني متابع دائم لكل ما تنشر من روايات ومقالات ذكية ودقيقة وذات نكهة خاصة بها فقط لاغير , وانها فنانة رائعة تعرف كيف تحوك رواياتها ومقالاتها بمهارة فريدة ومدهشة الجمال شكلا ومضمونا .
أ.د. مكارم الغمري – مثلي طبعا – متقاعدة , ولكن , هل تقدر هذه المرأة المليئة حيوية ونشاطا ان تتوقف عن مسيرة الابداع ؟ والمساهمة في حركة الترجمة عن الروسية ؟ واغناء المكتبة العربية بمصادر جديدة عن الفكر الروسي ؟