23 ديسمبر، 2024 9:03 ص

مع أسئلة الإعلامي أمير عبد حول العلمانية 3/7

مع أسئلة الإعلامي أمير عبد حول العلمانية 3/7

س/ الدين والعلمانية هل هما متخاصمان أم متصالحان؟

ج/ كلا الحالتين ممكنتان، فالدين، لا كحقيقة إلهية مفترضة كانت أو صادقة في عالم التجريد، بل أعني الدين كما هو في الواقع لدى المتدينين ورجال الدين والقوى الإسلامية، بصوره المتعددة وأوجهه المختلفة، هو في الغالب معادٍ للديمقراطية نفسها، ناهيك عن العلمانية، باستثناء ما يعتمده التنويريون والإصلاحيون من رجال الدين والمفكرين الإسلاميين وعموم عقلاء المتدينين من رؤية شاذة بإمكان الجمع بين الدين والعلمانية. لكن إذا جرى التثقيف على أن الدين والتدين شأن شخصي تكفل الدولة حريته للمواطن بهذا المعنى، وشاع هذا المفهوم، فبالإمكان أن يكون هناك تعايش بين الدين والعلمانية، وهذا ما ندعو إليه. والعلمانية الراديكالية المرفوضة هي الأخرى تكون بالتأكيد في حالة خصومة مع الدين، وعلمانية النظام الشيوعي في رومانيا بقيادة چايچسكو كانت نموذجا للعلمانية الديكتاورية الراديكالية. إذن الخصومة تكون بينهما عندما يكون هناك دين راديكالي وعلمانية راديكالية، أو يعتمد أحد الجانبين الموقف الراديكالي ضد الآخر. نحن ندعو للمصالحة بين الدين والعلمانية، عندما تكون العلمانية للدولة والدين للمواطن الفرد المؤمن بالدين.

 

س/ هل بالفعل يعتبر الدين معوقا أساسيا لتخلف العالم العربي؟

ج/ الدين كما هو في الواقع، والتدين الشعبي على النحو العام، يمثل عائقا أمام الديمقراطية والحداثة والمساواة والدولة العلمانية العصرية العادلة. ولذا لا يمكن تذليل هذه العقبة، المسماة بالدين، بما هو في الواقع، لا كشأن شخصي، بل كعنصر مؤثر على الحياة العامة، وبالتالي على السياسة، من أجل أن نتطور ونقدم، فغالبا ما يمنح المتدينون لأنفسهم حق التدخل في شؤون غيرهم بعنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يحترمون خصوصية الفرد، هناك مشكلة، ثم يقحمون تدينهم في الحياة العامة، وكنتيجة حتمية يكون حاكما على شؤون الدولة والسياسة. فالتدين الراديكالي حتى لغير الإسلاميين هو مستوى من مستويات الإسلام السياسي، ومقدمة له.

 

س/ إذا كان الدين ليس السبب بالتخلف، إذن لماذا يقف الدين موقف المعادي تجاه العلمانية؟

ج/ هذا مجاب عليه ضمنا في جوابي على السؤال السابق، فالدين المعتدل والعقلاني هو وحده الذي يمكن التعايش معه، أما المشكلة ففي الدين الراديكالي، بل في كل راديكالية، علمانية، آيديولوجية، سياسية، قومية، أو سواها.

 

س/ هنالك تجارب علمانية حدثت في المنطقة مثل علمانية (أتاتورك) و(بورقيبة). ما هو رأيك بتلك التجارب؟

ج/ هذه تجارب فاشلة، كما ثبت في الواقع، لذا أنا أؤكد دائما بعدم جواز فرض العلمانية بقرار فوقي، بل يجب أن يجري ذلك بالوسائل الديمقراطية، وباختيار حر من قبل أكثرية الشعب، وهذا يتطلب القيام بعملية تثقيف واسعة على صلاحية العلمانية وأفضليتها وعدم تعارضها مع الدين، خاصة بعدما جرب الشعب العراقي على سبيل المثال الإسلاميين، وتوصلت شريحة واسعة منه عبر التجربة إلى رفضها لقوى الإسلام السياسي، بعدما رأى الشعب إن التدين المفترض للإسلاميين لم يردعهم عن الفساد وسرقة المال العام، بل إنهم يتحملون مسؤولية إقامة دولة المكونات، واعتماد المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية، ولم يقدموا أي خدمة تذكر للشعب العراقي، لاسيما للطبقات المحرومة. فشلت تجربة أتاتورك، لأنه صحيح كان علمانيا، لكنه فرض علمانيته دون تهيئة الشعب لذلك، ثم إنه لم يكن ديمقراطيا، بل متفردا بقراراته، كما كان يعتمد النهج القومي العنصري، حتى سمى جمهوريته التي أسسها بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية باسم قومية الأكثرية، رغم التعددية القومية والدينية في الأناضول. ثم جاء أردوغان ليهدم أركان الدولة العلمانية بالتدريج، بمنهج إسلامي إخواني خفي في البداية، وبنهج قومي، اشترك فيه مع أتاتورك. وهكذا كانت التجربتان الأخريان في إيران على يد مؤسس المملكة الپهلوية رضا شاه الأب، وفي تونس على يد الحبيب بورقيبة، ولو إن هناك اليوم في تونس ملامح العودة إلى العلمانية الديمقراطية، وهذا ما نتمناه للشعب التونسي.

[email protected]

www.nasmaa.com