23 ديسمبر، 2024 3:36 ص

مع أسئلة الإعلامي أمير عبد حول العلمانية 2/7

مع أسئلة الإعلامي أمير عبد حول العلمانية 2/7

س/ الدستور العراقي هل هو علماني أم إسلامي أم كيف تفسره؟
في كل الأحوال لا يمكن اعتبار دستور 2005 دستورا علمانيا، بل هناك حتى إشكال على تسميته مدنيا ديمقراطيا، ولو إنه يشتمل على مواد في بابي الحريات والحقوق لا تخلو من اتجاه ديمقراطي بل وعلماني، وفي النقيض. لكن لا يمكن اعتبار الدستور أيضا إسلاميا بالمعنى الدقيق للدولة الإسلامية التي تعتمد الشريعة الإسلامية حصرا كما في تجربة الجمهورية الإسلامية وتجربة طالبان، وتجربة دولة الخلافة (داعش) مع الاختلاف بين تلك التجارب، لا لأن الإسلاميين لم يكونوا يتطلعون إلى ذلك، ولكن لكونهم أدركوا استحالة تحقيقه. مع هذا فإن دستور 2005 وضع للدولة وعاءً ذا شكل ديمقراطي، لكنه وعاء غير محكم، أي فيه العديد من المنافذ، لضخ أكبر قدر ممكن فيه من خلال تلك المنافذ والثغرات، من مضامين الدولة الثيوقراطية (الدينية)، من قبل قوى الإسلام السياسي، كلما وجدوا فرصة لذلك. وخاصة المادة الثانية صيغت على نحو يسمح بأسلمة الدولة، أولا بجعل دين رسمي للدولة، ومن أساسيات العلمانية أن الدولة لا دين لها، بل الدين شأن شخصي لمن يؤمن به ويعيشه في حياته الخاصة من المواطنين، ومن يؤمن بالدين ويعيش وفقه يتمتع في الدولة العلمانية الديمقراطية بحريته في ذلك. ثم جعلت ثغرتان أخريان في نفس المادة لتسرب من خلالهما محاولات أسلمة الدولة؛ الأولى عدم جواز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام، بينما المادة التي كانت تقابلها في قانون إدارة الدولة الانتقالي كانت أخف بكثير، بل لا تتضمن خطورة استخدامها لأسلمة الدولة، لأن تلك المادة كانت خالية من كلمة «الأحكام» بل تتحدث عن عدم جواز التعارض «مع ثوابت الإسلام»، ثم اشتملت على صمام أمان، بإضافة عبارة «المجمع عليها»، بينما أصر الإسلاميون في اللجنة الأولى المعنية بباب المبادئ الأساسية على رفع «المجمع عليها»، كما أصروا على إدراج كلمة «الأحكام»، وكعضو فاعل في تلك اللجنة ومقرر لها حاولت إقناعهم بضرورة الإبقاء على «المجمع عليها»، وعدم إدراج كلمة «أحكام»، لكن دون جدوى. ثم أوجبت المادة احترام الإسلام باعتباره الهوية العامة لغالبية الشعب العراقي. كما جعلوا الإسلام مصدرا أساسيا للتشريع، بعدما لم ينجحوا في جعله المصدر الأساس بلام التعريف، الذي يقترب من معنى المصدر الوحيد. فهو إذن دستور لا نقول عنه إسلامي، لكن فيه ما يسمح بأسلمة الدولة والقوانين، أي فيه حيامن الدولة الإسلامية أو الخليطة بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية، ولا أقول العلمانية.

س/ البعض يؤكد على أن الدستور هو جامع ما بين العلمانية والإسلام، هل يمكن الجمع دستوريا ما بينهما؟

ج/ أصلا لا جمع بين الإسلام والديمقراطية، فكيف يمكن الجمع بين الإسلام والعلمانية؟ نعم أنا شخصيا نظّرت كإسلامي معتدل في وقتها للديمقراطية غير المشروطة حتى بشروط الإسلام، ذلك برؤية شرعية من عام 1993، ثم نظّرت عام 2006 للعلمانية برؤية شرعية أيضا. لكن هذا كان يمثل قراءة من قراءات الإسلام متعدد القراءات، ولذا لا بد من اعتماد العقل والمنهج العلمي والتجربة الإنسانية وقرار الناخبين والصالح العام، وعدم التعويل على الدين متعدد الصور، وحمّال الأوجه، والقابل لشتى التأويلات، ليبقى الدين والتدين شأنين شخصيين، تصان حريتهما.