23 ديسمبر، 2024 9:51 ص

معية الحاكم

معية الحاكم

مسكين حاكمنا، فهو يعتقد نفسه ملماً بكل شيء ومشرفاً على كل شأن، وحريصا على إن ينال كل المواطنين والأصدقاء والمراجعين حظوظهم وأنصبتهم من العناية والاهتمام والعدالة.
هذا بحافز من طيبته وسهره وتوجيهاته، الا ان ما لا يعلمه حاكمناـــــــ مرات كثيرة ـــــــ كم يأخذ تنفيذ التعليمات من وقت وكم من حقوق تهدر بانتظار وصول التوجيهات، وكم من افراد يموتون ضحية الاهمال او يفلسون باعتبار ان المنفذين بطيئون، وان احداً منهم ليس مستعجلاً.
اما صاحب الحاجة، فما لنا وله؟ لينتظر .. فهو بحاجة الينا. وهكذا تضيع الحقوق مرحليا على مذبح المصالح المتضاربة والشهوات.
ابداً. هذا منطق مرفوض، ومنطق يسود، عن غير وجه حق، وجه الحاكم ويظهره إمام مراجعيه، بانه مهمل وانه اخر من يفكر في من حوله من أصدقاء يتناولهم الظلم ويحيط بهم الغبن والحيف، لان المعلومات التي وصلته مشوهة ومبتسرة ومنقوصة..
واتكلم هنا عن الحاكم العادل الذي يعاني من المشقة، تصيب أصدقاءه وأبناءه وأتكلم عن معاونين غير سيئي النية وغير مناعين للخير. اما اذا اقترن فساد الحاكم وظلمه بمعاونين فاسدين مفسدين متواطئين، فهذا يعني ان الحكم انتهى او هو في الطريق الى النهاية.
وأؤثر القول، ان الإهمال يكون الحافز الى التأجيل ، ثم الطمع بالأصدقاء والمقربين، انهم لن يثوروا ولن يعاقبوا . وهذا أيضاً منطق مرفوض.
سأل احدهم مؤرخاً:ـ بم ذهب عز بني أمية؟ فقال :ـ ابعدوا أصدقاءهم توثقاً من صداقتهم وقربوا اعداءهم اجتلاباً لمودتهم، فخسروا اصدقاءهم ولم يربحوا خصومهم. 
وهذا الواقع هو الذي يجب ان يأخذ به كل حاكم رشيد، وان يتوفر على الاهتداء به الاعوان المخلصون في سعيهم للاحتفاظ باصدقاء الحاكم له ولهم ولبلدهم قضاياهم.. اما الاهمال والنفرة، فهما الطريق الى اهمال ونفرة في حجمها.
وهل يجوز ان يطمئن رئيس دولة الى انه انجز كل الامور المعلقة وانصف كل الناس، بينما تكون الحقيقة عكس ذلك؟ ثم هل يمكن ان نوصد الابواب بوجوه الاصدقاء ونحاسبهم بدقة على التقصير ونطلب اليهم الاعتصام بالولاء الكامل؟
نعم، ان الحاكم مظلوم لانه يجهل ان بين العقل الذي يأمر ، أي عقله هو، واليد التي تنفذ، أي ايدي اعوانه، احيانا، فضاء شاسع يضيع في مداه الطويل، قسوة الامر وتتراخى شدته ويضعف الحاحه ليصبح منة اختيارية مرهونة برضى المنفذ،وبالتالي خالية من النفس والرغبة والحماسة التي بها وحدها يكون تكريم صاحب الحق او الخطوة.
والحاكم له من مشاغله ما يصرفه عن تكرار الاوامر والتوجيهات.. حتى اذا علم انها لم تنفذ، صنف معاونيه في غير خانه المخلصين.. واعدهم في ذهنه ووعيه لمستقبل فيه المحاسبة والعقوبة والانتقام.
واحسن حكم هو الذي لا يثيب ويكافئ المواقف المخلصة، واسوأ حكم هو الذي لا يعاقب ولا يدين. 
[email protected]