تجرك موضوعة تجديد “العدة الفكرية” وتحديث العقل العربي الى حقل الفلسفة النقدي ، الذي ولد واتسع على انقاض الخراب الايديولوجي واحتكار الخطاب الديني ، وصيغة الوصاية على العقل والذات ،ومحاولات ابتلاع الدولة ، وتهميش الطبقة المدنية ، وهيمنة الاصوليات على محركات الوعي ،وغياب قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية والمساواة وقبول الاخر المختلف ، وانهيار المنظومة التعليمية ، هذا الجر او الدفع يضعك امام المواجهة الصريحة مع مخرجات التنوير والحداثة والموقف العلماني ، والمشاركة في الحضارة العالمية من جهة ومع (الفكر الاسلامي ، والعرف الاجتماعي ، والتيارات الفكرية ، والقبيلة )، من جهة اخرى ، والاخيرة هي العناصر الاربعة المشار لها في العنوان بوصفها معيقات للنهضة الاجتماعية على نحو خاص.
الاشتغال على عزل العناصر الاربعة اوتفكيك البنى التحتية والسياق التاريخي والظرف الزمني الذي انتجها يمهد الطريق للفهم والدرس ثم يقدم الاجابات والحلول لمازق الانسان العربي ، وهو يتلفت يمنيا وشمالا غير مدرك لما يدور حوله.
حالة الانفصال عن الواقع والاستعاظة عنها بالغيبيات كرس وعي عاطفي وعقل راكد او مانصطلح عليه “بالعقل المنفصل” في المجتمعات العربية وتثاقل في الحركة المعرفية ، ما يستدعي بناء ستراتيجة النقد العلمي التي ينبغي ان تتخطى حدود الممنوع والتابو بكل جزئياتها.
واذ نعرج بشكل سريع على تداخل فاعلية العناصر الاربعة على رسم حدود الوعي الهشة ، مع علمنا بعدم امكانية احتوائهما بالشكل الكافي ، الا ان الحاجة الفكرية تتطلب ذلك ، والتاسيس يبدا من الفكر الاسلامي ، فالطوطم والتفسير الخاص والقراءة العمودية (للنص) كما يسميها ” محمد اركون ” واشكالية التاويل ، وتنصيب المؤسسة الدينية كوريث شريعي ، خثرت الوعي والعقل العربي ، واحالته الى ما نسميه بالتقاعد المقنع” واستبدلت ذلك بالادراك الجاهز والاتكاء على الماضي واتساع رقعة الممنوعات والمحرمات وارفاقها بالعقاب والثواب .
هنا فقد النص حيويته وخصوصيته ضمن الانساق الروحية وحشر في منطقة ضيقة عجز على ايجاد تفسيرات مقنعة توائم تقدم الزمن ،فيما اتصلت ظاهرة (العرف الاجتماعي مع القبيلة )بعيد التحالف التاريخي مع الدين ،فانتجا عهدا جديدا في تكبيل الانسان العربي وتقيده بقدر كبير من ” الحرام والعيب” اللّذان كونا سلوكا عاما يرفض او ينفى او يقتل من يخترق او يخرج عن هذا السياق ، وبالتالي افضى الامر بالغ التعقيد الى نتائج وخيمة وشكل مازق الاسئلة الحائرة ، ولعل القائمة عريضة ، لمن تعرض الى الارهاب و المضايقة او التراجع عن نقد هذه المنظومة من النساء والنخب عبر تاريخ ممتد لقرون عدة ، لاسيما بعد صعودهما المتسارع والمتنامي في الاونة الاخيرة.
بينما ياخذ المعوق الثالث منعطف مختلف الى حد ما ، فظاهرة الانبهار او الانصهار في الغرب حالة مشروعة بالنسبة للنخب التي تعرضت الى خيبات اجتماعية وسياسية مقابل ما نراه من انتاج وتطور في مختلف المجالات وسيادة العقل والحقوق وقيم الانسان العليا من جانب ، كما ان تلاقح الافكار احد اهم متلازمات الوعي وتطعيمه مع ثقافات اخرى قطعت شوطا طويلا في مضمار المعرفة واسست فكرا تنويرا حداثيا قاد الانسان الى منطقة الابتكار والابداع من جانب اخر، ومسالة التحديث والتجديد لا تتم الا عبر المزج اومانسميه ب)الحقن الثقافي( ،ولنا بتجربة اليابان خير دليل ، وشاهدا حيا على صعود هذا البلد على اعقاب الخراب الذي طاله عشية الحرب العالمية الثانية ، فدفعته مخلفات الركام الى (استنساخ) جزء من معارف الغرب ونسجها من ثافته بعد ان اخضعها الى مختبر الحداثة ، بيد ان هذا الاستنساخ او النقل لاينجح دون فهم التيارات المعرفية الغربية ومحاولة (تبيئتها ) حتى تتكيف مع الفضاء المقصود ، وهذا ما يكتب النجاح لاي فكرة او اكتشاف ياخذ الفضاء العالمي ولا يقتصر على شعب معين ، كما نلحظ في التكنولوجيا والنظريات السياسة والثقافية من الحداثة والبنيوية والتفكيكية وما بعدهما ، لذا فان الفهم الخاطيء لا يقل ضررا عما سواه من العناصر .
ما سطر اعلاه يبقى دون حد الاثر السلبي كما لعبته القبيلة التي مررنا عليها سريعا كمعوق رابع واخير في سلسة توقف الوعي والنهضة عبر الازمنة العربية ، فقد اكتسبت القبيلة لذة فائقة التاثير وتنويم اجتماعي مخيفا بلور صورة ضبابية للطبقات الاجتماعية وباتت مرجعا فكريا وسلوكيا معيب ومتخلف قياسا مع الحركة الانسانية المتلاحقة في شتى الميادين ، بينما ظلت الاطر القبيلة تحركها العصيبة والثار والانتقام والتبعية ومحاصرة الابداع والعقل والمراة في نسق التابع والقابع خلف قضبان التاريح المدور .
ولا شك فان افرازات القبيلة لم تكتف بالطبقات الاجتماعية المختلفة ، انما شملت الطبقات الاكثر تنويرا كما تصنف مثل بعض اساتذة الجامعات والنخب الثقافية عندما تخلت عن برامج الثقافة ، ودخلت على خط ادبيات القبيلة وصارت تنطلق منها كخطاب بديل وهذا الاكثر جدلا وانعكاسا على مسيرة التنوير .
ان تماسك العناصر الاربعة او ظفيرة العناصرة هذه بحسب (خالص جلبي) غذت الخيال الاجتماعي باوهام رسمت حدود المعرفة العربية وظلت المصدر الرئيس الذي كرست شخصية مزدوجة وممارسات ناقصة وانفصال حقيقي عن الواقع واستعاظت عن كل ذلك بمعطيات بعيدة عن متطلبات النهضة الاجتماعية والطفرة الفكرية.
مساعي رواد النهضة العربية منذ محاولات جمال الدين الافغاني ومحمد عبده حتى بدايات القرن المنصرن اصطدمت بعارض المعوقات فتشتت وعانت الاغتراب جراء صلابة هذه العوامل فضلا عن الالتصاق والتفاف وحشد كبير من التكتلات البشرية التي تعاطت معها بوصفها نهاية المعرفة وجزء من الخصوصية الثقافية للعرب ، كما انها توفر سياج الحفاظ على الهوية الفرعية للجماعات والافراد ، فلعبت دور الحارس الشرس بابعاد كل فكر وافد او مسعى داخلي بغض النظر عن النتائج او المكاسب ، المرجوه من هذه اكتشافات العالم المتطور.