22 ديسمبر، 2024 9:07 م

معلمون بلا شغف و طلبة بلا هدف

معلمون بلا شغف و طلبة بلا هدف

منذ بدء التفكير المنطقي , عرف الإنسان أن هناك هدفا ساميا لا بد أن يصبو إليه وهو تحقيق السعادة أي الرضا الذاتي , وبلوغ السعادة بالنسبة للبعض قد يمثل الشعور بالتمتع و الرفاهية لكن للبعض الآخر فهذه الرفاهية هي المعرفة من خلال التعلم و الاستكشاف (الهدف البشري الأسمى).
في أغلبية مجتمعاتنا الحديثة تشكل الدراسة جزءا كبيرا من حياة الأفراد , في العراق خلال العصر الحالي _رغم أهمية التعليم البالغة _ يشهد التعليم المدرسي بصورة عامة تدنيا ملحوظا في مستواه , تعال إلى مدارس العراق الحكومية لترى من يدّرس بلا شغف أو اهتمام بالمهنة بلا رغبة للتعليم , تعال لترى تلامذة لا إرادة للتعلم لديهم لا يعرفون الهدف من ذهابهم إلى المدرسة , تعال و شاهد التدني في المستوى الدراسي لدى الطلبة , ربما يكون هنا بسبب الظواهر الاجتماعية المنتشرة بين أوساط العامة , إذ إن الناس مؤخرا يقللون من التفكير كل همهم هو الحصول على لقمة العيش .. لكن لماذا العيش ؟ لماذا العمل في مهن لا رغبة ولا موهبة للناس فيها , في الواقع في وقتنا هذا و في ظل تردي البلاد من جوانب عديدة _ أكثرها الجوانب الفكرية_ يقل عدد الذين يعرفون ما يريدون و أي مهنة يبرعون فيها .. يقل عدد الذين يختارون مهنة حبا فيها , يعود سبب هذا إلى إن أغلب الناس هنا لا يأخذون وقتا للتفكير والتأمل في الحياة .
المعلم هو أهم شخص في أي مجتمع إذ انه أساس اغلب المهن إن لم يكن كلها , فكيف سيكون حال هذه المهنة في ظل الاستخفاف اللامنطقي بها من قبل الكثير من شرائح المجتمع العراقي , يقل عدد المعلمين باستمرار بسبب عدم حصول اغلبهم على وظائف و لان اغلب الأفراد صاروا ساعين إلى مهن أخرى كالجندية و العسكرية بسبب عدم التوظيف , أي أن اغلب الأشخاص يختارون مهنا للتوظيف وليس شيئا بطوليا كاختيار المهنة التي يجيدها المرء و الكفاح في سبيل تحقيق غايته الشخصية.
ربما لهذا ما تزال بلادنا تعيش في تخلف بالنسبة لبقية البلدان , إذ يوضع التعليم في بلادنا في ذيل اللائحة دائما رغم انه أساس مستقبل البلاد .
يقول مالكوم أكس : إن التعليم هو جواز سفرنا للمستقبل لأن الغد ملك لأولئك الذين يعدون له اليوم .
فكيف يمكنك أن تكون مطمئنا و أنت ترى الشخص الذي يتكلم عن أهمية التعليم و اختيار المهن التي يبرع بها المرء وترك الخرافات الاجتماعية التي تدني مستوى عقل المرء ولا تشجعه على التفكير يُنادى بالمجنون .
فكيف تطمئن وأنت ترى معلّمين وتلامذة ينتظرون انتهاء وقت المدرسة بفارغ الصبر , قد يكون تململ الناس من المدرسة بسبب مهنة لا يحبها المرء أو تلامذة غير راغبين بالتعلم , فكيف سيكون شعور المعلّم و هو واقف أمام تلامذة لا يريدون الاستماع إليه أو التعلم منه لانشغالهم بأشياء بالغة التفاهة .
يقول ليوناردو دافنتشي : التعلم بدون رغبة يفسد العقل ولا يتبقى شيء مما كان قد امتلأ به .
في الواقع يبدو أن التفاهة قد بلغت ذروتها لدى البعض .. في ظلال انتشار الكلمات السيئة و الاهتمامات العديمة الأهمية يصبح العاقل مجنونا .
لقد تحدثنا عن الأسباب الاجتماعية في انحسار التعليم , لكن هناك أسباب أخرى قد تكون اقتصادية , إذ إن هناك نقصا ماليا و عدم مبالاة حكومية يؤدي إلى افتقار المدارس الحكومية إلى مختبرات و مكاتب و ربما نقصا في الاهتمام يؤدي إلى عدم القيام بالنشاطات المختلفة كالمناقشات و النشاطات الرياضية و غيرها . يبدو أن هناك سبب آخر أكثر جوهرية و هو عدم المعرفة بالجمال والفن و التاريخ و الثقافة , حيث انه وبالرغم من تاريخ بلادنا الغزير , إلا أننا نجد قلة من المهتمين بإحياءه أو المحافظة عليه .
يقول اندري تاركوفسكي : التعليم للتفكير , الفن للشعور., ولا إحساس فني هنا إذ لا اهتمامات بالموسيقى أو الفنون الأخرى لدى الغالبية .
كما إن الحروب المستمرة في المنطقة تحول دون قيام التعليم بمساره الطبيعي , و العداءات العنصرية المنتشرة في بعض المدارس تؤدي إلى فشل الكثيرين في الدراسة بسبب كرههم لمدارسهم العنصرية .
يقول دلاي لاما : السلام لا يعني غياب الصراعات , فالاختلاف سيستمر دائما في الوجود .. السلام يعني أن نحل هذه الاختلافات بوسائل سلمية عن طريق الحوار , التعليم , المعرفة , والطرق الإنسانية.
يكمن الحل في النظر والتأمل بالحياة بالتفكير بالتفاهم مع الآخرين , لان الحَضارة عالمية لأنها ملك للبشرية اجمع و المساهمة في تقدم البشرية إلى الأمام من خلال ما يبرع فيه المرء لهو الخير الأحق , فالوحدة قوة عظيمة , لهذا ينبغي للمرء التفكير مليا و التجربة لمعرفة الموهبة والمهارة الخاصة به إذ أن جميعنا لدية موهبة في داخله بشيء ما والتحدي هو إخراجها و استثمارها و عيش الغاية من الحياة , هذا هو ما سيتقدم بالبشرية إذ إن المعرفة قوة و الفضول والرغبة بالمعرفة جزء من الغريزة البشرية و معا سنكتشف أسرار الحياة وسنعمر الكوكب و نبني العقول .
كما قال غاندي : عش كما لو انك ستموت غدا , وتعلم كما لو انك ستحيى إلى الأبد . , فالمعرفة و البناء هما سر الخلود البشري , لقد خُلِد جميع من نقل المعرفة إلى البشرية وغرقوا بامتناننا ولم نكن سنصل لمرحلة كهذه من التطور قياسا بالعصور السابقة بلا المعرفة و الاستكشاف و الإيمان .