23 ديسمبر، 2024 6:04 ص

معضلة المصافي مؤشر لفشل السياسة النفطية في العراق- الجزء الثاني والاخير

معضلة المصافي مؤشر لفشل السياسة النفطية في العراق- الجزء الثاني والاخير

استشارية التنمية والابحاث
النرويج
تناول الجزء الاول من هذه الدراسة عرض وتحليل الحقائق الاساسية لمعضلة التصفية في العراق
القسم الثاني: قرارات وممارسات بدون نتائج ايجابية
اتخذت وزارة النفط خلال العشر سنوات الماضية جملة قرارات وقامت ببعض الاجراءات المتعلقة بقطاع التصفية اضافة الى اصدارها العديد من التصريحات والبيانات الرسمية. ليس فقط لم تساهم كل تلك الجهود في تحقيق انجازات ايجابية مؤثرة، بل ساهم معظمها في تعميق معضلة التصفية كما تم تشخيصها في القسم الاول من هذه المساهمة.
اضافة الى ممارسات وزارة النفط فقد طرحت بعض الافكار والمواقف والمقترحات الحكومية والشخصية ساهمت هي الاخرى في تعميق المعضلة وعدم المساعدة في معالجتها بما يتطلب لتنمية قطاع التصفية كأحد روافد التغييرات الهيكلية الضرورية للاقتصاد العراقي.
سأتناول في هذا القسم اهم تلك القرارات والممارسات والطروحات ابتداء من احدثها.
اعادة اعلان مصفى استثماري سبق وان اعلن رسميا توقيع العقد الخاص به!!
اعلن وزير النفط يوم 18 تشرين ثاني الماضي ” ان الوزارة ماضية بإجراءاتها لإعادة دعوة الشركات العالمية للمشاركة في تنفيذ مشروع مصفى الفاو الاستثماري في محافظة البصرة بطاقة (300) الف برميل باليوم بأسلوب (BOO) او (BOOT) وفق قانون الاستثمار في المصافي المرقم 64 لسنة (2007 ) وتعديلاته “. وقد ورد في بيان الوزارة الذي نقل تصريح الوزير الى ان ” دائرة الدراسات والتخطيط والمتابعة اعدت حقيبة المعلومات الخاصة بالمشروع بهدف تزويدها الى الشركات الراغبة بالمشاركة في التنافس على تنفيذ المشروع .”
هذا امر غريب للغايةّ!!
فقد سبق لوزير النفط الاسبق جبار لعيبي؛ وبقرار مفاجئ لم يستند على اي تقييم هندسي وتصاميم اساسية “فييد-FEED ” ان اعلن عن هذا المصفى الاستثماري، وقامت دائرة الدراسات والتخطيط والمتابعة في الوزارة باعداد حقيبة المعلومات الخاصة بالمشروع وبيعها بقيمة 30 الف دولار وحدد يوم 29 حزيران 2017 كأخر موعد لشراء حقيبة المعلومات تلك.
ثم اعلنت الوزارة بتاريخ 28 كانون ثاني 2018 ” مصفى الفاو الذي يتضمن مجمعا للبتروكيمائيات الى شركتي باور جاينة ونورنكونا الصينية”
وقد نقل عن وكالة رويترز ان مسؤول في قطاع النفط العراقي قال يوم الأحد (29 نيسان/ابريل 2018) إن العراق وقع (يوم 28 نيسان) عقد انشاء مصفاة نفطية في ميناء الفاو.
كما واستقبل وزير النفط في حينه جبار لعيبي بتاريخ 22 تموز2018 “ممثل إئتلاف شركتي باورجاينا و نورينكونا” وحثهم وموظفي الوزارة على “الاسراع باستكمال الجوانب الفنية المتعلقة بالمشروع، تمهيداً لتوقيع العقد والمباشرة بالمشروع خلال الفترة القليلة المقبلة.”
لقد مضى حوالي ثلاث سنوات منذ اعلان هذا المصفى ورغم التصريحات بتوقيع العقد الخاص به يبدو ان الوزارة تعود الان الى المربع الاول!! فاين هي الحقيقة وهل هناك قصد معين ومن يتحمل مسؤولية ذلك!!؟؟؟ وقد اثبتت ممارسة “تكرار اعلان المصافي الاستثمارية” المملة خلال السنوات الماضية عدم جدوى بل فشل سياسة “خصخصة المصافي” والى فقدان المصداقية وعدم الاهتمام بما تعلنه الوزارة، فلماذا اللجوء الى هذا الاسلوب وتكراره!!؟؟

اعلان مصفى اخر وبدون دراسة ايضا
الى جانب مصفى الفاو(المُحير) صرح وزير النفط الحالي في شهر ايلول الماضي ان الوزارة تتباحث مع شركة ايني الايطالية بشان مصفي الزبير الاستثماري، بطاقة 300 الف برميل يوميا-أبي وبكلفة تخمينية تقدر بحوالي 4 بليون دولار. يتم انجاز المرحلة الاولى بطاقة 150 أبي في 2025.
منذ ذلك التصريح لوزير النفط لم تتم الاشارة الى مصفى الزبير الاستثماري، وهل تم اعداد دراسات “فييد” والجدوى الاقتصادية ومن اعدهما ولماذا لم يعلن عن هذا المصفى وضمن اية خطة وهل ان تقدير الكلفة التخمينية لمصفى بهذه الطاقة معقولا في ضوء المشاريع التي سيتم الاشارة اليها في هذه الدراسة وخاصة تلك التي اعدت بشانها دراسات “فييد” والجدوى الاقتصادية من قبل الشركات الاستشارية ؟!

تطور ايجابي في مصفى البصرة- ولو متأخر لكنه غير واضح اقتصاديا
بعد سنوات طويلة من المناقشات والمفاوضات تم في شهر تشرين اول الماضي توقيع عقد مشروع وحدة معالجة (fluid catalytic cracking FCC) في مصافي الجنوب مع شركة (J.G.C) اليابانية بطاقة (55) ابي ، ينفذ خلال (4) سنوات من تاريخ المباشرة بالعمل مطلع العام القادم وبكلفة تخمينية قدرها (4) مليار دولار تمول من خلال القرض الياباني المُيَسر(من حيث سعر الفائدة وفترة السماح وفترة تسديد القرض). سيساعد تنفيذ المشروع في معالجة مخلفات انتاج مصفى البصرة من زيت الوقود ( النفط الاسود) وتحويلها الى مشتقات (غاز سائل ، كازولين- اوكتان 92.2، زيت الغاز، نفثا مختلطة، زيت وقود، في وحدات الهدرجة) بمواصفات اوربية صديقة للبيئة. (حسب بيان المكتب الاعلامي للوزارة بتاريخ 1 تشرين اول 2020).
يقع هذا المشروع ضمن الاولويات التي اكدت عليها في مداخلاتي السابقة حول قطاع التصفية في العراق حيث اقترحت ” اضافة وحدات تكنولوجيا متقدمة الى المصافي الكبيرة (في البصرة والدورة مثلا) لمعالجة زيت الوقود لانتاج مشتقات نفطية وغازية عالية القيمة وخاصة تلك التي يتم تمويلها عن طريق القرض الياباني”
وكم تمنيت ان تقدم وزارة النفط دراسة الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع، ان كانت توجد مثل هذه الدراسة، خاصة وان كلفة المشروع وطاقته والفترة الزمنية للتنفيذ وحجم ونوعية القوى البشرية لتشغيله وغيرها من المتغيرات الاقتصادية التي اعلنتها الوزارة تثير الكثير من التساؤلات المشروعة والتي يفترض من وزارة النفط الاجابة عليها.
فمثلا كيف يمكن تبرير كلفة وطاقة وفترة تنفيذ وحدة المعالجة هذه في ضوء مقترح مصفى الزبير الاستثماري (الذي لابد ان يتضمن نفس وحدة المعالجة وربما بطاقة انتاجية اعلى)!!! ونفس الامر ينطبق عند عقد المقارنة بين مشروع وحدة المعالجة هذه ووحدات المعالجة حسب تركيبة Configuration المصافي التي تضمنتها دراسات الفييد والجدوى الاقتصادية للمصافي الاربعة الحديثة (كربلاء وكركوك والناصرية وميسان) حيث ان جميعها تتضمن وحدات معالجة FCC مماثلة.
ومن المفيد الاشارة في هذا المجال الى الدراسة الموجزة التي اعدها خبير المصافي المعروف، سعد الله الفتحي، واعتمد فيها اسلوب المقارنة للتوصل الى ان كلفة المشروع هي اكثر من ضعف ما يمكن ان تكون استنادا الى الطاقة الانتاجية لهذا المشروع.
عقود تصفية مع مصافي في اقليم كردستان
تم في وزارة جبار لعيبي توقيع عقدين للتصفية احدهم مع شركة كار والاخر مع شركة قيوان يتم بموجب العقدين تزويد كلا الشركتين بالنفط الخام من حقول شركة نفط الشمال وتقوم الشركتان بتصفيته بكلفة تصفية قدرها 10 دولار للبرميل. وقد اثيرت كثير من الاعتراضات وتهم فساد بشان العقدين والكلفة وغيرها، مما دفع الوزارة (في عهد الوزير ثامر الغضبان) الى دراسة العقدين وتم تشخيص العديد من الثغرات التي لا تعمل لصالح وزارة النفط. وبضوئه قررت الوزارة (في نهاية 2019) عدم تجديد العقدين واقترحت بديلين: الغاء العقدين بشكل كامل مع توفير المشتقات النفطية عن طريق الاستيراد او “الابقاء على العقدين بعد تنظيمهما واعادة صياغتهما بصورة محكمة وسد الثغرات وارساله مجددا الى مجلس الوزراء لإقراره من عدمه”
مشكلة التصفية في “الورقة البيضاء”
تركز اهتمام الورقة البيضاء بشان المصافي على عناوين عامة لم تتضمن اية تفاصيل او مؤشرات او تقييم او مديات زمنية للتنفيذ ولا اي شيء اخر وكما يتضح في ادناه:
“تعديل قانون الاستثمار في المصافي وقانون استيراد وبيع المنتجات النفطية” (ص 62 )
“انجاز مشاريع تحسين البنزين، وحسم ملفات المصافي الاستثمارية” (ص 63 )
” الدخول بشراكات في مصافي خارجية لضمان ديمومة اسواق النفط العراقي” (ص 63 )
“حسم موضوع مشروع النبراس في مجال البتروكيمياويات” (ص 63 )
ربما تناولت ملاحق الورقة البيضاء شؤون قطاع التصفية بشيء من التفصيل والتحليل، ولكن هذه الملاحق غير متاحة في الوقت الحاضر ولم يحدد فريق العمل الذي اعد الورقة عن متى واين وكيف سيتم اتاحة تلك الملاحق.
الغريب جدا ان الورقة لم تتطرق الى تطوير طاقات تصفية حديثة في العراق ولم تشير الى اي من المصافي التي سبق لوزارة النفط وما زالت تعلن عنها للاستثمار ولم تذكر او تعطي اولوية لإكمال تشييد مصفى كربلاء. ولكن في المقابل تدعو الورقة الى ” الدخول بشراكات في مصافي خارجية “؛ فهل من بعد هذا التخبط والتوجه الاقتصادي الخاطئ اي امل في الاصلاح الاقتصادي وتغيير هيكلية الاقتصاد العراقي بعيدا عن الاعتماد شبه الكلي على تصدير النفط الخام!!

مقترح انبوب نفط خام الى ومصافي في الاردن ومصر
قدم وزير الاتصالات الاسبق والمكلف السابق لرئاسة مجلس الوزراء ، محمد توفيق علاوي، مقترح الى رئيس الوزراء الحالي بشان مشروع مركب يتضمن مد انبوب نفط خام من العراق الى الاردن ومنها الى مصر وتشييد مصفى نفط في الاردن بطاقة 100 ابي ومصفى اخر في مصر بطاقة 400 ابي. يتحمل العراق نصف تكاليف المصفيين وتتحمل الدول الثلاث تكاليف الانبوب بنسب يتفق عليها…الخ.
انا لست معنيا هنا بتقييم هذا المقترح الذي لا يبدوا انه يحمل اي درجة من الجدية ولا يستند على دراسة جيدة للجدوى الاقتصادية، ولكنني استغرب لماذا على العراق ان يتحمل نصف تكاليف المصفيين في الاردن ومصر بدلا من تطوير طاقة التصفية العراقية!!!!!!!!!!!
هذا التوجه المعادي لتطوير قطاع التصفية وتحديثه في العراق ليس جديدا ولكن مع الاسف تتم العودة اليه وبشكل متكرر، نوجز فيما يلي اهم الشواهد الاضافية على ذلك:
مشروع الناصرية المتكامل: يتضمن هذا المشروع تطوير متكامل مترابط ومتزامن لحقل نفط الناصرية مع مصفى حديث بطاقة 300 ابي. اكملت شركة فوستر ويلر دراسة “فييد” للمصفى بشهر ماي/ايار 2012 وفي شهر تشرين ثاني من نفس العام اطلقت دائرة العقود في الوزارة جولة خاصة بالمشروع وعقدت ورشة العمل الترويجية الاولى في عمان/ الاردن في بداية شهر نيسان/ابريل 2013 وكان مخططا ان تعقد جولة الاحالة في 19 كانون اول من ذات العام. قدمت حوالي 18 شركة وكونسورتيوم دولية طلبات التاهيل للمشاركة في الجولة واقرت الوزارة 12 منها فقط. لاسباب غامضة تم تعليق الاستمرار بجولة التراخيص الخاصة بمشروع الناصرية المتكامل قبل عدت اسابيع من موعدها. ترك المشروع المتكامل وعندما اصبح جبار لعيبي وزيرا للنفط قام بفصل تطوير الحقل النفطي عن المصفى، ثم خفض طاقة المصفى الى النصف بحجة عدم امكانية الوزارة تنفيذ مصفى بهذه الطاقة ( وبعد فترة قصيرة من قراره ذلك اعلن الوزير مصفى الفاو بطاقة 300 ابي بدون اية دراسة جدوي او دراسة “فييد”!!! كما ذكر اعلاه) وبذلك قضى جبار لعيبي على مشروع الناصرية المتكامل.
اعلن مصفى الناصرية الاستثماري بطاقة 150 الف برميل يوميا مرات عديدة منذ ذلك الحين، رغم تاكيد مسؤولين في وزارة النفط وفي محافظة ذي قار انه تم، في شهر تشرين اول/اكتوبر 2018، توقيع عقد المصفى مع شركة كندية (Pacific)، بموافقة وزير النفط الاسبق جبار لعيبي، بكلفة 4 (او 5) بليون دولار ولمدة 25 عاما. مرة اخرى اين الحقيقة وما مصير عقد الشركة الكندية هذه؟؟!!
يبدوا ان الوزارة ارتكبت خطا استراتيجي ومؤثر وذلك بالغاء مشروع الناصرية المتكامل ولابد ان تكشف الايام ماهي الجهات والمصالح التي عملت على عرقلة ثم الغاء هذا المشروع النوعي الوحيد من نوعه في العراق.
مصفى كربلاء ومصفى “سمير” في المغرب. مصفي كربلاء من المصافي الحديثة التي اعلن في عام 2010/11 عن النية لتنفيذها. اعدت شركة تكنب دراسة “فييد” للمصفى في عام 2010 تبعتها دراسة جدوى اعدتها مجموعة Shaw. احيل عقد (هندسة وتجهيز وانشاء-EPC) المصفى الى كونسورتيوم كوري بقيادة شركة هونداي في بداية عام 2014 بكلفة 6.04 بليون دولار وبطاقة 140 ابي وفترة تنفيذ امدها 54 شهرا. وهذا يعني ان تمول الحكومة العراقية هذا المصفى. وقد ترافقت السنة الأولى لتنفيذ المصفى مع انهيار اسعار النفط وسيطرة “داعش” واستيلاء حكومة الاقليم على بعض حقول شركة نفط الشمال ومحدودية تصدير النفط عن طريق الانبوب العراقي عبر تركيا وبداية الالتزام في اتفاق “اوبك+”؛ كل هذه العوامل عملت على عرقلة تمويل المصفى ولكن لم توقفه.
بعدما اصبح جبار لعيبي وزيرا للنفط (16 أب 2016) عمل على ايقاف تمويل المصفى وطرح فكرة بيعه للقطاع الخاص بحجة عدم جدوى زج الدولة في قطاع المصافي بل عليها ترك المصافي للقطاع الخاص. ولكنه وبعد فترة وجيزة كاد ان يورط الحكومة العراقية بشراء مصفى قديم متهالك، “سمير” في المغرب، لولا وقوفنا في وجهه واجباره على التراجع. علما ان وزارة جبار لعيبي سبق ان اعلنت ( في 12 آذار 2018) ان لديها خطط ومشاريع لانشاء مصافي خارج العراق!! .وهذا مؤشر اخر على التخبط وسوء الفهم الاقتصادي مما انعكس سلبا على تنفيذ مصفى كربلاء الذي لازال قيد التنفيذ رغم تجاوز مدة 54 شهرا التعاقدية لإكمال تشييده.
مصفى ميسان الاستثماري: وهذا ايضا من ضمن المصافي الحديثة التي اعلن في عام 2010/2011 عن النية لتنفيذها. اعدت مجموعة Shaw ثم الشركة الامريكية CB&I دراسة “فييدFEED ” ودراسة الجدوى للمصفى في عام 2009. وقعت مذكرة تفاهم مع شركة “ستاريم” السويسرية، وهي شركة مفلسة ماليا وغير متمكنة تقنيا وفنيا وليس لها خبرة في انشاء مصافي حديثة، وذلك في شهر كانون اول 2013. وبسبب الاعتراضات الشديدة على هذه الشركة صرحت وزارة النفط بانها انهت العمل بمذكرة التفاهم في شهر شباط 2014، ولكن تم في زمن وزير النفط الاسبق عادل عبد المهدي توقيع عقد استثماري مع الشركة ذاتها في شهر شباط 2016 بطاقة انتاجية قدرها 150 ابي. وقد تفاخر عادل عبد المهدي بتوقيع هذا العقد ضمن انجازاته كوزير للنفط رغم العديد من الوثائق التي قدمتها في حينه التي تثبت ضعف الوضع القانوني والمالي والتقني لشركة ستاريم.
لغاية تاريخه لم يتحقق اي انجاز على ارض المصفى في محافظة ميسان وهذا يمثل اسوء فشل لسياسة المصافي الاستثمارية (خصخصة قطاع التصفية) وسيكلف العراق غاليا؛ فكل سنة تاخير في انجاز هذا المصفى تعني من الناحية الاقتصادية استيراد حوالى 54.8 مليون برميل من المشتقات النفطية المطابقة للمواصفات الاوربية (EURO-4/5) والتي يفترض ان ينتجها هذا المصفى حسب دراسات الفييد والجدوى الاقتصادية.
قد يكون من المفيد الاشارة الى بعض الافكار “التبريرية” التي طرحها البعض (من وعاظ السلاطين) في حينه ردا على الاعتراضات التي اثيرت بشان عدم اهلية شركة ستاريم لتنفيذ هذا المصفى. فوصف احدهم الاعتراضات انها “ضجة مفتعلة”، وقال اخر ان البعض “يربط الاستثمار بالاستعمار” ويبدو انه لا يميز بين “الاستثمار والاستحمار”!!، وقال اخر” لا تهم كلفة المصفى لان المستثمر يتحملها”، وعلى نفس النمط يتكرر القول ان “الاستثمار لا يكلف خزينة الدولة اي شيء”!! انني انصح هؤلاء بقراءة قانون الاستثمار الخاص في تصفية النفط الخام رقم 64 لسنة 2007 وتعديلاته وعلى عقد مصفى ميسان الاستثماري الموقع مع شركة ستاريم ليتضح لهم ضخامة الكلف التي يتحملها العراق والالتزامات المالية التعاقدية الناجمة عن مثل هذا الاستثمار (او الاستحمار)، كما يتضح من الشكل (7) ادناه.
تفكيك مستودع المفتية للمنتجات النفطية بهدف تحويل موقعه الى مشروع استثماري سياحي. على الرغم من كون المستودع هو المستودع الوحيد في محافظة البصرة وان العديد من مكوناته كانت صالحة للعمل ورغم عدم وجود بديل، فقد تم تفكيك المستودع بسرعة قياسية وبتوجيه واشراف وزير النفط الاسبق جبار لعيبي بعد فترة وجيزة من توليه المنصب وبدون استحصال الموافقات على تفكيك المستودع من قبل اية جهة ذات صلاحية وخاصة مجلس الوزراء.
ان تفكيك هذا المستودع دون تهيئة البديل يعني من الناحية الفعلية اضعاف القدرات الخزنية للشركة العامة لمصافي الجنوب في محافظة البصرة.

وَهْم “المصافي الاستثمارية ” وحالة انكار الاعباء المالية المرتبطة بها
لكل مصفى استثماري اعباء مالية يتحملها الاقتصاد العراقي سواء تم انشاء المصفى الاستثماري اولم يتم انشاءه. في حالة توقيع عقد المصفى الاستثماري ويفشل المستثمر الاجنبي عن تنفيذ المشروع (كما هي عليه الحال بالنسبة لشركة ستاريم المتعاقد معها لمصفي ميسان كما ذكر اعلاه) تكون الاعباء على الاقتصاد العراقي تشبه ما يمكن ان نطلق عليه في التحليل الاقتصادي “تكاليف الفرصة الضائعةCost of Opportunity Lost “؛ وهذه تعادل التكاليف السنوية لاستيراد المشتقات النفطية التي كان يفترض ان ينتجها المصفى المعني (وهذا ما تم توضيحه في الشكل (6) في الجزء الاول من هذه الدراسة). اضافة الى ذلك هناك كلف اخرى، وقد تكون عالية جدا، اذا تضمن العقد شروط مجحفة لم ينتبه اليها من عمل على توقيع العقد دون تدقيق ودون روية (وعلى افتراض حسن النية) !! وهنا أتساءل لماذا لم تنهي وزارة النفط عقد مصفى ميسان الاستثماري؟؟!!
اما اذا تم تنفيذ المصفى الاستثماري بنجاح (وهذه حالة افتراضية) فالتكاليف عديدة وكثيرة، بعكس ما يضنه البعض بقولهم “المصفى الاستثماري لا يكلف الخزينة العامة اي شيء”. من الناحية الاقتصادية والتحليلية فان جميع المزايا التي تمنحها قوانين الاستثمار المشار اليها اعلاه تشكل في الحقيقة تكاليف يجب احتسابها عند اعداد الجدوى الاقتصادي للمصفى الاستثماري المعني. فالإعفاء من الضرائب وتهيئة البنى التحتية وتوفير الارض بإيجار رمزي والتعهد بشراء منتجات المصفى بالاسعار الدولية وخاصة ضمن شروط “استلم او ادفعTake or pay ” وخصومات اسعار النفط الخام وغيرها ماهي إلا امثلة لتكاليف يمكن تقديرها كميا في حالة توفر البيانات بشأنها؛ وهذه غير متوفر في الوقت الحاضر. ولكن الفقرة الوحيدة والمهمة التي يمكن تحديدها وتقييم تأثيرها هي مقدار الخصم في سعر النفط الخام. فحسب التعديل الثاني لقانون الاستثمار الخاص في المصافي فان مقدار الخصم لا يقل عن 5 دولار ولا يزيد على 10 دولار للبرميل. لتوضيح تاثير هذا الخصم سنفترض مصفى استثماري (مثل مصفى الزبير الي اعلنه الوزير والمشار اليه اعلاه) بطاقة 300 امبي وبكلفة 4 بليون (او 4 مليار) دولار يتم تشغيله بطاقة تتراوح بين 50% و 100% من طاقته القصوى (اي 300 امبي) لمدة 30 سنة.
يتضح من الشكل (7) ادناه نتائج الحسابات وكما يلي:
يبلغ مجموع خصومات اسعار النفط (في حالة 5 دولار للبرميل) حوالي 16.4 بليون دولار (الخط الازرق ويقرأ بالبليون على الجانب الايسر من الشكل) خلال 30 عاما عند استخدام كامل طاقة المصفى، وينخفض الى 8.2 بليون دولار عند استخدام نصف الطاقة التصميمية. وهذا يعني ان المستثمر يسترد كامل راس المال المستثمر بعد سبع سنوات فقط عند 100% تشغيل للمصفى او بعد حوالي 14 عاما عند تشغيل بنسبة 50% من الطاقة التصميمية (الخط الازرق المتقطع ويقرأ بالسنة على الجانب الايمن من الشكل)؛
اما في حالة خصم سعر النفط بواقع 10 دولار للبرميل فيبلغ مجموع خصومات اسعار النفط حوالي 33 بليون دولار (الخط الاحمر ويقرأ بالبليون على الجانب الايسر من الشكل) خلال 30 عاما عند استخدام كامل طاقة المصفى وينخفض الى اكثر من 16.4 بليون دولار عند استخدام نصف الطاقة التصميمية. وهذا يعني ان المستثمر يسترد كامل راس المال المستثمر بعد اقل من اربع سنوات فقط عند 100% تشغيل للمصفى او بعد اكثر قليلا من سبعة اعوام عند تشغيل بنسبة 50% من الطاقة التصميمية (الخط الاحمر المتقطع ويقرأ بالسنة على الجانب الايمن من الشكل)؛
تشير هذه الحسابات ان “العائد الصافي” للمستثمر من خصومات اسعار النفط فقط تتراوح بين حوالي 29 بليون دولار عند استخدام الطاقة القصوى للمصفى وخصم سعر النفط بواقع 10 دولار للبرميل (الخط الاخضر ويقرأ على الجانب الايسر) و4.2 بليون دولار عند 50% استخدام لطاقة المصفى و 5 دولار خصم في سعر النفط (الخط الاخضر المتقطع ويقرأ على الجانب الايسر). اي ان ربح المستثمر (بعد استرداد راس المال المستثمر) مضمون من خلال تخفيض اسعار النفط الخام فقط؛ وهذا الربح ما هو إلا دعم مالي تتحمله خزينة الدولة. ولابد من القول في هذا المجال ان التحليل يصبح اكثر وضوحا وواقعية وشمولية عند الاخذ في الاعتبار بقية المتغيرات عند احتساب القيمة الحالية لصافي التدفقات النقدية- الكلف والعوائد (NPV) ومعدل المردود الداخلي للمصفى (IRR)؛ ولكن هذا غير ممكن في الوقت الحاضر لعدم توفر البيانات الضرورية عن تلك المتغيرات لإعداد حسابات الجدوى الاقتصادية.

الشكل (7)
تقدير حجم وتأثير الخصم في اسعار النفط الخام الممنوح للمصفى الاستثماري
( الجانب الايسر- بليون دولار والجانب الايمن- سنة)

 

يتضح من المعلومات والتحليل اعلاه مدى انعدام الجهود الفعلية لتطوير المصافي العراقية من جهة والدعوة الى توريط العراق في الاستثمار في وتمويل المصافي خارج العراق من جهة ثانية. يضاف الى ذلك الفشل الذريع في جلب الاستثمار الاجنبي الجدي لتنفيذ المصافي داخل العراق رغم تكرار عرض فرص الاستثمار وبشروط قوانين الاستثمار التي تم تعديلها لأكثر من مرة دون جدوى.
القسم الثالث: ما العمل!
يتضمن هذا القسم الاخير مجموعة من الافكار والملاحظات والمقترحات للمناقشة والاخذ بنظر الاعتبار بهدف المساهمة في معالجة معضلة التصفية وتطوير قطاع التصفية بما يعزز التغيرات الهيكلية العمودية في القطاع النفطي.
اعطاء الاولوية لإكمال مصفى كربلاء باسرع وقت ممكن حيث تأخر تنفيذ المصفى عن موعد انجازه التعاقدي. ان اي تاخير في تنفيذ هذا المصفى يكلف العراق سنويا ما يعادل استيراد 51.1 مليون برميل من المشتقات النفطية المطابقة للمواصفات الاوربية (EURO-4/5) والتي يفترض ان ينتجها هذا المصفى حسب دراسات الفييد والجدوى الاقتصادية. ولتوضيح اهمية هذا المصفى ان انتاجه السنوي يعادل ما يزيد على 80% من اجمالي فجوة التصفية لعام 2016.
بدون شك يشكل عجز التمويل المعضلة الاساسية التي تحول دون الاسراع في اكمال تنفيذ المشروع، وعليه اقترح على وزارة النفط تقييم واعتماد البدائل التالية: أ- تخصيص ما يحتاجه انجاز المصفى حصرا في موازنة عام 2021 او قانون الاقتراض الثالث ايهما اقرب؛ ب- مفاتحة الحكومة الكورية من خلال اللجنة الثنائية العراقية- الكورية للتعاون الاقتصادي والفني على تمويل ما تبقى لإكمال المصفى ضمن تسهيلات برنامج دعم الصادرات الكورية؛ ج- مفاتحة شركة هونداي ومجموعة الشركات المنفذة للمصفى ان تقوم بتمويل ما تبقى لإكمال المصفى بضمان اما تجهيزات نفط خام او بنسبة من منتجات المصفى بعد تشغيله على مستوى تجاري (وليس التشغيل التجريبي).
الاقرار بعدم تبني او طرح او الدعوة الى انشاء و/او تمويل او المساهمة في تمويل مصافي خارج العراق؛ وهذا يتم من قبل السلطة التشريعية او الحكومة؛ يستطيع مجلس النواب اما اصدار قرار ملزم للسلطة التنفيذية او اصدار قانون لهذا الغرض حسب ما ورد في الدستور. اما بالنسبة للحكومة فبإمكانها اصدار قرار من قبل مجلس الوزراء والتوجيه بإعادة النظر بالورقة البيضاء لإلغاء فقرة ” الدخول بشراكات في مصافي خارجية” ورفض مقترح محمد توفيق علاوي انبوب نفط خام الى ومصافي في الاردن ومصر.
ان مساهمة العراق في انشاء مصافي في الدول الاخرى يتعارض بالمطلق مع اساسيات التنمية الاقتصادية وضرورة التغييرات الهيكلية العمودية في القطاع النفطي بعيدا عن ابقاء العراق مصدرا للنفط الخام. اضافة الى ذلك ان العراق مثقل بالديون وتتآكل ارصدته المالية بشكل سريع ومقلق للغاية فكيف يفكر البعض ببناء المصافي خارج العراق في هذا الظرف المالي الصعب للغاية!!!
على الرغم من اهمية تنفيذ وحدة معالجة زيت الوقودFCC في مصفى البصرة الا ان كلفة هذه الوحدة البالغة 4 بليون دولار مرتفعة للغاية (علما ان اتفاقية قرض المشروع الموقعة بتاريخ 16 حزيران 2019 تذكر مبلغ مليار دولار فقط فلماذا هذا الفرق الكبير!!). هذا يحتم على وزارة النفط تقديم دراسة الجدوى الاقتصادية (او خلاصة بأهم مكوناتها ومنهجيتها ونتائجها) لمعرفة اسباب هذا الارتفاع غير المبرر في الكلفة الرأسمالية لهذه الوحدة.
اضافة الى الكلفة المرتفعة توجد مشكلة توفر زيت الوقود؛ حيث تشير البيانات المتاحة الى احتمالية عدم وجود كميات كافية فائضة من زيت الوقود المنتج في مصفى البصرة يمكن ان تستخدمها وحدة المعالجة هذه. فطاقة وحدة المعالجة حسب اعلان وزارة النفط هي 55 أبي. ولكن، استنادا الى بيانات الشكل (2)، مجموع انتاج زيت الوقود في جميع المصافي العراقية بلغ لغاية شهر ايلول 2020 حوالي 281 أبي: تم استهلاك حوالي 143 أبي محليا وتصدير حوالي 110 أبي والفائض 28 أبي فقط، وهي نصف طاقة وحدة المعالجة. وفي هذه الحالة يوجد ثلاثة بدائل: الاول، ان تعمل وحدة معالجة زيت الوقود بنصف طاقتها التصميمية مع افتراض تجميع فائض زيت الوقود من جميع المصافي العراقية ونقلها الى البصرة (وهنا توجد مشكلة كفاءة Efficiency الاداء وتاثيرها على كل من فترة استرداد الكلفة الرسمالية/ تسديد القرض وكلفة معالجة البرميل)؛ الثاني، تشغيل وحدة معالجة زيت الوقود بكامل طاقتها عن طريق تعويض العجز البالغ 27 أبي من كميات زيت الوقود المخصصة للتصدير (وهنا توجد مشكلة المبادلة Trade-off بين تصدير زيت الوقود او معالجته)؛ والثالث، يعتمد على تغطية العجز بتقليل حجم الطلب المحلي ولهذا البديل اعتبارات مهمة لحماية البيئة بتقليل حجم الطلب المحلي على زيت الوقود وتعويضها باستخدام منتجات وحدة المعالجة (وهنا توجد مشكلة الاحلال Replacement)
لكل من هذه المشاكل (الكفاءة والمبادلة والاحلال) جوانب مهمة تتعلق بالكلفة وجوانب اخرى تتعلق بالعوائد (المباشرة وغير المباشرة)؛ وعليه لا بد من وجود دراسة جدوى اقتصادية لهذا المشروع فالمعطيات المتوفرة تلقي بضلال كثيفة على كلفة وكفاءة وعوائد المشروع وتقود الى العديد من التساؤلات المشروعة، بل وحتى الاتهامات!!
التخطيط والاولويات. تعلن وزارة النفط بين الحين والاخر او في هذا المحفل او ذاك ان لديها خطط تتعلق بقطاع ونشاطات التصفية، ولكن كالمعتاد مع الاسف، لا يتم نشر اية معلومات او بيانات عن تلك الخطط ولا حتى ملخصا لها او اهم مكونات تلك الخطط؛ وهذا يعني وجود مشكلة انعدام الشفافية التي تقود في النهاية الى التشكيك في مصداقية ما يعلن او عدم الاكتراث بها. فقد صرح وزير النفط احسان عبد الجبار اسماعيل حديثا “ان الحكومة والوزارة تعتمدان ستراتيجية لدعم قطاعات مهمة وهي قطاع المصافي و…، ونحن في طور اعادة الصياغة والعمل على احداث توازن ما بين الاستثمارات التي تضخ لتصعيد الطاقة التصديرية من النفط الخام والاستثمارات التي تضخ لدعم قطاع المصافي والبتروكيمياويات والغاز.” وكما يتضح من هذا الخطاب، الذي قدم في مؤتمر عن النفط والغاز عقد في بغداد، لا ذكر فيه لأي ارقام او مشاريع محددة ولا اطر زمنية ولا تخصيصات استثمارية …ألخ. فاذا لم تقدم الوزارة خططها في مثل هذه المؤتمرات (الترويجية التي تعقد رغم جائحة كورونا!!) فمتى واين تقدم تلك الخطط، ان وجدت اصلا، لاطلاع المواطنين والمختصين عليها؟؟!!!
وعلى نفس المنوال تقوم الوزارة بالاعلان عن عرض العديد من المصافي الاستثمارية في معظم، ان لم يكن جميع، المحافظات العراقية (عدا اقليم كردستان) يبلغ مجموع طاقاتها التصميمية اكثر من ضعفي طاقة التصفية الفعلية الحالية. وبما ان كل مصفى استثماري يتمتع بالمزايا الكثيرة بموجب قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 وقانون الاستثمار الخاص في المصافي رقم 64 لسنة 2007 وتعديلاته فان هذه المزايا تمثل، من الناحية التحليلية والفعلية، كلف اقتصادية كبيرة يتحملها الاقتصاد العراقي، كما اتضح اعلاه. لذا لابد، من ناحية التخطيط واستراتيجية التنمية، ان يتم تقييم وتحديد الاولويات وبرمجة، زمنيا، تنفيذ اي من تلك المصافي. ما نشهده خلال العشر سنوات الماضية تكرار ممل لإعلان المصافي الاستثمارية لم تنجم عنها اي نتيجة ايجابية في الوقت الذي يستمر العراق في استيراد المشتقات النفطية. فإلى متى تستمر الوزارة بهذه الممارسة غير المثمرة؟ وهل تستمر الوزارة في انتظار قدوم المستثمر؟ وما العمل في حالة عدم قدوم المستثمر (وطنيا كان او اجنبيا)؟
ان انعدام الشفافية والافتقار الى تحديد الاولويات وعدم تهيئة البديل تساهم في استنزاف موارد العراق المالية في استيراد احتياجات الطلب المحلي من المشتقات النفطية. فهل تقف مصالح ضاغطة وراء هذا الخلل الجدي في السياسة النفطية؟
دور “سومو” المفقود. تتضمن مسؤولية وصلاحيات سومو، حسب القانون والتعليمات الرسمية، تصدير واستيراد المشتقات النفطية؛ إلا ان الشركة لا تقوم بنشر البيانات عن هذه النشاطات بشكل تام ومنتظم مثل ما تقوم به، بشكل جيد، بشان تصدير النفط الخام. اما الوزارة فقد بدأت، منذ مدة، بنشر البيانات الشهرية عن صادرات بعض المنتجات النفطية ولكن بشكل غير متكامل. والغريب عدم قيام كلا من الوزارة وسومو بتوفير اية معلومات وبيانات على الاطلاق بشان استيراد المشتقات النفطية من حيث النوعية والكمية والقيمة. وفي الحقيقة لا يوجد اي تفسير مقنع لإنعدام الشفافية هذه. وعليه ارى قيام وزارة النفط وشركة سومو بتوفير مثل هذه البيانات بشكل شامل ووفق فترات زمنية منتظمة.
كما اجد من الضروري قيام شركة سومو باعداد دراسة عن سوق المنتجات النفطية واقتصاديات التصفية لتكون احدى الاسس التي يسترشد بها لمعرفة افاق ومحددات ومخاطر التوسع غير المدروس في المصافي الاستثمارية.
تكنولوجيا “الغاز الى كازولينGTG ” . من المشاريع الناجحة في استخدام التكنولوجيا الحديثة لتحويل الغاز الطبيعي الى كازولين (بنزين) هو مجمع اوفادين-ديبي في كازاخستان والذي بداء الانتاج التجاري في حزيران 2019 بمساعدة شركات يابانية متخصصة. كلف المجمع حوالي 1.7 بليون دولار ويستخدم حوالي 1.785 بليون متر مكعب من الغاز سنويا لينتج 600 الف طن من A-93 كازولين و 115 الف طن من الغاز السائل و12 الف طن ديزل سنويا. وبسبب نجاح المشروع فقد اتفقت نفس الاطراف في شهر آب الماضي على تنفيذ مشروع ثاني بتفاصيل يعلن عنها لاحقا.
انني ادعو الدوائر المعنية في وزارة النفط والشركات العامة للغاز وللمصافي ان تدرس بجدية هذه التجربة لان العراق يحرق كميات هائلة من الغاز المصاحب من جهة ويستورد كميات كبيرة ايضا من الكازولين؛ فخلال العشرة اشهر الاولى من عام 2020 احرق في المعدل اكثر من 1312 مليون قدم مكعب قياسي يوميا وفي نفس الوقت تبلغ فجوة انتاج الكازولين خلال نفس الفترة حوالي 66256 برميل يوميا يتم استيرادها من الخارج.
كذلك ارى ان يتم تمويل مثل هذا المشروع، في حالة تاكيد جدواه الاقتصادية، عن طريق القرض الياباني الميسر ويعطى اولوية ضمن نشاط الوزارة لعام 2021.