12 أبريل، 2024 6:06 ص
Search
Close this search box.

معروف عبد الغني الرصافي (الوطني ، الثوري ، الاجتماعي ، البدوي)

Facebook
Twitter
LinkedIn

ولد عام (1875) في بغداد من أب كردي وأم بدوية … أصله من عشيرة الجبارة في كركوك ، وقد قيل أن هذه العشيرة علوية النسب ، لهُ في قلب بغداد تمثال لتمجيد ذكراه يقع في الساحة المقابلة لجسر الشهداء عند التقاطع مع شارع الرشيد قرب سوق السراي والمدرسة المستنصرية الأثرية.
في بداية حياته تلقى دروسه الابتدائية في المدرسة الرشيدية العسكرية الا انه لم يتمكن من مواصلة دراسته فيها فلم يحرز شهادتها … بعد ذلك أنتقل إلى الدراسة في المدارس الدينية ودرس على علماء بغداد الأعلام كالشيخ عبد الوهاب النائب، والشيخ قاسم القيسي، والشيخ قاسم البياتي، والشيخ عباس حلمي القصاب .
دراسته الحقيقية حينما أتصل بالشيخ محمود شكري الألوسي وتتلمذ على يديه في علوم العربية ما يقارب عشر سنوات وتخرج عليهِ وكان يرتدي العمامة وزي العلماء وسماهُ الألوسي (معروف الرصافي) ليكون في الصلاح والشهرة والسمعة الحسنة .
تم تعينه معلما في المدارس الرسمية ثم مدرسا للآداب العربية في المدارس الاعدادية ببغداد واثناء ذلك نظم اروع قصائده في الاجتماع والثورة على الظلم قبل صدور الدستور العثماني . وبعد الدستور رحل الى الاستانه فعين هناك معلما للعربية في المدرسة الملكية وانتخب نائب عن (المنتفق) في مجلس (المبوعثان) العثماني .
بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى انتقل الى دمشق ثم عين استاذا للادب العربي في دار المعلمين بالقدس فأقام هناك مدة ثم عاد الى بغداد فتم تعينه نائبا لرئيس لجنة (الترجمة والتعريب) .. اصدر جريدة (الامل) اليومية التي تستمر سوى ثلاثة اشهر .. ثم بعد ذلك عين مفتشا في المعارف فمدرسا للعربية وآدابها في دار المعلمين وبعدها رئيسا للجنة الاصطلاحات العلمية … انتخب عضوا في مجلس النواب خمس مرات في مدة ثمانية اعوام بعد ان استقال من العمل الحكومي عام (1928) .
انظم الرصافي الى ثورة رشيد عالي الكيلاني في اوائل الحرب العالمية الثانية حيث اصبح من خطباء الثورة ونظم الاناشيد والقصائد في ذلك ، وبعد فشل الثورة عاش منزويا عن الناس ومقوقعا في بيته الى ان وافته المنية عام (1945) .
الرصافي شاعر وصاف وهجاء مر حيث ملأ الاسماع دويا في بدء شهرته وكانت له صولات مع الزهاوي اخذت ردحا من الزمن وكان لكل منهما ميدانه الخاص ، فالرصافي بوصفه والزهاوي بفلسفته … عاش ومات فقيرا .. نظم في اغراض الشعر المختلفة كالرثاء والمدح والهجاء والغزل والفخر .
نجح الرصافي نجاحا كبيرا في نظم شعر السياسة والاجتماع .. ففي السياسة اصبح مقاتلا في شعره ضد المحتلين وسياسات المستعمرين .. وكان يدعو الى الثورة العارمة على الحكومات التي تستعبد الشعوب في اسلوب زاخر بالعاطفة ومتأجج بالشعور الوطني ، لكنه كان يفتقر الى الروعة والخيال والاناقة في التعبير ، الا انه غني بالاحساس ونزعة التمرد على الظلم وعشق الحرية  .
قال من قصيدة عنوانها (الحرية في سياسة المستعمرين) :
يـا قـومُ لا تتكلّمــوا … إنّ الكلام محـرّمُ
نـامـوا ولا تستـيـقـظوا … مـا فاز إلا النُوَّم
وتأخّروا عـن كلّ ما … يـقضـي بأن تتقـدّموا
ودعـوا الـتفهّم جـانبًا …فـالخـيرُ ألا تفهـمـوا
وتثبَّتـوا فـي جهلكـم … فـالشـرّ أن تتعـلّموا
أمّا السـيـاسةُ فـاتـركوا … أبـدًا وإلا تـندمـوا
إن السـيـاسة سـرّهـا … لـو تعـلـمـون مُطَلْسم
والعـدلَ لا تتـوسّموا … والظلـمَ لا تتجهّمـوا
مـن شـاء مـنكـم أن يعـيـشَ الـيـوم وهو مكرّم
فلـيـمْسِ لاسمعٌ ولا … بصرٌ لـديـه ولا فم
وعندما احتل الإنكليز العراق وبعد ثورة العشرين الخالدة سنة 1920م، سرعان ما نصبوا فيصل ملكاً على البلاد وأصدروا دستورا وأنشئوا برلمانا مزيفين وأصبحت أمور البلاد بأيديهم ثار الشعب العراقي وثار الرصافي معهم حيث أنشد قصيدته التي جاء فيها:
علم ودستور ومجلس أمة … كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها … أما معانيها فليست تعرف
من يقرأ الدستور يعلم أنه … وفقا لصك الانتداب مصنف
وقال من قصيدة عنوانها (حكومة الانتداب) :
أنا  بالحكومة  والسياسة     أعرف … أأُلام    في    تفنيدها      وأعنَّف
سأقول فيها ما  أقول  ولم    أخف …  من  أن  يقولوا  شاعر    متطرِّف
هذي  حكومتنا   وكل     شُموخها …  كَذِب   وكل   صنيعها    متكلَّف
غُشَّت  مظاهرها   ومُوِّه     وجهها … فجميع  ما  فيها   بهارج     زُيَّف
وجهان   فيها   باطن      متستِّر …  للأجنبيّ     وظاهر       متكشِّف
يرفع الرصافي بشموخ راية النضال، يحمل قصائده إلى الناس كل الناس …. يقول لهم: لا نوم، والاستعمار لا يزال يتربص بالوطن .. هذا ما جاء في قصيدة (تنبيه النيام) :
أما آن أن يغشى البلاد سعودها … ويذهب عن هذي النيام هجودها
متى يتأتى في القلوب أنتباههـا … فينجاب عنها ريبها وجمودهــــا
أمـــا أسد يحمي البلا د غضنفرُ… فقد عـــاش فيها بالمظالم سيدها
الرصافي نظر إلى الحياة نظرة واقعية تأملية ­ فلسفية، ونشأ نشأة بدوية ­ شعبية، ووصف (بالشاعر البدوي) الثائر الطموح إلى تحقيق العدالة أي أنه كان رجلا عقلانيا، .. آمن بالعلم والتقدم، وكان صاحب رأي مستقل وشجاع حيث اطلق قصائد مدويات صور فيها مشاهد البؤس والالم ووصف مشاهد من صميم الواقع الاجتماعي السيء فدعا الى محاربة التأخر والجهل والجمود ونادي بأخذ اسباب العلم وحارب التعصب وتألم لحال المرأة وثار على التفاوت الطبقي والاستغلال المعيشي وندد بالظلم .
قال من قصيدة عنوانها (المطلقة) وهي تعد من عيون الادب الاجتماعي :
بدت كالشمس يحضنها الغروب … فتاة راع نضرتها الشحوب
منزهة عن الفحشاء خود … من الخفرات آنسة عروب
نور تستجد بها المعالي … وتبلى دون عفتها العيوب
فغاضب زوجها الخلطاء يوما … بأمر للخلاف به نشوب
فأقسم بالطلاق لهم يمينا … وتلك النية خطأ وحوب
وطلقها على جهل ثلاثا … كذلك يجهل الرجل الغضوب
وقال من قصيدة اخرى عنوانها (الاخلاق) :
هي الاخلاقُ تنبتُ كالنبات … اذا سقيت بماء المكرماتِ
تقوم إذا تعهدها المُربي … على ساق الفضيلة مُثمِرات
وتسمو للمكارم باتساق … كما اتسقت أنابيبُ القناة
ولم أر للخلائق من محلِّ …  يُهذِّبها كحِضن الأمهات
فحضْن الأمّ مدرسة تسامتْ …  بتربية ِ البنين أو البنات
نراك إذا ضممتَ الطفل لوْحا … يفوق جميع الواح الحياة
ويقول في مشاهدته لأرملة وبنتها الصغيرة، توفي زوجها وتركهما بين الفقر والبؤس الذي يذيب القلوب الجامدة حيث‏ بلغ القمة بوصفه إذ قال:
لقيتها ليتني ما كنت ألقاها … تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابها رثة والرجل حافية … والدمع تذرفه في الخد عيناها
بكت من الفقر فاحمرت مدامعها … وأصفر كالورس من جوع محياها
مات الذي كان يحميها ويسعدها … فالدهر من بعده بالفقر أنساها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها … حملا على الصدر مدعوما بيمناها
تقول: يا رب لا تـترك بلا لبن … هذي الرضيعة وارحمني وإياها
الرصافي هو شاعر ومواطن وثوري وبدوي، عاش بين شعبه، وخاض امور السياسية بقلمه وكان سيفه لسانه، وكلامه رصاصاً موجهاً إلى الأعداء، معاديا للقهر والظلم والاستبداد … وهو احد دعاة المحبة والتعاون والتآلف بين أبناء العراق، وحثَّ الناس من مختلف الانتماءات الاجتماعية والعشائرية والفكرية للوقوف صفاً و احداً ضد الاستعمار والظلم والاستغلال والفقر والجهل.. مناضل من الطراز الاول في كل مجالات الحياة وفي سبيل شعبه ووطنه وأمته .
توفي الرصافي بدارهِ في محلة السفينة في الأعظمية عام (1945) وشيع بموكب مهيب سار فيهِ جمع غفير من الأدباء والأعيان والصحفيين ودفن في مقبرة الاعظمية ، بجوار الشاعر جميل صدقي الزهاوي .ولقد قالوا في تأبينهِ قصائد كثيرة.

شاعر وصحفي
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب