22 نوفمبر، 2024 10:21 م
Search
Close this search box.

معركة سوريا.. الديمقراطية

معركة سوريا.. الديمقراطية

قال الرئيس الروسي بوتين، في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الاميركية، ان سوريا  لا تشهد معركة من اجل الديمقراطية، بل هو نزاع مسلح بين الحكومة والمعارضة في بلد متعدد الاديان. ولو قال بوتين “نزاعا طائفيا مسلحا” لما جانب الصواب.
ربما كشفت هذه الكلمات القليلة عن ان بوتين، الذي انقذ نظام الاسد من الضربة الاميركية الوشيكة، والذي وفر مخرجا للرئيس الاميركي باراك اوباما من الازمة التي وجد نفسه متورطا بها، اقول ربما كشفت هذه الكلمات عن ان بوتين من اكثر الناس فهما لطبيعة الصراع الدائر في سوريا منذ اكثر من سنتين.
في بداية الصراع، سمعنا اصواتا تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الانسان، بل ان برهان غليون، الكاتب السوري المعروف بديمقراطيته وعلمانيته، ما لبث ان اصبح “زعيما” للمعارضة في الخارج. وهو امر اعطى المراقبين انطباعا بان ما يجري في سوريا انما هو ثورة شعبية تسعى الى الديمقراطية وحقوق الانسان.  لكن الامور اخذت بعد ذلك منحى مختلفا. فقد تحولت الثورة السلمية الى حرب اهلية، وتحولت الدعوات الديمقراطية الى نزعات طائفية بدائية متخلفة، وسرعان ما اختفى برهان غليون من المسرح الذي اعتلت خشبته جماعات ارهابية طائفية مسلحة مثل القاعدة والنصرة. صار هؤلاء يقتلون الناس على الهوية، واصبحت “الثورة السورية” مسرحا للقتل  العشوائي الهمجي. اختفت مصطلحات الديمقراطية وحقوق الانسان.
وجاءت قضية استخدام السلاح الكيمياوي لتقضي على اخر ما تبقى من المسحة الديمقراطية. بل ان الشكوك صارت تحوم على المعارضة المسلحة، كما تحوم حول النظام السوري، في البحث عمن استخدم هذا السلاح المحرم دوليا. وفجأة نسي الغرب كل الدعاوى السابقة، واصبح التركيز حول قضية السلاح الكيمياوي، الى الدرجة التي دفعت احد محللي صحيفة “نيويورك تايمز” الاميركية الى التساؤل عن السر في قبول المجتمع الدولي الغربي لقتل الالاف بل الملايين من البشر باستخدام السلاح التقليدي، وعدم قبوله قتل مئات بالسلاح الكيمياوي. واعلن الرئيس اوباما ان بشار الاسد تجاوز الخط الاحمر. وماذا عن الدعاوى السابقة بكونه قاتلا ودكتاتورا وما شابه؟ تلك لا تمثل تجاوزا للخط الاحمر. اضحكوا ان شئتم!! لكن اوباما لم يستطع ان ينفذ تهديداته لأنه لم يحصل على الدعم الكامل لا من شركائه الغربيين ولا من مواطنيه الاميركيين ولا من الامم المتحدة. وكان يسر زوجته ان يبحث عن مخرج!!
انقذت مبادرة موسكو، التي يقال انها وردت بالاصل على شكل زلة لسان في حديث لوزير الخارجية الاميركية كيري، اوباما من الاحراج، كما انقذت الاسد من الضربة الاميركية التي قيل انها كانت وشيكة. الان انضمت سوريا الى معاهدة تحريم استخدام السلاح الكيمياوي، وسوف يتم تنفيذ بقية مفردات المبادرة الروسية الانقاذية. وتم تجميد الضربة العسكرية. ويشعر الرئيس الاسد الان بالارتياح اكثر مما يشعر به معارضوه الذين فقدوا الزخم.
ربما تكون هذه اللحظة الذهبية التي يمكن استثمارها بالعودة الى جذر المشكلة. الدكتاتورية واقامة الدولة الديمقراطية. ربما يكون الان هو الوقت الذهبي لطرح مبادرة جادة لانهاء النزاع المسلح واطفاء نيران الحرب الاهلية الطائفية الدائرة في سوريا، وتحويل الجهد الى بناء دولة ديمقراطية على انقاض الدولة السورية الراهنة التي عليها ان تنتقل الى العصر الحديث وتغادر طبعة السبعينيات من القرن الماضي، يوم تولى حافظ الاسد السلطة واقام دولته في ظل نظام عالمي كان يشهد حربا باردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
سوف تستفيد كل الاطراف، وعلى رأسهم الشعب السوري نفسه، اذا استطاع لاعب رئيسي تحويل مجرى الاحداث السورية صوب “معركة” سلمية سياسية مدنية من اجل الديمقراطية، لن يخرج خاسرا منها الا من كان عدوا للديمقراطية، الا القاعدة والنصرة. هل يجرؤ احد الان، غير القاعدة، على اعلان معاداته للديمقراطية وحقوق الانسان؟!

أحدث المقالات