الانتخابات المحلية التي شهدها العراق بداية العام الحالي رسمت خارطة تغيير واضحة للمشهد السياسي، فرئيس الوزراء نوري المالكي المتهم بالاستبداد من قبل خصومه فقد نفوذه المحلي في مدن عدة أهمها بغداد والبصرة.
لم يستخدم المالكي جنودا وآليات عسكرية لاسترداد المقاعد المحلية التي خسرها، بسبب الإخفاق الواضح في أداء فريقه البلدي الذي عجز عن تقديم الخدمات للسكان المحليين، بل إن أعضاء في دولة القانون مشتركون في حكومتي هاتين المدينتين حالياً دون اعتراض وتذمر منهم.
العاصمة بغداد تحكم اليوم من قبل تيار إسلامي كان متهما بالتطرف وحمل السلاح، إلا انه يحكم الآن مدينة تاريخية، وزعيم التيار مقتدى الصدر أوصى ممثليه بالحفاظ على مدنية المدينة واحترام تاريخها.
المجلس الإسلامي الأعلى الذي يقوده الشاب عمار الحكيم تنافس بذكاء سياسي وحصل في الانتخابات المحلية على أهم مدينة اقتصادية في العراق، وهو الآن يعد لها العدة لتكون مدينة المال والأعمال وفق دراسات أعدتها أهم الشركات العالمية لوضع استراتيجة الإعمار والبناء وأقصد البصرة.
الحكيم والصدر اللذان جمعتهما خصومة سابقة يلتقيان اليوم على أهداف مشتركة، وهما قريبان في النسب العائلي، ويغيران بأسلوب سريع وملفت للنظر أداء فريقيهما السياسيين.
في السابق كان أتباعهما يتنافسون بالسلاح على النفوذ في المدن العراقية واليوم هما حليفان ويتنافسان في حل الأزمات السياسية ويحثان ممثليهم المحليين باستمرار على تقديم الخدمات.
أسامة النجيفي، إبن العائلة البرلمانية في العهد الملكي، كان يقود معركة سياسية في مدينة الموصل مع الأكراد، هو الآن يمتلك قوة نفوذ في العاصمة ومدن أخرى، ويسعى لبناء علاقات أكبر في المنطقة، وأصبحت له صلات وثيقة بالتحالف الكردستاني وكتلة التغيير التي جعلت التنافس في كردستان أكثر تفاعلاً وحيوية في إطار التغيير الذي نتج عن الإنتخابات المحلية المنصرمة، وهيأت لمعادلة سياسية جديدة في المنطقة الكردية.
أحمد الجلبي الذي كان منشغلا في السابق بملفات اجتثاث البعث، يبدو اليوم أكثر انشغالا بفكرة تأسيس الفريق القادم.
بينما يجلس الجلبي ببستانه الذي ورثه من عائلته في شارع فاصل بين الكاظمية ومدينة الحرية ببغداد، يقول إنه والتحالف الوطني الآن يفكرون بصياغة شكل حقيقي لدولة ومؤسسات متماسكة ولايهمه من سيكون “كابتن” الفريق الذي سيضعونه في حالة العزل إن لم يجد الإدارة.
ولم يبتعد الجلبي، الذي يهتم دائما بالحسابات والتنمية الاقتصادية، عن سيناريوهات سياسية لاستبدال الطاقم الحكومي الحالي بإجماع سياسي، ولا يستبعد “مفاجأة” في عملية اختيار رئيس وزراء ما بعد انتخابات 2014.
لا يبدو أن الانتخابات القادمة ستنتج عن فوز قائمة كبيرة مثل السابق، فسجل مفوضية الانتخابات لم يدون أي اسم للقوائم الكبيرة بين 277 كياناً، فبعد أن كان المالكي زعيماً لدولة القانون تجده اليوم مسجل رسمياً زعيما لقائمة حزب الدعوة، واياد علاوي غيّر اسم قائمته العراقية الى الوطنية بعد أن غادرها الحلفاء السنة، والنجيفي تمسك بمتحدون، في حين دونت المفوضية اسم حيدر العبادي، المهتم بملابسه الأنيقة دائماً، كزعيم لائتلاف دولة القانون.
مسعود بارزاني،العنيد للغاية، كان منشغلا خلال سنواته الماضية باستقطاب الشركات العالمية الى كردستان وتوسيع علاقاته في المنطقة، يسعى اليوم إلى الحصول على منصب رئيس جمهورية العراق بعد غياب طالباني، كردة فعل على إخفاقه وشركاء سياسيين بإجراء تصويت برلماني لسحب الثقة عن المالكي.
رئيس الوزراء نوري المالكي، واجه تحركات الإطاحة به في الربع الاول من عام 2012 بطرق دستورية، واعتمد صلاحيات رئيس البلاد جلال طالباني، والآن ينتظر تحديا كبيرا للحصول على ولاية ثالثة.
سيواجه المالكي خلال الفترة القادمة مزاعم كبيرة، تتمثل، بتحريك قطعات الجيش، والضغط على القوى السياسية، والتلويح بملفات فساد، ومحاولات لقيادة انقلاب عسكري، ولكنه سينال نصيبه الانتخابي بشكل هادئ، وسيعتمد على الاتفاقات السياسية، وإذا تطلب الأمر منه سيسلم السلطة الى خليفته من التحالف الوطني مثلما سلمها له سلفه السابق، الذي ينحدر من حزب الدعوة أيضا.