مع سير الإستعدادات العسكرية واللوجستية الجارية من قبل القوات العراقية التي تتقدمها المليشيات تحضيراً لمعركة الموصل مركز محافظة نينوى، لاستعادتها من قبضة تنظيم داعش ، تبرز مخاوف كثيرة من مرحلة ما بعد التنظيم، حيث عبر عنها الكثير من الأطراف
المحلية والإقليمية ولم يخفوا من أن تؤدي الى “صراعات طائفية”، إن لم توضع خطة واضحة المعالم بشـأن من سيدير المدينة أمنياً وسياسياً، وكيف سيتم التعامل مع أهلها، واعادة اعمارها وتأهيلها بما يعيد لها مكانتها .
ولكن قبل الخوض في هذا الموضوع لا بد من الرجوع الى الخلف، وتحديداً الى السياسة الأمريكية، حيث سبق لها أن خاضت حروب احتلال ثماني عشرة مرة ، وكان في كل مرة تأوول أمور ذلك البلد المحتل الى وزارة الخارجية الأمريكية، إلا في الحالة العراقية حينما
إرتكبت الإدارة الأمريكية خطأ فادحاً بإبقائها إدارة البلد بعد احتلاله الى وزارة الدفاع “البنتاغون” والتي لم تكن لديها الدراية أو الإستراتيجية الواضحة لإدارة بلد بحجم العراق لما وتنوعه المذهبي والطائفي والأثني، وكان ذلك كفيلا بوصول البلاد الى ما وصلت اليه من خراب
ودمار .
هذا ما انعكس على الواقع العراقي، حيث خلّف ثقافة الحلول العسكرية لدى السلطة الحاكمة بدل ثقافة الحوار والشراكة مع باقي الأطياف السياسية .
وتبدو هذه المخاوف واقعية وتتماشى مع السياسة الأمنية التي ثقفت لها الأدارة الامريكية، وجسد ذلك رئيس الوزراء “حيدر العبادي” بإعلانه مشاركة مليشيا “الحشد الشعبي” في المعركة، على الرغم من رفض أطراف واسعة من القوى السياسية “السنية”، خشية تكرارالانتهاكات
التي ارتكبتها هذه الميليشيات بحق المدنيين في الفلوجة وبيجي ومناطق أخرى . هذا من جهة ، ومن جهة اخرى تجاهل حكومة العبادي التنسيق مع قوات “الحشد الوطني” الذي يقوده “أثيل النجيفي” محافظ نينوى السابق وراحت تحشد قواتها قرب الموصل استعداداً
للمعركة.
سياسة حكومة العبادي توحي بعدم وجود أي نوع من التقارب بالأهداف للأطراف الفاعلة في معركة استعادة مدينة الموصل “الجيش العراقي، الحشد الوطني، قوات البيشمركة، ولا حتى التحالف الدولي” ، علما أن هذه الاطراف أعلنت عن استطاعتها وقدرتها على تحرير
المدينة، وهذا هو جوهر القضية، فالهدف تحرير الموصل بغض النظر عن الإدارة الأمنية، واذا لم تأخذ حكومة بغداد هذا الأمر بعين الإعتبار فمن شأنه أن يعقد مرحلة ما بعد داعش، مع وجود جهات سياسية “سُنية وشيعية” لديها عناصر مسلحة، فضلا عن وجود
البيشمركة والجيش العراقي، الذين يتبادلون الإتهامات بتسليم الموصل، ومن شأن ذلك أن يتسبب بصدامات مسلحة بسبب تعدد الجهات الأمنية، كما أن ملف المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل سيكون أحد أبرز التحديات التي تواجه المدينة بعد تحريرها .اذن تحرير الموصل ومرحلة ما بعد داعش قد تكون مرحلة مفصلية في شكل الدولة العراقية إن لم تكن هناك رؤية واضحة المعالم، تتمثل باستعياب أهل المدينة الذين اجبروا على التعامل مع التنظيم كأمر واقع خارج ارادتهم، من خلال تقديم الدعم المالي اللازم للتنمية
الإقتصادية، وضرورة تقليص الدور الذي تقوم به القوات التابعة للحكومة في بغداد، ولا سيما مليشيا الحشد المتهمة بارتكاب جرائم طائفية، وحل الخلافات مع الأكراد الذين يسعون وضع الأسس التي تكفل انتصار مشروعهم ورؤيتهم، بخلاف ذلك قد تفتح الموصل باب
النقاش من جديد حول مستقبل العراق ووحدته ، في وقت يجري الحديث فيه عن تقسيم محافظة نينوى الى عدة محافظات .