لم تعد معركة الموصل ،معركة العراقيين ضد تنظيم داعش،وإنما اصبحت معركة عالمية بإمتياز، ولهذا وضعت لها استراتيجية خاصة بها، تقوم على تدميربناها التحتية ،من مقرات واسلحة كيمياوية ،وغرف اتصالات سرية ،ومعسكرات تدريب ونقاط اعلامية ،وخطوط امداد عسكرية ،وموارده الاقتصادية النفطية ،وحملة اعلامية عالمية هائلة، تفضح جرائم التنظيم، بمعنى استباق تدمير العدو من الداخل، قبل الهجوم عليه بريا، والانقضاض على آخر ما تبقى له من قوة عسكرية واقتصادية ،وبما أن معركة الموصل البرية،لم تبدأ بعد ،ونحن في صفحتاتها الاولى،فلا يمكن تكهن ما سيحدث من مفاجآت ،حضرها داعش في داخل الموصل ،بعد ان فقد كل شيء هناك،حتى حاضنته التي استقبلته ذات يوم ،أن التحالف الدولي بقيادة امريكا ،يعمل الان على انهاك داعش وتدميرقوته العسكرية في داخل الموصل ،في حين يقوم الجيش والشرطة وقوات مكافحة الارهاب والحشد الوطني والعشائري والحشد الشعبي،بتطهير الاقضية والنواحي والقرى،ويحقق تقدما ويطرد داعش منها بسهولة ، لسبب بسيط ،هو ان داعش لايعول على بقائه في هذه البلدات الواهية عسكريا،ولكنه سيستقتل في الداخل ،وهي آخر معاقله وعاصمته سر وجود (خلافته )،وبعدها سينتهي شيء إسمه(دولة الخلافة الاسلامية )، الى الابد ، لذلك جهز نفسه لهذا اليوم ، وإليكم استراتيجيته الجهنمية ،بعد هزيمته في اطراف الموصل ،وانحساره الى داخل المدينة ،تقوم استراتيجيته على تفخيخ الجسور والابنية الرئيسية والطرق وغيرها، أي سياسة الارض المحروقة ،ثم وهذا الاخطر ،الانغماس في دروب الموصل القديمة الضيقة جدا، كأحياء الميدان المطلة على نهر دجلة ،واحياء رأس الكور والسرجخانة والشبخون وعون الدين والمكاوي وباب لكش والاغاوات والمشاهدة والفاروق والنبي شيت وغيرها ، وهنا يستحيل القتال في هذه الاحياء لانها مغلقة على نفسها ،وسينتشر فيها عناصر داعش والانتاحاريين وقوات النخبة في حرب شوارع وعصابات طويلة ، وسيكون اخراجهم منها عملية معقدة جدا عسكريا، إضافة الى( حفر الانفاق العميقة والطويلة) في هذه الاحياء،وفتح البيوت على بعضها بفتحات كبيرة ،يتنقلون من خلالها بسهولة ،وكذلك نصب العبوات وتفخيخ البيوت وعقد الحارات ، هذه هي استراتيجية داعش الجهنمية ،فهم كالنمل في تحركهم داخل المدينة واحيائها ،فهم يقاتلون بطريقة قفزات الضفدع ،وهي مهمة مستحيلة ،فماذا أعد لهم التحالف الدولي ، وحكومة العبادي في معركة الموصل للقضاء على داعش ودحرهم في اخطر معركة تاريخية ومفصلية في التاريخ الحديث..؟، وعندما يتحدث الرئيس الفرنسي عن معركة الموصل ويقول انها ستطول لصعوبتها وتعقيدها، فهو يقصدها ويدرك ما اوردناه اعلاه من معلومات استراتيجية، يحضرها داعش لهم في الموصل ،في مؤتمر باريس لوزراء دفاع (13) دولة اساسية في محاربة داعش عالميا،دون أن يحضر وزير الدفاع العراقي المعني الاول في محاربة داعش ،رغم عدم وجود وزير دفاع في العراق،ولكن على الاقل كان يجب ان يشارك العراق، ولو مشاركة رمزية ولكنها(استهانة واضحة وتجاهل مقصود) ،
ولكنه يعتبر ان مرحلة مابعد داعش في الموصل والعراق والمنطقة ،ستكون اعقد واخطر سياسيا ، وهنا مربط الفرس،اذ ان الصراعات السياسية الداخلية بين الاحزاب والكتل السياسية حول ادارة الموصل وتقسيمها والهيمنة عليها ،والصراع الاقليمي والدولي امريكيا وروسيا وايرانيا وتركيا ،هي العقدة التي تواجه ادارة اوباما والمجتمع الدولي ،في مرحلة ما بعد داعش، اذن وكما اشرنا ان الموصل هي قبان البيضة في الشرق الاوسط ،بعد هزيمة داعش،لذلك تقول وتؤكد امريكا ان بقاءها في الموصل سيطول بعد داعش، لانها تدرك ان مرحلة مابعد داعش ستكون امريكا فيها على المحك في رسم خريطة المنطقة كلها ، وان المهمة هذه لاتريد امريكا ان يشاركهها احد وتريدها على مقاسها ، لاسيما وانها الان تعلن ايضا ان معركة الرقة يجب ان تبدأ قبل عمليات الموصل ،بمعنى ،أن قيادة المنطقة كلها ستكون امريكية ،وان سيطرة امريكا سياسيا وعسكريا على العراق وسوريا بعد داعش ،هو تحقيق لاكبر مشاريعها في العالم ،وهي السيطرة على العالم لاحقا، لان الموقع الجيوسياسي والاقتصادي والنفطي هو هنا اضافة الى تحقيق اكبر حلم امريكي لاسرائيل وهو الامن والتمدد الاسرائيلي في المنطقة ، وبهذا تضرب امريكا (عصفورين ) بحجر واحد،وتحقق حلمها في اقامة مشروعها التاريخي،الشرق الاوسط الجديد ،الذي يقوم على تفكيك وتفتيت وتقسيم المنطقة على الاسس العرقية والطائفية والقومية ، هذه هي استراتيجية امريكا في المرحلة الراهنة ،فهل يحقق لها تنظيم داعش وتنظيمات اسلامية متطرفة وغير متطرفة تقاتل في سوريا حلمها هذا، اؤؤكد ان لولا صناعتها لداعش والتنظيمات الاسلاموية المتطرفة ،لما استطاعت امريكا تحقيق هدفها المركزي بسيطرتها على عموم الشرق الاوسط، وعندما قلنا ان داعش وميليشيات ايران ،هما صناعة امريكية-اسرائيلية-ايرانية ، فإننا استندنا على جملة معطيات على الارض،وليس من الخيال،وهذا ما تحقق على ارض الواقع الان ،إن معركة الموصل قد افرزت وستفرز،المزيد من المعطيات الاستراتيجية على المدى البعيد ،في كشف وتعرية امريكا وتحالفها الشيطاني، في محاربة تنظيمات اسلامية متطرفة وموغلة في الغلو،هي صنعتها بايديها ،وتقوم الان بمحاربتها وبحجة القضاء عليها ،وهي طريقة قذرة لتضليل وتجهيل الشعوب المغلوبة ،لقتلها واشعال الحروب الطائفية الاهلية فيما بينها ، وقتل اكبر عدد من ابنائها وتهجير الاكثرية ،وهذا ما تفعله الان في شعب العراق،وان من ابرز معطيات معركة الموصل ،هو كشف حجم الخداع والتضليل الامريكي للعالم ،وحتى لاقرب حلفائها ،لانها استخدمت الجميع في تحقيق هدف امريكي واحد ،رغم تعدد الاغراض وتنوع الغايات ،ولكن الهدف المركزي هو الهيمنة وجعل القرن الحالي امريكيا بامتياز حتى لو كان على جماجم ودماء والآم ومعاناة شعوب المنطقة ، ان ما تنجزه معركة الموصل ،سيكون ايضا مفتاحا ،لعودة الامان والاستقرار لها ،وذلك بسبب البقاء الامريكي الطويل في المنطقة،وان أي تقسيم لن يكون الا بموافقة اهل الموصل ،وليس لفرض الارادات الداخلية والاقليمية ، فلايمكن ان تكون الموصل الا لاهلها بكل طوائفها واقلياتها وقومياتها، وأجزم ان الموصل واهلها ،سيكون مثالا للتعايش والتآخي والتسامح ونبذ العنف الطائفي والعرقفي والقومي ،وسينبذون الاحزاب والشخصيات السياسية التي سبتت لهم المآسي والحروب ، لان اهل الموصل بدرجة عالية كما هم اهل العراق ،من الوعي الحضاري والاجتماعي، ما لم يستطع احد ان يضللهم ويستغفلهم ويستغلهم سياسيا ، فهم وحدهم من سيقرر مصير الموصل وحدودها ومستقبلها، وان جميع السيناريهات ستذهب ادراج الرياح ،حالما تنقشع غيمة داعش السوداء ،وسيعود اهلها كما كانوا احبة واعزة ، ما نريد قوله هنا ونحن نستعرض استراتيجية التحالف الدولي ضد داعش ،ان العراق باق رغم هول ما تعرض له من خراب ودمار ،وإن الموصل باقية رغم نزوح وهجرة الملايين ، وان كل ما فعلته امريكا بالعراق ،لم تستطع تغيير روحية وثبات وتمسك العراقي بالعراق ارضا وشعبا وتاريخا وحضارة،لقد أفشل وسيفشل العراقيون كل مخططات امريكا، ومخططات ايران وتمددها في اقامة امبرطوريتها الفارسية في المنطقة ، وستندحر جميع مخططات الحرب الطائفية بين أطياف الشعب العراقي ،بعد هزيمة ودحر تنظيم داعش، في معركة طويلة وقاسية في الموصل ،وستكون الموصل عنوانا للمجد والبطولة والصمود، بوجه الغيمة السوداء داعش التي ارادت للعراق ان يرجع الى العصور المظلمة المتخلفة،وبوجه الاطماع والمخططات السياسية للاحزاب والاقليميمة والدولية ،وستتحطم على صخرة صمودها ،وتبقى الموصل رأس العراق ورمحه ،في مواجهة التحديات ،لانها هي من سيحدد مصير العراق ،ومصير المنطقة كلها ، نعم معركة الموصل ،معركة تاريخية وفاصلة بين عصرين ،هما عصر داعش وعصر ما بعد داعش ، معركة الموصل ستحدد شكل العالم والمنطقة بكل تأكيد ،إنتظروا نتائجها ..