8 أبريل، 2024 6:16 ص
Search
Close this search box.

معركة الموصل: نذر كارثة إنسانية 

Facebook
Twitter
LinkedIn

في الوقت الذي يكتنف فيه الغموض مرحلة ما بعد التحرير، بين التقسيم والأقلمة وصراع الأرض والنفوذ مع الكورد ، وبعد موجة من التفاؤل بشأن سرعة سحق ارهاب الدولة الإسلامية وطردها قبل نهاية السنة الحالية، اصبح القلق هو سيد الموقف في معركة الموصل بعد التباطؤ غير المتوقع في تقدم القوات العراقية التي تحظى بمساندة كبيرة، غير مباشرة ربما، من الحلفاء الإقليميين (ايران وروسيا) ودعم اكبر من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. معركة الموصل معركة غير مسبوقة بكل المقاييس الميدانية، إذ يشارك فيها اكثر من مئة الف مقاتل مدجج باحدث الأسلحة الفتاكة ومن وراءها آلة حرب عالمية بكل معنى الكلمة ، مقابل بضعة آلاف من مسلحي داعش، يتراوح عددهم بين عشرة آلاف مسلح في اكبر التقديرات المبالغ فيها، وأربعة آلاف فقط حسب تقدير مصادر مطلعة تقدم المشورة للحكومة العراقية، غير انهم، على كل حال، يتحركون وسط بحر من السكان يصل تعدادهم الى مليون ونصف المليون ، يوفرون لهم ، على ما يبدو، حصنا منيعاً.    
دخلت معركة الموصل اليوم أسبوعها السابع منذ ان أعلن العبادي بدأ عمليات التحرير فجر الإثنين، ١٧ تشرين الثاني ٢٠١٦، في كلمة نقلتها قناة العراقية شبه الرسمية. قال العبادي حينها (كانت هناك محاولة لتأخير عملية تحرير الموصل، لكننا وَأَدْناها)  مؤكِّداً أن هذا العام سيكون عام الخلاص من تنظيم الدولة. الآن تقول المعلومات المتوفرة حول سير المعارك ان القوات العراقية لم تسيطر لحد الآن الا على ربع المدينة في جانبها الأيسر الذي يقع شرق نهر دجلة، وإذا استمرت المعارك بنفس الوتيرة فإن وعد العبادي سيتأخر لا محاله، خصوصا ان الكثافة السكانية تتركز في جانب المدينة الأيمن، اضافة الى نزوح أعداد كبيرة من الأهالي اليه، قبل ان يعمد طيران التحالف الى تحطيم اربعة من خمسة جسور تربط جانبي المدينة بهدف تحجيم التحرك اللوجستي للدولة الإسلامية، ولن يكون اختراقه في كل الأحوال بنفس سهولة اختراق الساحل الأيسر.
المعركة تتعقد مع تأخر حسمها من قبل القوات العراقية التي لا تنفك عن القول ان أوامر القائد العام بإعطاء الأولوية لسلامة المدنيين ودعوته لهم الى البقاء في بيوتهم، هي الذي تعطل جهودها في تطهير المدينة من إرهابيي داعش، وهو قول ، على ما يبدو ، فيه الكثير من الصحة، رغم ان  المراقبين لا يعزون ذلك الى قرار شخصي من العبادي  وإنما الى اتفاق صارم وشروط مسبقة من قوات التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، يقضي بتجنب قصف الأحياء المدنية بشكل عشوائي وإبعاد ميليشيات الحشد الشعبي عن المدينة لخوض معركة “نظيفة”، في إشارة الى عدم تكرار الإنتهاكات التي ارتكبتها بعض الفصائل المنفلتة كما قيل في معارك الرمادي والفلوجة وصلاح الدين وديالى. 
الكل يتفق إذن أن مراعاة الكتلة البشرية الكبيرة في المدينة وتنوعها  الإثني هي احد أكبر صعوبات معركة استعادة الموصل وتحريرها من قبضة داعش، وأنها قد تفقد أي انتصار متوقع للقوات العراقية وحلفائها الإقليميين والدوليين المصداقية اذا فشلوا في حمايتها، أو على الأقل تقليل خسائرها، لما قد تسببه من شروخ لا تندمل في الجسد العراقي مستقبلا، وما قد يترتب عليها من موجات نزوح لا قبل لجهود الإغاثة الدولية بنجدتها واحتمالية تحولها الى كارثة إنسانية يلوث عارها جبين العالم اجمع، وهكذا يتضح أن الدافع الإنساني ربما كان هو الأضعف من بين الدوافع التي  تشكل هذه الحضوة غير المقصودة لأهالي الموصل الذين يعتقدون أن  مدينتهم محروسة منذ ان تفادت العقاب الإلهي ايّام يونس عليه السلام، ولكن الى مدى يمكن للعراق وحلفائه تحمل اعباء حرب استنزاف تلوح في الأفق، قد تقود الى حلب اخرى في المنطقة. لا شك ان الجواب يحمل نذر كارثة إنسانية في كل الأحوال.
 [email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب