صحيح أن معظم من يخوض معركة الموصل من العراقيين وبمساندة إيرانية أمريكية مشتركة، لكن الحسابات الإستراتيجية هي إيرانية أولاً وأمريكية ثانياً.
فعلى الرغم من الثقل العسكري الكبير عدداً وعتاداً الذي يخوض هذه المعركة، فإن عمليات الكر والفر بين القوات المهاجمة من جهة وعناصر تنظيم داعش من جهة ثانية، ما زالت مستمرة، لا بل أن عناصر التنظيم استعادوا معظم ما فقدوه في الأيام الأولى من بدء المعركة، وهذا يندرج ضمن الإستراتيجية الإيرانية في محاولة تركيع آخر مدينة عراقية، كانت رافداً أساسياً للطيارين والضباط الذين ساهموا بشكل فعال خلال حرب الثماني سنوات، وكان لهم نصيب في حسمها لصالح العراق.
فبينما كانت خطة معركة الموصل تقضي بحصار المدينة من ثلاث جهات وإبقاء الجهة الغربية مفتوحة لفسح المجال أمام المدنيين للخروج من المدينة، استطاعت إيران تغيير خطة المعركة وحصار المدينة بالكامل عبر توجيه تعليماتها إلى حكومة بغداد، بحجة أن الجهة الغربية تؤدي إلى معقل التنظيم في سوريا. وهذا من شأنه أن يعقد المعركة ويضيّق الخناق على المدنيين وهو ما حاصل الآن، وقد يتعدى الأمر عن ذلك بتحويل الموصل إلى حصار طويل كما الحال في سوريا، وقد تتحول الموصل إلى حلب ثانية.
إيران التي تحاول القول إنها تريد القضاء على تنظيم داعش وسحقه في الموصل، كيلا ينتقل مسلحوه إلى سوريا، طلبت من بغداد إرسال قوات من مليشيا “الحشد الشعبي”، إلى الجبهة الغربية لإغلاق الطريق الواصل بين الموصل والرقة معقل “خلافة” التنظيم.
لكن البعد الإستراتيجي الأهم بالنسبة لإيران في هذا من شأنه أن يتيح للمليشيات الموالية لها وخاصة مليشيا “الحشد الشعبي”، أن تشكل مركز انطلاق إلى سوريا كونها الأقرب جغرافياً، وبالتالي سيمكنها -أي إيران- من إتمام “الممر البري” الذي يخترق العراق وصولاً إلى سوريا ومن ثم البحر المتوسط، وبالتالي فإن هذا الممر سيمكنها من توطيد أقدامها بالمنطقة، وأن يعطيها مساحة أوسع للتواجد في أراضٍ عربية جديدة غير المتواجدة فيها أصلاً. وهذا ما دفع تركيا إلى التحرك في شمال شرق سوريا مؤخراً عبر عملية “درع الفرات”، بعد أن استشعرت خطورة هذا المشروع، وعلمها بوجود علاقة بين إيران وأكراد سوريا ومليشيا “الحشد الشعبي” التي تعتمد إيران عليهم في تنفيذ الجزء الأكبر من هذا الممر وتأمينه.
الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها تسعى لتحقيق أهدافها من خلال معركة الموصل، ويتمثل باتجاهين الأول، تحقيق انتصار “حاسم” فيها لتعزيز صدقية إستراتيجيتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط القائمة على الحد من التورط العسكري المباشر، والثاني استعادة ما فقدته لصالح إيران على مدى ولايتي الرئيس بارك أوباما، ووضع اليد على مُجمل مفاتيح التأثير في صياغة المشهد السياسي العراقي.