6 أبريل، 2024 7:03 م
Search
Close this search box.

معركة القتل والسلام

Facebook
Twitter
LinkedIn

بعد ان تلقيت دعوة لحضور حفل عقد قران احد الاقارب وجدتني اؤجل مواعيد اعمال مختلفة كنت عاقدا العزم على ادائها اذ تزامن وقتها والموعد المحدد لحفل عقد القران لذا اخذت زينتي ولبست افضل واغلى طقم وكان لون الطقم الرصاصي اللامع مناسبا لهذا الحفل كما ان لون القميص الابيض اضفى على بشرتي رونقا وذلك من خلال اضافة لسمة الفرح الذي عولت عليه.
رحت اسال نفسي كم من الزمن مضى على آخر مشاركة لي في احتفال كهذا لأنني بطبيعتي قليل الحضور في مثل هذه المناسبات نظرا لكوني موظفا في محافظة اخرى تعتبر بعيدة بمئات الكيلومترات عن محافظتي ولا يخفى عليكم كم يأخذ التنقل بين المحافظات من اوقات طويلة قد لا توفرها الاجازات الاعتيادية التي تحسب على الموظفين .
من خلال نافذة المركبة اطالع المشاهد المختلفة بين طرقات ومساحات وبنايات ومزارع وتتباين الصور بين اشجار وارفة الظلال وصحارى تملئها الرمال وهضاب وتلال ,بين مبان شاهقة وعمارات تعددت طوابقها وارغمت الرائي ان يرتفع برأسه وناظره ليشاهد اواخرها فضلا عن اتساع مساحة ارضيتها وبين بيوت صغيرة متداعية يمسك بعضها بعضا ويمتد عطب بعضها الى بعض كما الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
هل تبدو عبارتي غريبة …؟ لا أظن .! سأوضح هذا بمثال مناسب حيث رأيت جدار احد البيوت وقد اوشك ان يتداعى بفعل شرخ حدث فيه بفعل القدم وكان الشرخ قد امتد الى جدار البيت المجاور ومن نفس المنطقة التي حدث فيها ذلك الشرخ .ربما وضحت الصورة.
هنا هتفت اعاتب نفسي قائلا :
لماذا افكر بهذه الامور التي تكدر الخاطر وانا في طريقي الى حفل بهيج واوقات فرح وسرور …؟
لذا ارغمت نفسي على ان لا تفكر بمثل هذه الامور فتفكيري فيها لا يغير الحال ولا يفيد في هذا الامر المقال ولذا وطنت نفسي على ان افكر فيما انا مقبل عليه وارتسمت لي صور عديدة وجوه احبتي واقاربي واصدقائي ورحت استذكر احداث سنوات مضت قبل ان انتقل للعمل في وظيفتي الجديدة وتساءلت عن الذين يمكن ان اراهم في ذلك الحفل وعن الذين ينبغي علي اداء واجب الزيارة لهم في حال عدم مقابلتي لهم في ذلك الاحتفال وهكذا مضت فترة ليست بالسيرة وان استغرقت تلك الافكار والمركبة تعبر بي المسافات وسرعان ما استسلمت لسنة من النوم أيقظتني منها صرخة احدهم (الله …الله…الله)ففتحت عيني ورحت استطلع الامر فاذا المركبة قد توقفت واندفع بعض الشباب مسرعين الى احد المقاعد اذ كان احد الرجال قد هوى الى ارضية المركبة على اثر نوبة صرع وقام احدهم بمساعدة المصاب والضغط عليه لمنعه من اطباق فمه مخافة ان يقطع لسانه بفعل تلك النوبة .الحق كانت هذه اول مرة اشاهد حالة معاناة مصابا بالصرع مشاهدة حقيقية رغم انني قرأت عنها الكثير في الكتب التي اطالعها خاصة كتابات دستويفسكي التي يصف بها تلك الحالات.
بعد ان استعاد الرجل عافيته وجلس الى مقعده وهو يردد كلمات الشكر التي اجابه عنها الاخرون بالامتنان وبعد ان اطمأن الاخرون عليه واصل سائق المركبة السير وساد الهدوء الا بضع اصوات خافتة وهمسات بين الركاب هنا وهناك.
اردت ان اخرج من هذا الجو فرحت ارسم في ذهني مشهد ما انا مقبل عليه حيث العروسان وحيث الاهل وحيث رجل الدين الذي سيعقد لهما القران وتلاوته للكلمات التي لابد من قولها والاسئلة التي سيسأل والاجابات التي سيجاب بها وهنا توقفت المركبة اذ تم وصولنا بسلام الى الكراج في محافظتي …محافظتي التي فيها مسقط رأسي …محافظتي التي شهدت ايام طفولتي وسنوات صباي وشبابي …محافظتي التي احب
احسست بالنسيم يداعبني وينشد لي سمفونية رائعة تذكرني بأناشيد الطفولة حيث كان الاستاذ يجمعنا حوله كدائرة ويشوح بيديه كأعظم عازف مرددا معنا كلمات الاناشيد التي تتغنى بالحياة وبالجمال وبحب الله والانسان والاوطان ومن فوق رؤوسنا يرفرف العلم …علم العراق الواحد من الشمال الى الجنوب ثم كأنني في هذه اللحظة اراه يرفع للعلم التحية قائلا تحية العلم هي تحية الوطن تحية الحياة .
خطوت الى العنوان المذكور لي …الى القاعة التي من المنتظر ان تتم فيها مراسم الاحتفال ولم تكن ببعيدة عن الكراج الذي نزلت به مجرد سير على الاقدام بضع عشرات من الامتار وكان هذا في صالحي اذ كنت لم ازل في كامل اناقتي .
اطالع اللافتة (قاعة الافراح) ووعدت نفسي بلحظات الفرح ودخلت البوابة وفي المدخل طلبوا اليّ ان اتخلى عن هاتفي النقال وحين اعترضت على الامر قالوا:
هذه هي التعليمات .
سالت لماذا…؟
كان الجواب مخافة ان تصور وهذا حفل عائلي وان كان للأقرباء…!!!
بطبيعة الحال لم اعترض فأنا ممن يطبقون الاوامر ويلتزمون بالتعليمات واحترم جميع الافكار واحترم حرية التعبير واكره الجدال العقيم الذي لا يؤدي الا الى مزيد من الفوضى خاصة اذا كان الذي تناقشه هو غير المسؤول عن تلك التعليمات وانما تقتصر مسؤوليته على تطبيقها فهو كما يقول :
مجرد موظف.
تخليت عن هاتفي النقال ودخلت القاعة التي ازدانت بالعطور والزهور والرسوم واللوحات المختلفة وهناك وجدت الكثير الكثير من الاهل والاقارب والاصدقاء وكانت الموسيقى تنساب بالحان هادئة وجميلة وقد وقف العروسان على المنصة والاهل والاحباب تباركهم بعدان تم عقد القران وهنا تقدم احدهم وعبث بصندوق الموسقى فتغير اللحن الجميل والكلمات العذبة الى صرخات ودبكات تردد كلمات التبجح والقتل والدماء والسيوف والمعارك ودك الرؤوس .!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
تساءلت هل انا بحفلة عقد قران ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
اجبت نفسي حين رأيت الكثير يرددون كلمات التبجح والتحدي والعنجهية والجهل والقتل انني في ارض معركة !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
معركة القتل والسلام………………………………………..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب