20 ديسمبر، 2024 1:48 ص

معركة الفلوجة جدلية الإقصاء والإحتواء

معركة الفلوجة جدلية الإقصاء والإحتواء

تخوض القوات العراقية منذ 23/أيار من الشهر الفائت بمساعدة طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة حرباً ضروساً لإستعادة مدينة الفلوجة والتي أستولى عليها مسلحي تنظيم الدولة –داعش أوآخر عام 2013 . وتعد الفلوجة أولى المدن العراقية التي أستولى عليها التنظيم قبل أن يستولى على الموصل في العاشر من حزيران /2014 والذي أعقبه سقوطها تهاوى عدة مدن عراقية الواحدة تلو الأخرى وأنتهى بحصار العاصمة بغداد وتهديد أسوارها . في سابقة خطيرة سلطت الضوء على الفشل الذي تسببت به سياسات الحكومات المتعاقبة بعد 2003 في بناء مؤسسات الدولة على أسس مهنية ووطنية رصينة وتهديد أسس المجتمع واستقراره وسلامة العلاقات بين أفراده , كما كشفت عن حجم التاثير السلبي الذي تسبب بها الفساد والصراع السياسي على المؤسسة العسكرية والأمنية.
وتتمتع الفلوجة بسمعة ورمزية واسعتين سياسية وشعبية على المستويين المحلي والدولي كانت قد حازت عليهما بعد معركتين خاضتها ضد القوات الامريكية والعراقية على التعاقب بين نيسان وتشرين الثاني من عام 2004 , اذ لطالما أشتهرت هذه المدينة بالتمرد ليس ضد النظام السياسي الحالي بل الى أبعد من ذلك تأريخياً , الأمر الذي أضفى ميزة أضافية على معركة الفلوجة الجارية الى جانب الأهمية التي تمثلها هذه المدينة التي تعتبر أحد أهم معاقل التنظيم ذات القيمة العسكرية والدعائية
العالية ,إذ أن موقعها المتميز يجعلها نقطة عقد ستراتيجية مؤثرة في محافظات الأنبار وصلاح الدين وبابل بالأضافة الى العاصمة بغداد , كما أن الرمزية العالية والقيمة الدعائية الكبيرة التي تتمتع بها المدينة تهيئ للتنظيم فرصاً كبيرة لكسب الدعم والتأييد له وتجنيد أعضاء جدد الى صفوفه.وللأجل ذلك كله يعد حسم القوات العراقية المعركة لصالحها يمثل خسارة كبيرة للتنظيم كما يؤمن هذه المنطقة والمناطق المحيطة بها .
وفي الوقت الذي تبذل فيه الحكومة العراقية جهوداً كبيرة لأستعادة المدينة من ايدي تنظيم الدولة-داعش فأن هنالك معركة لا تقل أهمية عن أستعادة الأرض لم تعطى القدر الكافي من الأهمية ألا وهي أستعادة ثقة السكان المحليين . ففي ظل تواتر التقارير الدولية والأممية والمحلية عن حصول إنتهاكات جسيمة بحق السكان الفارين من المعارك الدائرة في المدينة , تشير التقارير الى أن بعض الفصائل المنضوية في الحشد الشعبي قد قامت بها, وتحدثت هذه التقاريرعن عمليات قتل وتصفية وأخفاء قسري وتعذيب .هذه التقارير تبعث على القلق وتنطوي على مخاطر كبيرة قد تلقى بظلالها ليس على العمليات الجارية فحسب بل ستتعداها من خلال تأثيرها على جهود الحكومية لتعزيز ثقة سكان هذه المناطق بالنظام السياسي وإدماجهم وصولاً الى ترميم النسيج الأجتماعي الذي تضرر كثيراً وأصلاح شبكة العلاقات الأجتماعية وتجسير الهوة بين المكونات وتقوية أواصر التضامن والتكافل للحفاظ على السلم والاستقرار الأجتماعي والأستقرار السياسي والأمني تبعاً لذلك .
وحسناً فعلت الحكومة العراقية عندما أدانت هذه التصرفات معتبرة إياها حالات فردية ولا تمثل نهجاً حكومياً منظماً وأعلنت أنها أتخذت عدة أجراءات للحد من تكرارها وانها بصدد أعتقال المتورطين ومحاسبتهم . إن وقوع هذه الأنتهاكات قد زاد من الضغوط على الحكومة وأثر كثيراً على سمعتها الدولية كما أثر على جهودها الميدانية لأستعادة المدينة والتي تسببت
بإيقاف العمليات تارة وأبطاءها تارة أخرى .وفضلا عن ذلك والأخطر منه أنه يبعث برسائل سلبية لسكان تلك المناطق قد لا تساعد على بناء الثقة كما أنها قد لا تشجعهم على أبداء مزيد من التعاون مع الدولة العراقية في أيجاد حلول لما يعانونه من مشكلات وهو وضع ربما يدفع بهم الى مزيد من العزلة والتقوقع , مما يجعل الباب مفتوحاً على مصراعيه امامهم للبحث عن “مخلص ” يعمل على “حمايتهم ورفع الظلم” عنهم , مما يجعل من تلك المناطق بيئة خصبة ومنتجة لأنعدام الأستقرار الأمني والسياسي .
فالعراق يعاني من مشكلات جمة وأن الطريقة المثلى لتجاوزها هو الإقرار بوجودها أبتداءً ثم مواجهتها بشجاعة والعمل على دراسة أسبابها وإيجاد الحلول الناجعة لمعالجتها ومنع تكرارها . وعليه , فأن إعتراف الحكومة بوقوع الأنتهاكات أمر مهم باتجاه تعزيز دورها وتحسين صورتها وإعادة ثقة السكان بها ولكن لا يعد أمراً كافياً فلازال هناك الكثير من العمل لأعادة ترميم العلاقة بين الحكومة ومواطني تلك المناطق .
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف يتوجب على الحكومة التقدم بخطاب ودي تجاه تلك المناطق وساكنيها لكسب العقول والقلوب يعرض لهم ضمان مصالحهم بشكل أفضل مما هي عليه في ظل سيطرة تنظيم الدولة لكسب تأيديهم ودعمهم , الأمر الذي سيساعد الحكومة على أعادة الأستقرار لتلك المناطق بشكل دائم .كما يجب على الحكومة مراقبة والسيطرة على الخطاب الإعلامي الموجه في الفضائيات وشبكات التواصل الأجتماعي والحد من غلواء خطاب الكراهية وعبارات الأنتقام والثأر الموجه ضد تلك المناطق وساكنيها والتي تتوعدهم بالفناء والدمار ! وتتهمهم بالخيانة ! ولأجل تجاوز هذه الأخطاء واستشعاراً منها لخطورة ما حدث من إنتهاكات عنها دعت المرجعية الدينية في النجف برسائل عدة الى تجاوز خطاب الكراهية والإبتعاد عن لغة التعميم ,موصية بضرورة تجنيب المدنيين
ويلات الحرب ومشددة على دور القانون في محاسبة من تثبت صلته بالتنظيم !
فمن المهم جداً العمل على تجاوز أخطاء الماضي التي دفعت سكان تلك المدن الى الأرتماء في أحضان الجماعات المسلحة ذات التوجهات” القومية والوطنية والأسلامية الصوفية والأخوانية “مبكراً مروراً بالقاعدة وانتهاءً بتنظيم الدولة –داعش واستخلاص العبر منها .فما الذي يدفع بجماعة سكانية أو مكون ما للتمرد على النظام السياسي الذي تعيش في ظله ؟ إن الإجابة على هكذا تساؤل سيسليط الضوء على أزمة النظام الساسي القائم منذ 2003 والمشكلات التي يعانيها ليس مع المكون السني فحسب بل مع المكونين الشيعي والكردي . وبالتالي فأننا في الوقت الذي نعتقد فيه بالتهديد الحقيقي لتنظيم الدولة – داعش للنظام السياسي فأننا نرى ان أسباباً داخلية ذاتية خاصة بأزمة المكون السني نفسه الناجمة عن غياب القيادة الواعية وأسباباً موضوعية متعلقة بنظرة الحكومة السابقة وطبيعة خطابها السياسي وطريقة تعاملها , أستغلها التنظيم فمهدت الطريق أمامه للأستحواذ نفسياً وفكرياً على مناطق المكون السني وأدت فيما بعد الى استفحال خطره ومن ثم سيطرته فعلياً على تلك المناطق .
فمما لا شك فيه أن المرحلة السابقة لأحداث العاشر من حزيران 2014 قد أسست لما بعدها , والتي ألحقت الضرر الجسيم بعلاقة النظام السياسي بأفراده .فقد كان للسياسات الخاطئة والأداء الهزيل للحكومات السابقة الى جانب الأنانية طبعت الطبقة السياسية ولهاثها وراء مصالحها الخاصة وعدم أستشعارها للمسؤولية الملقاة على عاتقها تأثيرها السلبي والخطير على الدولة والمجتمع . فأفرزت واقعاً سياسيا وأقتصاديا وأمنياً مزرياً فضلا عن ترجع الحريات وانتهاكات حقوق الأنسان وتغييب القانون وأضعاف القضاء , تسبب في فقدان المواطنين للثقة السياسية في نظامهم
السياسي وتراجع الدعم والتأييد له .الأمر الذي أعتبر مؤشراً واضحاً على حجم وعمق الأزمة التي كان يعيشها النظام السياسي , والتي لا زالت ماثلة ,وأختبار جدي لقدرته على الأستمرار .هذا الوضع كانت نتيجته المنطقية هو الانهيار الكبير الذي تعرضت له الدولة في العاشر من حزيران بسقوط الموصل وما تبعها من تداعيات لازال العراق يعاني منها ومن المتوقع ان تستمر لوقت أطول . وبالتالي فأن على الحكومة العراقية أن تستخلص العبر مما حصل والتركيز على أستمالة السكان وكسب تعاطفهم لأهمية ذلك في دعم السياسات والأجراءات الحكومية ف. أن حصول ذلك مرهون بأظهار الحكومة تفهماً أكبر لمشكلاتهم وأستيعابها للمخاوف التي تساور وجودهم ومصالحهم .
وفي الختام , لا يجب أن ينصب تركيز الحكومة خلال العمليات العسكرية على جهود أستعادة الأرض فحسب بل العمل على إحتواء ساكنيها واستمالتهم والحفاظ على حياتهم وكرامتهم ووضمان مصالحهم.أن هذه المعركة تمثل فرصة مناسبة لأثبات جدية النظام السياسي في التغيير وأختباراً لتوجهاته في أصلاح نظرته الى قضايا مواطنيه ومشكلاتهم وتعزيزعلاقته بهم .فالتحديات الجسام التي تعترض مسيرة النظام السياسي وتهدد بقاءه لن يتم تجاوزها الا بمزيد الفاعلية والحيوية وتكثيف الأداء في جميع جوانبه ليكون أقدر حماية الحقوق وتعزيز الحريات . فالدولة التي تحترم حق مواطنيها في الحياة وتحفظ لهم كرامتهم وتضمن لهم العيش الكريم هي فقط القادرة على تجاوز التحديات الداخلية والخارجية ,وهو ما يمثل الحصانة الأكيدة ضد مخاطر عدم الأستقرار الأمني والسياسي وتصدع السلم الأجتماعي . /2014 والذي أعقبه سقوطها تهاوى عدة مدن عراقية الواحدة تلو الأخرى وأنتهى بحصار العاصمة بغداد وتهديد أسوارها . في سابقة خطيرة سلطت الضوء على الفشل الذي تسببت به سياسات الحكومات المتعاقبة بعد 2003 في بناء مؤسسات الدولة على أسس مهنية ووطنية رصينة وتهديد أسس المجتمع واستقراره وسلامة العلاقات بين أفراده , كما كشفت عن حجم التاثير السلبي الذي تسبب بها الفساد والصراع السياسي على المؤسسة العسكرية والأمنية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات