كل المؤشرات تدل على اننا ذاهبون الى معركة السيطرة على بغداد يكون العدو فيه شبحا لا وجود له الا في مخيلة من يريدون ان يسيطروا على مؤسسات الدولة بكاملها فيصنعوا لهم عدوا من الخيال ينوبون عنه في احداث كل ما هو موبق ودموي من اجل الحفاظ على مصالحهم ومصالح ايران ولا يهم ان يذهب ضحية احلامهم المريضة هذه الالوف من المدنيين الابرياء .
فهل نحن على ابواب معركة بغداد الحاسمة ؟ سؤال يطرح نفسه خاصة بعد سلسلة التفجيرات التي ضربت العاصمة بغداد في الاسابيع الماضية .
ان دخول داعش او ( ادخالها) الى العراق واحتلاله للمدن ذات الاغلبية السنية فيه كان يكمن وراءه اسباب تتجاوز موضوعة ضعف المؤسسة العسكرية والامنية او قوة هذا التنظيم الارهابي . فقد دمرت معظم مناطق السنة العرب , واضعفت القوة السياسية للاحزاب الممثلة له , بل وحيدت عن اي تاثير لها على القرار السياسي في بغداد طوال السنتين الماضيتين . وفرغت الساحة تماما امام الاحزاب الشيعية الموالية لايران للاستيلاء على كل مفاصل الدولة والقرار فيها .
وبعد ان اقتضت المصالح الامريكية والغربية ( حسب سياساتهم التي تنطلق من ادارة الازمات وتطويعها حسب توقيتات تلك السياسيات ) لضرب داعش في سوريا والعراق , كان لابد لايران والاحزاب العراقية التابعة لها من تدارك الموقف وتغيير قواعد اللعبة حسب الواقع الجديد بعد ان ادركوا ان ايام داعش في العراق اصبحت معدودة , فبدئوا يتحركون على محورين : –
الاول … العمل على تاخير اخراج داعش من خلال خلق حلقات ضعف في الجهد التعبوي والعسكري وفي التنسيق بين القوات العراقية وقوات التحالف , وافتعال مشاكل في العمليات القتالية عبر اقحام مليشيات الحشد الشعبي التابعة لايران في هذه العمليات , وما اثير من جدل حول مشاركتها فيها الامر الذي كانت امريكا والسنة العرب يرفضانه .. بحيث اصبح هذا الموضوع هو محور القضية بدلا من عمليات التحرير نفسها , وقد تسبب هذا الجدل في ايقاف المعارك مع داعش لاكثر من مرة وفي اكثر من محور , اضافة الى لعبة القط والفار التي مارستها تلك المليشيات مع داعش في احتلال مناطق والانسحاب من اخرى لاكثر من مرة ايضا .
الثاني … الدخول في سباق مع الزمن لتهيئة الارضية بما يصب في صالح ايران واحزابها في العراق قبل طرد داعش , وضمان استمرار سيطرتهما على مجمل الوضع السياسي والامني . وما سلسلة التفجيرات هذه الا محاولة يائسة منهما لتحقيق هذا الهدف .
لقد حققت ايران اهدافها من دخول داعش في العراق في تضعيف قوة السنة العرب وتدمير مناطقهم وتشكيل مليشيات تكون جهاز باسيج جديد لها في العراق , غير ان تطورات الملف السوري والعراقي جرت الى حيث لا تشتهيها سفن ايران , فبدات بتغيير اوراق اللعب لديها واخراج اوراق اخرى جديدة . فدخول العامل السني العربي (المتمثل بالدول العربية وتركيا) في ملف العراق وسوريا , ودعمهم المتوقع والمحتمل للمكون السني العربي بعد القضاء على داعش , سيعيد احزاب هذا المكون الى الساحة السياسية في العراق بشكل اقوى من ذي قبل . لذلك بدات ايران والمليشيات المرتبطة بها الاستعداد لاسوء الاحتمالات (بالنسبة لها) وذلك بالعمل على احكام سيطرتهم
على العاصمة بغداد بطرق عديدة من بينها الاخلال بوضعها الامني , من خلال تفجيرات نوعية تتخذها كقميص عثمان لتمرير مخططاتها تلك . وقد كان تفجير الكرادة الاخير وما تمخض عنه من تصريحات ومواقف لبعض القادة كفيلة بكشف تلك المخططات , خاصة بعد ان صرح السيد مقتدى الصدر بانه كان يتمنى ان تكون داعش وراء تلك العملية , في اتهام واضح لمليشيا الحشد والاطراف المرتبطة بايران بهذا التفجير .
ان المتابع لتصريحات بعض الساسة والقادة الشيعة عقب تفجير الكرادة يراها تصريحات متناغمة مع بعضها ومدروسة بدقة لاستثماره سياسيا … فمنهم من صرح بوجوب تقسيم مناطق العاصمة الى كانتونات يسهل السيطرة عليها امنيا , واخر دعى الى افراغ بعض المناطق في بغداد ممن سماهم بالمشكوك في تعاونهم مع داعش ( وبالطبع فان هذا التوجه سيعمم على المكون السني دون الشيعي) , واخرين دعوا الى منع المهجرين من المناطق السنية خارج العاصمة من الدخول اليها .. وذهب اخرون الى ابعد من ذلك بتاكيدهم على وجوب تسليم الملف الامني لبغداد الى مليشيات الحشد الشعبي بدلا من وزارة الداخلية .
وما يجعل المراقب يتوجس خيفة من هذه التوجهات هو استقالة وزير الداخلية المنتمي لمنظمة بدر من منصبه عقب التفجير ودعوة بعض البرلمانيين الشيعة لاقالة وزير الدفاع , وهي دعوات مغرضة الهدف منها ارخاء البقية الباقية من سيطرة الحكومة على الوضع الامني وجعل البلد امام انفلات امني شامل يفتح الباب امام المليشيات للسيطرة على هذه الاجهزة بدلا من الحكومة .. والا فكيف نفسر فكرة اقالة وزيرا الداخلية والدفاع الان وهما الوزيران الوحيدان اللذان اصر العبادي على ابقاءهما في مناصبهم في تشكليته التي قدمها قبل اشهر للبرلمان بعد كل تلك المظاهرات التي عمت شوارع بغداد ؟
بدات معركة بغداد
ما يقع هذه الايام في العاصمة العراقية بغداد من تفجيرات لا يمكن تسميتها بخروقات امنية بقدر ما هي استعدادات لمرحلة ما بعد داعش بترتيبات متلاحقة تضمن استمرار سيطرة الاحزاب الشيعية على مجمل الامور السياسية والعسكرية والامنية في العراق بعد تحرير المدن العراقية من سيطرة تنظيم داعش الارهابي وطرده من العراق بشكل كامل .
فبعد اشتداد ضربات التحالف الدولي على مواقع داعش في العراق وظهور مؤشرات قرب طرد داعش من العراق بشكل نهائي , تسارعت خطى ايران والاحزاب العراقيه التابعة لها لاستباق الاحداث قبل الدخول الى هذه المرحلة , فالسبب الرئيس لادخال داعش للمناطق السنية في العراق كان لتدمير مدن هذا المكون واضعافهم سياسيا وبالتالي تمكين ايران والاحزاب المرتبطة بها للسيطرة على زمام الامور في هذا البلد , ونجحوا في ذلك الى حد كبير بعد ان ساهم احتلال داعش للمناطق السنية في اضعاف القوى السنية وابعادها عن محور الاحداث في العملية السياسية في العراق وتشتتهم وتدمير اغلب مدنهم .
الا ان اصرار التحالف الدولي على محاربة داعش , وتطورات الملف السوري والعراقي ودخول العامل السني الاقليمي فيهما جعل من رجوع الاطراف االسنية بقوة للساحة السياسية العراقية بعد طرد داعش امرا ممكنا وبقوة , مما جعلت الاحداث تجري بما لا تشتهي السفن الايرانية , ما ادى بدوره الى ان تغير ايران والاحزاب الموالية لاوراق اللعب التي تمتلكها لضمان سيطرتها على الاوضاع السياسية لمرحلة ما بعد داعش . ولذلك فقد تحركت باتجاهين … الاول .. هو بدفع مليشيات الحشد الشعبي لعرقلة محاربة داعش وبالتالي اطالة امد بقائه في كل ميادين القتال من خلال المناكفات والسجالات الجوفاء حول مشاركة الحشد في القتال من عدمه , والثاني .. هو توتير الوضع الامني والتفجيرات التي حصلت مؤخرا في بغداد والتي هي ليست ثغرات امنية بقدر ما هي حوادث مخطط لها بشكل جيد تهدف لاستمرار سيطرة ايران والاطراف التابعة لها على الوضع السياسي مهما توجهت رياح التطورات في العراق .
فما يحصل اليوم من تفجيرات في بغداد , والتصريحات السياسية التي يطلقها بعض الساسة الشيعية على اثر التفجيرات تلك من قبيل اخلاء مناطق معينة في العاصمة من المكون السني , ومنع مهجريهم من الدخول الى بغداد ,اضافة الى الاصوات الشيعية التي بدات تنادي بتسليم ملف امن بغداد لمليشيات الحشد الشعبي .. كل ذلك يشير وبشكل جلي بان ايران وتوابعها في العراق متجهة وباصرار للانقضاض على العاصمة بغداد , وجعلها ذات صبغة مذهبية واحدة ييسر عليهم السيطرة عليها امنيا واداريا وبالتالي الاستعداد لاي تغيرات مستقبلية قد تحصل في الوضع العراقي الداخلي في الشهور القادمة . وما تصريح السيد مقتدى الصدر حينما ذكر بانه كان يتمنى ان
داعش هي من تقف وراء هذه التفجيرات الا تعزيزا لقولنا بان ايران وحلفائها في العراق هي من تقف وراء هذه التفجيرات .
ان استقالة وزير الداخلية العراقي في هذا الوقت بالذات وهو المنتمي الى مليشيات بدر , ومحاولات بعض البرلمانيين الشيعة لاقالة وزير الدفاع العراقي ايضا ما هي الا محاولات حثيثة لتحييد هاتين الوزارتين المهمتين , ودفع مليشيات الحشد لبسط سيطرتها على ملف امن بغداد , وتغيير هذين الوزيرين في هذا الوقت لا يمكن نفسيره الا هي محاولة من الاطراف الشيعية الى تحييد هاتين الوزارتين ودفع مليشيات الحشد الشعبي كي تحل محلها والا فما الذي يدعو الى تغير هذين الوزيرين في هذا الوقت بالذات بينما ابقى على هاتين الوزارتين بدون تغيير قبل شهرين عندما قدم العبادي كابنيته الوزارية بعد المظاهرات الحاشدة التي شهدها بغداد وذلك الوضع السياسي المتازم والخطير الذي كانت تمر بها الحكومه العراقية سياسيا .
ان محاولات سيطرة مكون على المكونات الاخرى هي خطوة غير مبررة اذا قيمناها حسب المصلحة العراقية وكان الاحرى بالاحزاب الشيعيه لو كانت مستقلة بقرارها السياسي ان تعمل على تهدئه الوضع السياسي في العراق في هذا الوقت بالذات لا باثارته اكثر خاصة واننا امام مفترق طرق لا يمكن اللعب به اكثر وتوتيره اكثر .