كان جل اهتمام عشائر الانبار ان يتم السيطرة على وضع محافظتهم، بعد إن شهدت أعمالا ارهابية مسلحة، إثر خروج الجيش منها، ما سهل على الاهالي الامساك بزمام الأمور، واعادة تسيير الامور وتسهيل عودة القوات الامنية المحلية الى مقراتها لممارسة عملها، في أسلوب محكم، أعاد الى الانبار هيبتها، بعد ان حاولت بعض الجهات تعريض مستقبلها لخطر داهم.
ويتساءل الاف العراقيين عن كل هذه الجماعات المسلحة التي ظهرت فجأة بعد انسحاب الجيش من مدينة الرمادي، أين كانت كل تلك المجاميع التي راحت تستعرض قوتها في شوارع المحافظة، وكان الجيش يخوض معها معركة خارج الحدود ويعلن انتهاء الوضع غربي الانبار، واذا بالامور تنقلب رأسا على عقب، ويظهر المسلحون في شوارع المدينة، ما يؤكد وجود أياد خفية سهلت ظهور هذه الجماعات، وهناك من يقول ان هذه الجماعات ربما حركتها اياد سورية بدعم ايراني للظهور في شوارع الرمادي ، وتحت حماية القوات العسكرية التي دخلت المحافظة من جهات عدة وتمركزت فيها ، لكي تختلط الاوراق والخنادق ويعطي لصانع القرار في بغداد فرصة ان يتم له اعادة التمركز لقوات الجيش في محافظة الانبار، والا كيف ظهرت كل هذه الجماعات التي لايعرف أهل الانبار اصلهم وفصلهم، ومن أية ملة هم، وتبين للقاصي والداني انهم لكنهم مجندون من جهات اقليمية وربما بدعم حكومي لظهور في هكذا ظرف كان وجود الجيش يتعرض لانتقاد واسع من اهالي الانبار.
ومع كل هذه التداعيات بقيت الأنبار رقما صعبا ، رغم كل ما واجهته من احداث مأساوية في المواجهة الأخيرة،ولم يتمكن من حاول لوي ذراعها، ان يخضعها لإرادته كيفما يشاء، حتى أعادت صياغة المعادلة لصالحها،بطريقة أثبتت للعالم كله، ان الأنبار ستبقى الرقم الأصعب في أية مواجهة أو محاولة إستهداف من اي طرف كان.
أجل لقد قلبت الانبار موازين القوى لصالحها في المواجهة الاخيرة وأعادت تشكيل المعادلة العراقية ، بعد ان كان المخطط أن يتم إحتواء هذه المحافظة ومحاولة السيطرة على مقدراتها لإخضاعها بالقوة الى المركز، متخذة من أحداث المواجهة مع المسلحين في الانبار فرصة ان يتم القضاء على ساحات الإعتصام ، في هذه المحافظة ، تمهيدا للانتقال الى بقية المحافظات، ولو سقطت الانبار لاسمح الله هذه المرة، لكانت بقية المحافظات قد سقطت الواحدة بعد الأخرى، ولكانت المعادلة قد إختلت كثيرا لصالح المشروع الإقليمي الذي يستهدف ربط العراق بسوريا عبر بوابة إيران.
كان صانع القرار في بغداد يعتقد ان خلط الأوراق خلال فترة المواجهة مع المسلحين غربي الانبار يمكن ان يكون مدخلا لترويض هذه المحافظة، واخضاعها كليا لمشيئته، لكي يسهل عليه توسيع المد الطائفي بإتجاه سوريا، ولكي تسهل عملية التوغل الإيراني بإتجاه سوريا انطلاقا من الانبار..لكن أهل الانبار المعروفين برجاحة عقلهم وقدرتهم على إفشال مخططات إستهدافهم قلبوا المعادلة لصالحهم هذه المرة ، كما قلبوها في أيام المواجهة مع الاميركان، وكانت قصية النائب احمد العلواني واقتحام ساحات الاعتصام القشة التي قصمت ظهر البعير، وإنهاء هذه الفعالية التي يرى فيها أهل الانبار انها كانت منبرهم الحر للتعبير عن المطالب ، إضطرعلى إثرها أهل الانبار لخوض مواجهة عسكرية لم تكن في حساباتهم ، لكن الحظ ربما حالفهم هذه المرة بأن تم أحباط اخطر مخطط يستهدف مستقبل الانبار وتاريخها المشرف، وكانت مواجهة من نوع فريد، أثبت فيها اهل الانبار قدرتهم على إعادة لعب الاوراق، بطريقة أخرى، كانت خسائر الطرف الآخر سياسيا فادحة جدا، وكانت درسا قاسيا، لم يكن صانع القرار في بغداد يدري أن أوراق الطاولة ستنقلب عليه لصالح أهل الانبار.
وقد إستطاعت محافظة الانبار فرض شروطها وإخضاع صاحب القرار لإراداتها بأنه إضطر مرغما على سحب القوات العسكرية من محافظة الانبار، وبعد ظهور المسلحين اعطى مبررا لمجلس المحافظة ان يطل مرة اخرى عودة بعض قطعات الجيش، وكان هذا هو الهدف الذي سعن اليه الحكومة لكي تجعل الامور تختلط على أهالي الانبار ومع هذا تمكنت العشائر من اعادة ترتيب صفوها واخراج المسلحين من مدينتهم بعد ان طردوهم شر طردة، ولأن حجم المواجهة كان كبيرا لم يكن صاحب القرار في بغداد يتوقعه أن يكون بمستوى هذا الحجم من التحدي، لهذا تراجع وقدم الكثير من التنازلات، وكان يظن ان ورقة العلواني يمكن ان يستغلها لصالحه، لكن كل الاوراق تلاشت في أهميتها، وأصبحت الأوراق الاقوى بيد أهل الانبار، رغم عدم وجود قيادة مركزية تقودهم ولا خطة منظمة، لكن حتى عشوائية التحرك وعفويته تم إستغلالها لصالحهم، وكان الحق الى جانبهم في أنهم شعروا أن هناك مخططا للنيل منهم ومن رموزهم الواحد بعد الآخر ، وإرغامهم بالقوة على الخضوع لإرادة الآخر، إلا إن كل هذه المحاولات ذهبت هباء منثورا، بفضل الحشد الواسع الذي شمل كل أهل الانبار، الذين شعروا ان الفرصة جاءت مواتية لهم، لكي يفرضوا هم شروطهم هذه المرة، ولم تنطبق حسابات الحقل مع حسابات البيدر لدى صاحب القرار في بغداد، فكانت ان إختلطت عليه الأوراق، وواجه سخطا شعبيا واسعا، ما إضطره للإستجابة لمطالب أهل الانبار، بأن يتم إحترام مكانة شيوخهم ووجهائهم وتاريخهم، وكان الموقف الشعبي أقوى من موقف شيوخ الانبار، الذين بدت مواقفهم هذه المرة على غير عادتها، ويبدو ان الطمع المادي والحصول على المغانم هو من أضعف موقف أؤلئك الشيوخ، بعد ان قدمت لهم المغريات، لكن إرادة الله تغلب من يضمر لشعبه عكس ما يتمناه، فكانت سمعة البعض منهم، لاتسر، كما ان المحافظ وحتى رئيس مجلس المحافظة قد واجهوا سخطا شعبيا للأسف، ولم يكن أهل الانبار يتوقعون ان يتم تسليم رقابهم بهذه الطريقة، لكنهم إستطاعوا ان يعيدوا ترتيب صفوفهم، ويديروا المعركة بكل صلابة، وتخطيط قديرين، أعاد لهم الارجحية وأعادوا المعادلة لصالحهم، وبقيت رؤوس أهل الانبار مرفوعة الى السماء تحكي للعالم قصة محافظة أبت الا ان تطاول من يحاول لوي ذراعها، فكانت لها الأرجحية في هذه المواجهة حتى سجلت نصرا مشرفا في تاريخها، حفظ لها شرفها ومكانتها، وأعلت شأن المحافظات الأخرى الذين رأوا في مواجهة أهل الأنبار مايستحق الفخر، وان بمقدور المحافظات الاخرى ان تكسب أية مواجهة قادمة لاسمح الله على شاكلة ماجرى في الانبار، ليبقى رأس العراقيين مرفوعا يزهو بالنصر، ويشهد تأريخ الانبار لهذه المحافظة انها كانت السباقة في كل شيء، ويعرف القاصي والداني، مكانة أهلها، وقدرتهم على المطاولة، لكن الطرف الآخر نسى أو تناسى ، انه حتى الناس البسطاء بمقدورهم ان يعيدوا حساباتهم اذا ما اكتشفوا ان الطرف الاخر يريد الايقاع بهم لكي يخضعهم لارادته حيثما يشاء، وبقي اهل الانبار الرقم الصعب في المعادلة السياسية، حتى ان السياسيين انفسهم بقوا في حيرة من أمرهم وبان خورهم وضعفهم، وكانوا هم امام المطرقة بأن واجهوا الانتقاد من شعبهم في عدم قدرتهم على الإرتقاء الى مستوى مطالب شعبهم، فكانت اوراقهم خاسرة، بعد ان غاب حضورهم ولم يكن لقراراتهم ذات مستوى مؤثر، فكانت مكانتهم بين جمهورهم ليست على مايرام، وبالتالي خسروا المشيتين، كما يقال.