23 ديسمبر، 2024 9:46 م

معذرةً …. سيدتي فيروز

معذرةً …. سيدتي فيروز

تعودت منذ الصغر على مشاطرة فطوري عند كل صباح بالصوت الملائكي للسيدة فيروز، فبمجرد سماع صوت بلبل الصباح وهي تشدو للجبل والوادي والبحر أو تتغنى بحب وطنها وجماله ، يُبعث في النفس المتعبة بريقا لامعا من الأمل الندي الذي يثلج الصدر ويجعل الروح هائمة بعيدا برفقة الاحلام التي ولدت معنا وهاهي تشيخ معنا ولم يتحقق منها شئ يستحق الذكر ، مما يبدو انها ستُقبر معنا حيث مثوانا الأخير لتكون أسيرة ذلك القبر كأجسادنا التي أرهقتها عشرات السنون العجاف في وطني . ما أصعب أن تعيش الغربة في وطنك وتضيع في ثنايا نفسك وانت لا تزال تبحث عن ذاتك وقطار العمر قد أوشك على بلوغ المحطات الأخيرة ، لقد ضاعت سني العمرفي وطن كُتب علينا ان يكون وطنا لنا ، وطنا فرضه القدر الأحمق في ان يكون وطنا لنا. فسحقاً لوطن ينبذ ابناؤه ويكره عشاقه ، لم أسمع عن وطن يعشق قاتليه و ممزقيه كوطني ولم أسمع بوطن يتلذذ بآهات وجراحات أهله كوطني ، ولم أرى وطنا متعطشا لدماء أبناءه كوطني ، لم ارى وطنا متمسكاً بتلابيب من زنى به كوطني ، لم أجد في بطون التاريخ تراب وطن عشق الدماء وأبتلع الاجساد في جوفه كتراب وطني ، لم أقرأ أو أسمع عن وطن له الرغبة الجامحة دائما في ان يتسلط عليه من لا رحمة له، لم أرى وطنا يلفظ محبيه من جوفه راميا بهم الى شوطئ بعيدة جدا كوطني . كل ما حولنا كذبة كبيرة عشناها ولا زلنا ، الدين الذي نراه اليوم كذبة كبيرة الديمقراطية التي وعدنا بها كذبة كبيرة ، داعش صناعة معروفة و كذبة كبيرة، لكن الكذبة الاكبر هي وطن أسمه العراق ، فالعراق الذي كنا نعرفه قد رحل الى غير رجعة وما عراق اليوم إلا بقايا جسد متناثرة . أعود لسيدتي فيروز وقد سمعتها هذا الصباح وهي تنشد لوطنها الجميل ( لن أبيع أرضي بذهب الارض .. تراب بلادي تراب الجنان)

أذ أستوقفتني هذه الكلمات الجميلة وتأملت فيها كثيرا و وجدت ان من حق فيروز ان تتباهى بوطن كلبنان لأنه يستحق ذلك ، لكن في وطن مستباح كوطني وروح مشبعة بالهموم كروحي ونفس جرداء كالصحراء كنفسي ، أبواعلي إلا أن أقول لفيروز معذرةً سيدتي فكلماتك الجميلة هذه يمكن أن تصح لكل الأمكنة إلا وطني فتراب بلادي تراب الجحيم وعما قريب سأبيعه بأبخس الأثمان .