18 ديسمبر، 2024 11:45 م

معاً لنشر ثقافة المحبة والتسامح

معاً لنشر ثقافة المحبة والتسامح

ينبغي علينا أن نفعل في حياتنا نصوص الوحي التي تدعونا إلى العفو والتسامح والمصالحة الاجتماعية والتواصل الإنساني والرحمة ببني البشر، كما قال تعالى : (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ويبدأ هذا التسامح بالتسامح مع النفس، فلا نرهقها بحمل الأحقاد والضغائن، ولا نعذبها بالكراهية والعدوانية، بل نغرس فيها شجرة الرحمة والمحبة والإيمان والسلام، ونتسامح مع والدينا وقرابتنا وأهلنا وذوينا، فنصل ما أمر الله بوصله، ونرعاهم بالبر، ونحوطهم بالرفق والرعاية، ونعفو عن زلاتهم، ونتحمل أذيتهم، ونتسامح مع أبناء مجتمعنا، حتى إذا أخطأوا أو أذنبوا أرشدناهم برفق، ونصحناهم بلين معتقدين أننا مثلهم، يقع منا ما يقع منهم، وعلينا أن نرسل للعالم رسالة التسامح وتقديم رسالتنا في حلة السلام، والحرص على نجاتهم وفلاحهم ليأمنوا جانبنا، فنحن وإياهم نعيش على كوكب واحد، وبيننا مصالح مشتركة، ومنافع متداخلة، ويربطنا بهم حق الإنسان على الإنسان، وواجب البشر تجاه البشر، فيحسن بنا أن نريهم الوجه الجميل للإسلام البريء من العنف والفظاظة والغلظة والاحتقار والكبت والقهر، لأن الله أمرنا بالحكمة في الدعوة واللين في الخطاب والرفق في المعاملة مع حسن الحوار، بل نهانا عن الإرهاب الفكري، والسيطرة على العقول بالقوة، فقال تعالى : (لست عليهم بمصيطر) وقال تعالى: (أفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)، فالإقناع والحوار والحجة هي طريقنا الصحيح لتقديم رسالتنا وعرض مبادئنا.
إن العالم لن ينصت لنا إذا فهم منا أننا نريد الاستيلاء على مقدراته، وسلب حقوقه والانتقام منه وتهديد حياته وتخويفه، بل علينا قبل أن نقدم له الحقيقة الناصعة والحجة البينة عن ديننا، أن نجعله يشعر بحرصنا على حياته ونجاحه وسعادته، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى لإسعاد البشرية لا لشقاوتهم، ولنجاة الناس لا لهلاكهم، ولسلامتهم وحرمة نفوسهم المعصومة، لا لإزهاق أرواحهم إلا بحقها الشرعي، بل صرح صلى الله عليه وسلم يوم الحج الأكبر بكلمته الناصعة الساطعة الموحية المؤثرة، حيث قال: «ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا»، كيف يقتنع العالم بدعوتنا، وهم يرون بعضنا يحملون عليهم في أوطاننا سلاح التهديد والوعيد، وهم عزل من السلاح لم يأتوا لمقاتلتنا ولا لحربنا، وإنما أتوا لمصالح إنسانية ومنافع مشتركة وتعاون دنيوي.
لقد جرب الحكماء منا دعوتهم باللين والرفق إلى الإسلام فدخلوا في دين الله أفواجا، بخلاف من لم يسلك طريق الدعوة ولا الحكمة ولا الحجة الصحيحة، وإنما استخدم أسلوب الخطف والسلب
والنهب والإرغام والإكراه، فلم يحصل له ثواب ولا نصر، حيث لم يظفر بإسلامهم واعتناقهم الدين، ولم يحقق ما يظنه نصرا جديدا وفتحا مبينا، بل قدم للعالم رسالة خاطئة مفادها أننا نتربص بالبشر وننتظر غفلتهم ونتحين الفرصة على الانقضاض عليهم، ونرفض التعايش معهم، بل نهدد حياتهم ومستقبلهم.
ان التواصل مع بني البشر ورحمة الإنسان بالإنسان ، ومد يد الصلح والتسامح كفيل ببناء مجتمع حضاري ، والتسامح هنا للإشارة إلى الممارسات الجماعية أو الفردية تقضي بنبذ التطرف أو ملاحقة كل من يعتقد أو يتصرف بطريقة مخالفة قد لا يوافق عليها المرء والتسامح هو نقيض التعصب والتشدد و هو ترسيخ التعايش بين اتباع الأديان من ممارسة الشعائر الدينية بكل حرية والعيش المشترك والتخلي عن التعصب الديني والتمييز العنصري اي قبول اختلاف الآخرين كما هم وعدم منع الآخرين من أن يكونوا آخرين أو إكراههم على التخلي عن آخريتهم ، نعم التسامح هو فضيلة أخلاقية، وضرورة مجتمعية لتأسيس جو من الإخاء وبناء مناخ التعايش السلمي ضمن محيط معين.
أن البداية الحقيقية لتعزيز قيم التسامح تكون من البيت، من الأسرة الصغيرة، في تسامح الأبوين مع بعضهما، ومع الآخرين من الجيران والأصدقاء والمتصلين بالأسرة، في تسامح أفراد الأسرة بعضهم مع بعض، ومع الخدم في البيت، وتمتد تلك الثقافة إلى المؤسسات التعليمية فيكون المعلم نموذجاً متسامحاً هادياً لطلابه ولزملائه، ثم تصعد إلى بقية مؤسسات المجتمع المدني والحكومي بمختلف ألوانها السياسية والثقافية، والإعلامية والاقتصادية والدينية، كما يجب على النخبة المجتمعية ممارسة ثقافة التسامح ونبذ ثقافة التخوين، والتكفير، والتجريح والاتهام، ويجب أن يتحلى المجتمع بتشريع عادل ومنصف لجميع فئات المجتمع، ثم يأتي دور النظام السياسي الذي ينبغي أن يضمن حقوق وحريات الجميع بدون تفرقة.
إن أبرز آليات تفعيل غرس ثقافة التسامح المجتمعي، هو التزام الدولة بالحياد “المذهبي والديني” عبر تفعيل مفهوم “المواطنة” آلية لغرس قيم المحبة والتسامح، إذ لا جدوى من الخطب الوطنية والدينية عن التسامح، ولا حتى النص في الدساتير عليه، إذا كانت تشريعات الدولة تمايز بين المواطنين بحسب معتقدهم الديني أو المذهبي، أو كانت معاملة الدولة تقوم على نوع من التمايز بين المواطنين بسبب معتقدهم أو أصولهم، أو كانت حقائق الواقع المجتمعي وعلاقات الأفراد – بعضهم ببعض – بعيدة عن قيم التسامح.
هذا ما نحتاج هذه الايام ان نقف معا في سبيل نشر السلام وتحقيق المصالحة لأنه لمصلحة الجميع ولاستقرارهم وسعادتهم. ولا يمكن أن تنشر روح المحبة والألفة والأخوة في الدار التي تسكن فيه وهي أساساً غير متوارثة أو موجودة .
كلمة أخيرة إن لم تكن بسلام مع نفسك فلن تكون بسلام مع الآخرين