في البداية البيان الصيني المشترك حول تسوية الخلاف السعودي الايراني جاء تعبيراً عن نجاح اللقاءات التي استمرت فترة طويلة تم خلالها بحث مشاكل معمقة لم يفصح عنها البيان تتعلق بالمسائل الايدولوجية والاستراتيجية والمواقف السياسية المتباينة التي يصعب تفكيكها بمجرد اعراب الطرفين عن النوايا الحسنة، فضلاً عن ان الاتفاق ليس معاهدة دولية ملزمة لانه لم يسجل في الامم المتحدة وفق الاجراءات القانونية الخاصة بالمعاهدات والاتفاقات الدولية وانما التزامات أدبية قابلة للخرق والتغيير والنكوث ولا يخفي على السعودية مدى مراوغة ايران والتراجع عن التزاماتها بالرغم من ان الاتفاق يحوي على بنود ملزمة للطرفين اتجاه الصين لكونها الراعية للاتفاق وان اي أخلال سيكون للصين موقف قد يؤثر على العلاقات الثنائية بينها وبين الطرف الذي أخل بشروط الاتفاق الا ان السعودية تماشت مع الشكوك في النوايا الايرانية لانها تأمل قبل كل شيئ في حل مشكلة اليمن او على الاقل المراهنة على استثمار الفرصة بما يخدم مصالح اليمنيين في ظل هذة التحولات في المنطقة والانتباه لحل مشاكلهم السياسية والايدلوجية بعيداً عن الولاء المطلق للقوى الاقليمية التي لم تجلب الا المآسي للشعب اليمني .. وهنا اذا اردنا تقييم الاتفاق وفق معايير الربح والخسارة لكل من الطرف السعودي والايراني فلابد من التركيز على البنود الاساسية التي وردت في البيان لمعرفة اولاً معايير ربح الجانب السعودي من الاتفاق وما يقابلها من خسارة للجانب الايراني وبالعكس لان اهم ما جاء في الاتفاق احترام حسن الجوار وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، اضافة الى فقرة وقف دعم الميليشيات في المنطقة كشرط اساسي في هذا الاتفاق والتي نصت على نزع اسلحة الميليشيات باشراف مباشر من الصين، مما يعني ان هذه الفقرة تصب في مصلحة السعودية لان ليس لها ميليشيات ولا موالين لا في ايران ولا في دول المنطقة قياساً للاحزاب والميليشيات الموالية لايران في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وايضاً مما يعني ان هذه الفقرة ممكن ان تزرع الشك في قلوب الموالين لايران بان لا مانع لدى ايران من التخلي عنهم في سبيل مصالحها .. بينما هذا الشك غير موجود بالنسبة الى الدول العربية وبالاخص دول مجلس التعاون الخليجي اتجاه السعودية لان هناك مشتركات في السياسة الخارجية خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي التي اعتبرت تفاوض السعودية يمثل الجميع وليس منفردة بنفسها، بمعنى ان الكرة في ملعب ايران لان الاتفاق حصر ايران في زاوية بند الالتزام بالمواثيق والعهود والاعراف الدولية ومنظمة التعاون الاسلامي، لهذا أي خرق سيكون للصين موقف منها لانها راعية الاتفاق. وان مدة الشهرين لعودة السفراء واستئناف العلاقات الدبلوماسية جاءت معلقة على شرط الوصول الى تسوية في العراق وسوريا ولبنان واليمن فهل تستطيع ايران التخلي عن اجندتها السياسية في تلك الدول وتحترم سيادتها .. اكيد استحالة التطبيق من قبل الجانب الايراني وحتى لو تخلت ايران بشكل موقت عن حلم اعادة امجاد امبراطوريتها القديمة لمصلحة الاستقرار الداخلي نتيجة الظروف الاقتصادية التي سببتها العقوبات الامريكية وانعكاسها على الاوضاع الاجتماعية والسياسية في الداخل الا ان ايران يستحيل ان تتخلى عن ايدولوجية ولاية الفقية المثبته في الدستور الايراني والتي ترمي الى قيادة العالم الاسلامي بعد نشر التشيع في اوساط الدول الاسلامية ..
اما معايير ربح الجانب الايراني من هذا الاتفاق، هناك من يعتبر الاتفاق يصب في مصلحة ايران لانه فك من عزلتها على الصعيد الاقليمي والدولي لهذا سرعان ما دعت الدول الخليجية الى فتح صفحة جديدة وطالبت البحرين باستئناف العلاقات الدبلوماسية وعلى الصعيد الدولي هناك من يعتبر الاتفاق قد عزز موقفها التفاوضي على صعيد المشاكل العالقة سواء مع اوربا او في مباحثات الاتفاق النووي مع امريكا، بالرغم من ان امريكا لم تدخل في حساباتها التفاوضية اي مراعات للدول العربية لان الادارات الامريكية ليست معنية بمصالح تلك الدول بقدر ما تعنيها الحفاظ على مصالحها ومصلحة اسرائيل بالدرجة الاولى .
اما الذي خسرته السعودية .. فأنها تعتبر الدولة الرائدة في مواجهة التهديدات الايرانية وكثير من اعتبر ان هذا الاتفاق ادى الى تخلي السعودية عن التزاماتها العربية في مواجهة تلك التهديدات مما ادى ذلك الى زرع الشك في قلوب المعولين على موقف السعودية الحازم من ايران، لذلك أعتبر هذا الموقف بمثابة حبل انقاذ لايران في ازماتها الدولية، ورأي اخر يؤكد عجز السعودية الامساك بخيوط اللعبة من خلال تخلي محمد بن سلمان عن اعتبار الخلاف مع ايران خلاف ايدولوجي يرمي الى السعي لتشيع المنطقة .. وايضاً هناك من يعتقد ان السعودية خسرت الولايات المتحدة ولم تربح الصين التي لها علاقات أوسع مع ايران لان من اهم اهداف الدول الكبرى رعاية مصالحها قبل رعاية مصالح الاخرين، وان مصلحة الصين تصب في اختراق النفوذ الامريكي في الشرق الاوسط حتى لو كان ذلك على حساب العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية .. بمعنى ان ما تحصل عليه السعودية وايران من جراء هذا الاتفاق لا يعدو سوى مكاسب هشة ومؤقته بسبب عمق الفجوة وانعدام الثقة نتيجة الخلاف الايدولوجي والعقائدي والاستراتيجي والسياسي بين الطرفين وان عودة العلاقات الدبلوماسية لا يقدم ولا يؤخر لان هناك كثير من الدول حصل بينهما حرب واستمرت العلاقات الدبلوماسية بينهم دون انقطاع .. مما يعني ان الصين هي الرابح الاكبر من جراء هذا الاتفاق لانها اصبحت فاعل رئيسي في رسم شكل النظام العالمي الجديد مستفيدة من التخبط الجيوسياسي الامريكي في المنطقة لهذا الصين اكدت مراراً بأنه لا يمكن الوصول إلى الأمن العالمي دون تحقيق الأمن في الشرق الأوسط فهي اليوم تمكنت بإمتياز من اختراق النفوذ الامريكي في منطقة الشرق الاوسط .