22 ديسمبر، 2024 1:25 م

معايير الإبادة الجماعية لدى الأمريكان

معايير الإبادة الجماعية لدى الأمريكان

استوقفني خبر قبل أيام ، نزل كالصاعقة على رأسي ، فالناطق بإسم الخارجية الأمريكية قال بالحرف الواحد (لا يوجد دليل على إرتكاب الصهاينة للإبادة الجماعية في غزة ) !! ، ولا أعلم هل هو أعمى عن آلاف الصور المرعبة لمشاهد الدم والأشلاء البشرية التي تستخرج من تحت الأنقاض ، لمدن بأكملها وقد سوّيت بالأرض ، هل يعلم أن ثمة أكثر من 40 الف فلسطيني (ثلاثة ارباعهم من النساء والأطفال) قُتِلوا بآلة الحرب الجهنمية التي تُستخدم بإسراف لا نظير له وأكثر من ضعف هذا العدد من الجرحى والمعاقين ، أنا أعلم أن معايير العدالة الأمريكية مريضة وعمياء وخرساء وصماء بل رعناء ومتغطرسة ، وخير دليل جريمة الحصار الذي فُرض على العراق ولا أدري تحت أي مسوّغ ، بحيث يتم تجويع شعب بأكمله ويُحرم من الدواء والغذاء بسبب تصرف نظام دكتاتوري أرعن لم يبق لنا شيئا ، لكن هذا الخبر جعلني اودّع العدالة في هذا العالم إلى غير رجعة ، وكنت أعتقد أن ثمة من يلقم هذا المسؤول حجرا ، على الأقل من الدول العربية ، وأنظمة العار العربية المذعورة من شعوبها ، فلم يهنأ لجنوب أفريقيا بالا ، حتى إستصدرت قرارا بإعتبار رئيس وزراء الكيان الصهيوني ووزير دفاعه على أنهم مجرمَي حرب بإرتكاب الإبادة الجماعية ، في الوقت الذي لم يجرؤ نظام عربي واحد على تأييد هذا المقترح على الأقل ! ، بل على الأقل أن لا تسمح هذه الأنظمة بإستغلال أجوائها ومطاراتها لنقل شحنات أسلحة الدمار والموت والإبادة لهذا الكيان المغتصب ، فلأي غرض تستخدم هذه الأنظمة ترسانتها الضخمة التي دمّرت إقتصاد هذه الدول ؟ وضد من ؟ ، أستغرب أيضا من حالة الخدر الجماهيري للإحتجاج على هذه المجازر ولا سيما في العراق ، حتى لو ظهرت إحدى الفئات السياسية لتركب موجتها في محاولة لرفع رصيدها الصفري ، وجزا الله خيرا للشعوب الغربية التي لا تهدأ تظاهراتها بمناسبة ودون مناسبة ، وملأت كل وسائل التواصل الإجتماعي صخبا ، وكنت أعتقد أن المجتمعات العربية ستوظف إعلاميا حادثة حرق الجندي الشجاع (آرون بوشنيل) لنفسه أمام السفارة الصهيونية ، لكنها صارت نسيا منسيا ، ولكن المجتمعات الغربية (لا أقول الحكومات) أبت أن تمر هذه الحادثة مر الكرام .

وأتوجّه لما يسمى المجتمع الدولي وأقول : ما هو تعريفكم للإبادة الجماعية ؟ ، بالعدد مثلا وقد تجاوز 40000 شهيد ، في منطقة لا يتجاوز عدد سكانها المليونان ، هل تريدون المزيد من القتل حتى ينطبق عليه تعريفكم المريض للإبادة الجماعية ، جعله مليون مثلا حتى ترضون ؟ ، حسنا ، ولكن حتى قتلهم جميعا ، فستقولون (مسألة فيها نظر) ! ، هل أن تشريد أكثر من مليون لاجى غير كافٍ مثلا ؟! .

كنت أشاهد قناة DW  الألمانية ، لا أدري لماذا تركّز هذه الأيام على برامج إستقصائية ووثائقية عن المحارق النازيّة ومعسكرات الإعتقال ؟! ، وماذا عن غزّة ؟ ، ألم تتحول إلى أسوأ معسكر إعتقال في التاريخ ؟ ، أليست ألمانيا هي معقل محارق النازية ؟، أتحدّاهم أن يبرزوا مظلومية الشعب الفلسطيني ولو بمجرد خبر ، ألم يكن نصيبها من القصف والموت مما فاق نصيب (برلين) في الحرب العالمية الثانية ؟ ،  تطرقت هذه القناة إلى خبر عابر عن “إدعاءات” بإستشهاد 120 فلسطيني في دوّار النابلسي دفعهم الجوع وهم يهرعون للحصول على مواد إغاثة ، وجرح 720 آخر ! ، لكنها ركّزت على خبر طعن مستوطن صهيوني واحد  ! ، كانت ألمانيا تردد كالببغاء ما تناولته الأخبار الأمريكية بهذا الصدد ، وتقول (سنحقق في الأمر) ! ، طبعا أمريكا بعيدة عن الإحراج عن هكذا مجازر ، وهل تشعر العاهرة بالإحراج ؟ ، فكيف إن كانت عاهرة وخرفة بنفس الوقت ؟!.

ترى ماذا سيكون موقف الإعلام الغربي ، لو كانت تلك الأم الفلسطينية التي فقدت توأمها بسبب القصف الصهيوني بعد 10 سنوات من الحرمان من الإنجاب ، إن كانت أوكرانية مثلا ! ، هي لم تكن زرقاء العينين ، ولا نعلم لون شعرها لأنها محجّبة ، لهذا أخرجتْ من خانة البشر ! ، تلك القناة التي لم تكن حيادية ولو لمرة واحدة في تغطية الحرب الروسية الأوكرانية ، وتعتمد في تغطيتها لهذه الحرب على المواد الإعلامية الأوكرانية فقط .

لعنة الله عليكم ، وعلى معاييركم المزدوجة ، وعلى تنظيراتكم للمثلية ، ولمختلف السخافات ، وعلى لغطكم بمحارق النازية ، وقد شهد العالم عشرات جرائم الإبادة مما هو أسوأ من تلك المحارق لكن الكلام عنها محرّم ، فأولوية الحقوق المدنية للنساء أولا ، ثم الأطفال ، فالحيوانات، ثم الرجال ، فهم يأتون بعد الكلاب ، ومنظمات حقوق الحيوانات الجوالة تتحفظ على الكلاب التي بعهدة المشردين ، فتأخذ الكلاب لبيوت آمنة ، لتترك المشرد “الإنسان” يواجه مصيره في الشارع ! ، لن يهنأ للكيان الصهيوني بالٌ حتى يروا العالم غير اليهودي كله ، مشتعلا بهولوكوست واحد ! ، هؤلاء ربما لا يشعرون بمدى خطورة هذا الكيان –الوحش وهم “يغذونه” حتى التخمة ، خصوصا وأنه يضع البشر من غير اليهود في الدرك الأسفل من التصنيف البشري ومنهم مؤيديه .

هل يحسون بمدى مآسي النزوح اليومي للملايين إلى مناطق “آمنة” ، ليجدوا القتل بإنتظارهم ؟ ، هل يعلمون أن القناصة الصهاينة يقتلون حتى الخيول والحمير التي تجر عربات ما بقي من متاع النازحين المنكوبين ، ألا يرون تصرف المستوطنين وهم يضعون الأحجار في الطريق لإعاقة سيارات الإغاثة ، ويضربون السائقين ، ألا يحتجّ أحدهم بتسليح الكلاب المستوطنة العنصرية حدّ المرض بغير حساب ، ليعتدوا على المدنيين وقتلهم ؟ ، الجميع يسمع ويرى مشاهدا سوريالية موثقة بالصوت والصورة ، يتبرأ منها حتى الشيطان ، لكن بدلا من ذلك ، يُستَقبَل رئيس العصابة الصهيونية إستقبال الأبطال لأثناء زيارته لأمريكا ، المطلوب دوليا لمحكمة العدل كمجرم حرب ، وهم لا يكفون عن كيل التصفيق لهذا المجرم ، وكأنهم مجرد دمى معلقة بالخيوط ، أخيرا تعجبت من خبر من أن أمريكا سوف لن تزود الكيان الصهيوني بقنابل زنة 2000 رطل (حوالي 1 طن) ، لكنها ستزودهم بقنابل زنة 1000رطل !!! ، يا له من إستخفاف بالحياة وبالبشر وبالسلام ! .