18 ديسمبر، 2024 8:24 م

معاهدة 1930 قييدت استقلال العراق قبل دخوله عصبة الامم . واليكم الدليل

معاهدة 1930 قييدت استقلال العراق قبل دخوله عصبة الامم . واليكم الدليل

يروج البعض حاليا ان يوم استقلال العراق هو يوم الثالث من تشرين الأول عام 1932 ، وهو اليوم الذي ضمت فيه بريطانيا العراق ( الذي احتلته عام 1917) إلى عصبة الامم ، وان هذا الترويج تجسد في قرار مجلس الوزراء الموقر. الذي اعتبر فيه هذا اليوم هو يوم الاستقلال وجعله عطلة رسمية، واحال الموضوع الى قبة مجلسكم الموقر بقصد اصدار قانون فيه. واننا على يقين ان اعضاء البرلمان يعرفون جييدا تاريخ بلدهم ولا يمكن ان ينازعهم احد بذلك ، ولكن ولغرض تعريف الاجيال بحقائق التاريخ، خاصة تلك الاجيال التي تعاقبت وقد ابعدتها حكومات التزوير عن تاريخ بلدها الحقيقي، او تنبيه من نسي هذا التاريخ، نقول ان محاولة بريطانيا انذاك ويقصد تهدئة نفوس العراقيين التواقة الى التحرر من النفوذ الاجنبي (في ضؤ نتائج ثورة العشرين )دفعت بها الى اختراع مسألة إدخال العراق إلى عصبة الامم بدعوى استقلاله وانتهاء فترة الانتداب عليه وفق المادة 22 من عهد العصبة، غير ان بريطانيا مهدت السبيل لهذا الاستقلال المزييف بإلغاء معاهدة 1922، والمعدلة بموجب معاهدة 1926 وفق صك الانتداب وإحلال معاهدة 1930 بديلا عنها والتي تم بموجبها تقييد العراق بالكثير من الالتزامات المخلة بالسيادة، او التي تطعن في الاستقلال ، كما ورد في صدر المعاهدة ، بان تجري مشاورات كاملة وصريحة بين الحكومتين في جميع شؤون السياسة الخارجية. هذا وقد جاء في الملحق العسكري للمعاهدة بعد القيود السياسية الكبيرة ، ما يلي .
1…إقامة القوات البريطانية في منطقة الهنيدي (معسكر الرشيد ) وفي الموصل لمدة خمسة أعوام تبدأ من تاريخ تنفيذ المعاهدة .
2…حصول القوات البريطانية على إمتيازات في شؤون القضاء والعائدات الاميرية بما في ذلك الاعفاء من الضرائب.
3…التشديد على التسهيلات الممكنة لنقل القوات البريطانية وتدريبها .
4…أقامة حرس يقدمه العراق لحماية القواعد الجوية البريطانية .
5… توحيد الجيشين العراقي والبريطاني في السلاح والعتاد والتدريب واللباس.
6…تعليم الضباط العراقيين في بريطانيا وشراء العراق الأسلحة من بريطانيا .
7…حق القوات البريطانية في استعمال طرق العراق وسككه الحديدية وطرقه المائية وموانئة ومطاراته والسماح للسفن البريطانية في زيارة شط العرب .بشرط إعلام الحكومة العراقية بذلك. أما في الملحق المالي بالعاهدة فقد جاء في بعض فقراته التالي.
1…تلتزم الحكومة العراقية بشراء مخلفات الجيش البريطاني .
2…ان بريطانيا لا تدفع ايجارا عن المطارات التي تستخدمها في العراق متى كانت اميرية . ولعل المثير للاستغراب ما جاء في الملحق القضائي ، حيت ألزمت المعاهدة العراق باستقدام عدد من الخبراء القانونيين البريطانيين لمدة عشر سنوات يخولون سلطات قضائية ، ولهؤلاء الخبراء صلاحية رئاسة المحكمة التي يكون فيها أحد الفريقين (يقصد الطرفين المتخاصمين ) من الرعايا البريطانيين او رعايا دولة اجنبية غرببة.
ان المعاهدة أملت وجودا عسكريا بريطانيا فعالا مكنها أثناء الحرب العالمية الثانية من استقدام الجيوش البريطانية والهندية وجيوس الدول التابعة للتاج البريطاني ، وكانت قواعدها في الشعيبة والموصل والحبانية وسن الذبان ومعسكراتها في بغداد وقاعدة H3 ، وغيرها من القواعد مجالا رحبا لعملياتها العسكرية ضد دول المحور انذاك ، ومن هذه القواعد تم تحريك القوات البريطانية لضرب الجيش العراقي المتمرد ضد الوجود البريطاني ابان انتفاضة مايس عام 1941 بقيادة العقداء العراقيين الأربعة ، وكانت هي وراء دفع الوصي عبد الإله لاعدامهم . لقد كان الوجود العسكري البريطاني وراء تقييد استقلال العراق وتهديدا لقطعات جيشه وتقزيما للدور الوطني لهذا الجيش في حماية سيادة الوطن . وفي المجال السياسي كان العراق منحازا للغرب وعنصرا تخريبيا في المنطقة ، وكان معاديا للدول العربية ومتأمرا عليها ، وآخرها التهديدات العراقية لسوريا قبيل ثورة 14 تموز .
ان القول باستقلال العراق منذ اللحظة التي أصبح فيها عضوا في عصبة الامم ، (وهذا ما روجت له بريطانيا انذاك) انما اريد به التغطية على بنود معاهدة الاذعان التي تم تقييد العراق بها كما بينا ، وبها أضافت بريطانيا صوتا تابعا لها في تلك المنظمة الدولية انذاك ، وعلى سبيل المثال كان العراق مقيدا حتى في عدم الانفتاح على مصر بعد ثورة 23 يوليو ، او حتى قبول البعثات الدبلوماسية للاتحاد السوفيتي او منظومة الدول الاشتراكية والصين الشعبية، آنذاك . ولقد تمكنت بريطانيا اقتصاديا من العراق ، وذلك باستحواذها بالكامل على استخراج وتسويق النفط من خلال شركاتها النفطية وعلى رأس تلك الشركات I.P.C شركة نفط العراق . والحقت ديناره بالباوند الاسترليني ، ولم تترك مجالا حيويا عراقيا والا وادخلت نفسها فيه .
ان الكلام عن استقلال العراق ابان الحكم الملكي يعد تمردا رخيصا على التاريخ يراد من ورائه التمويه وتغيير بوصلة الأحداث أمام الاجيال وأبعادها عن الحقائق خاصة وان ما جري الآن في العراق مع الاحتلال الامريكي يكاد يكون في خانة واحدة مع الفارق ان الوجود البريطاني كان وجودا استعماريا والوجود الامريكي اليوم وجودا امبرياليا يمهد الطريق للعولمة المهيمنة على مقدرات الشعوب ومستقبلها ، فعن اي استقلال يروج البعض وعن اي سيادة في ظل القيود الاستعمارية انذاك يتكلمون ، اننا لا نبالغ ولا نغالي سييدي رئيس المجلس حين نقول ، ان العراق لم يعرف السيادة والاستقلال الا في ظل ثورة 14 تموز ، التي اغتالها الغرب في شباط عام 1963 وفي القطار الامريكي، كما يعرف كل العراقيين ، وعندها تأكد العراقيون نزاهة الحدث التي صنع لهم الاستقلال ومكنهم من السيادة على بلدهم وثرواتهم ، ونود التأكيد ان بعض أخطاء تلك المرحلة لا يمكن ان تكون سببا لإلغاء حقائق التاريخ. او مضامين أيامه الخالدة ،
ان مجلس النواب مطالب اليوم بأن يقول كلمته بما هو حق للاغلبية الساحقة من العراقيين ، وان يكون ممثلهم الحقيقي في اختيار يومهم الوطني الذي كان ولا يزال محل الاعتزاز والتقدير، وان يبعد كل يوم كانت ولا زالت تحوم حوله الشبهات … مع فائق الاحترام والتقدير ..