التحدي الأكبر الذي يواجه هذه القمة يتمثل في قدرتها على تجاوز نمطية القمم السابقة، والخروج من دائرة ” كرنفالات الدبلوماسية الاحتفالية” إلى فضاء “الدبلوماسية العقابية الفاعلة”. فالشعوب العربية والإسلامية سئمت ولم تعد تقنع ببيانات الشجب والاستنكار المستنسخة والمعدة مسبقاً، ولا الإدانات التي تتحول إلى حبر على ورق . الانتظار الآن هو لرؤية إستراتيجية عربية إسلامية موحدة تقوم على الاقل يتمثل : ” تحويل التضامن العربي من الشعار إلى الفعل , وضع آليات ردع حقيقية لحماية السيادة العربية , إعادة تعريف وتحويل التحالفات الإقليمية والدولية , بناء نظام أمني عربي إسلامي بديل قادر على مواجهة التحديات المصيرية “
ساعة الصفر في الدوحة يجب ان لا تتحول الى “العد التنازلي” بل يجب أن تكون “العد العكسي لساعة الصفر بدأ.. والقادة العرب أمام اختبار مصيري”. ولانها سوف لن تحدد فقط مصير القضية الفلسطينية، بل ستشكل نقطة تحول تاريخية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي برمته. ويجب أن تخرج القمة الدوحة بقرارات تاريخية مؤثرة وفعالة وعقابية تليق بكرامة الأمة العربية والاسلامية ، أو ستكون شهادة وفاة جديدة لمشروع الوحدة العربية الإسلامية. بينما لا تزال رائحة الدخان والدمار تُنذر في سماء الدوحة، يتجه المسؤولين العرب والمسلمين إلى العاصمة الدوحة، ونتمنى أن لا نراهم ولا حتى يصلنا الإحساس بأنه كمجتمعين لصنع قرار تاريخي، بل كـ”معزّين” في مأتمٍ جديدٍ للكرامة العربية. الشعب العربي الذي يتطلع إلى قممهم، لا يريد بروتوكولات عزاءٍ أو خطاباتٍ مُحنطة، بل ينتظر ثأراً لسيادة انتهكت، وكبرياءٍ دُست بالأقدام. القمة ليست اختباراً للدبلوماسية، بل هي محكٌّ حقيقيٌّ لإرادة الأمة: إما أن تَخرج بقراراتٍ تُعيد حساب إسرائيل وحلفائها، أو تُعلنَ رسمياً أن العصر العربي قد انتهى، وحلَّ محلَّه عصرُ التبعيةِ والإذلال والخنوع .
كرة النار في أحضان القادة فالجميع ينتظر ماذا سيفعلون؟ وبما الخيارات واضحةٌ وقاسية وقد يكون احلاهما مر فالخيار الأول: الاستمرار في سياسة “الخنوع والخضوع والإذلال المُزيّن” وذلك عبر إصدار بيانٍ “شجاع” يُدين العدوان، ثم يُطالب المجتمع الدولي بالتحرك! هذه هي الصيغة المفضلة للهروب من المواجهة، وهي تعني عملياً أن إسرائيل مُحقّة، وأن دور العرب يقتصر على البكاء على الأطلال. اما الخيار الثاني: الانتقال من الشجب والاستنكار إلى الفعل المؤثر والفاعل وذلك عبر اتخاذ قراراتٍ عمليةٍ تُغير المعادلة، مثل: قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل فوراً، وسحب السفراء، وإغلاق السفارات. مقاطعة اقتصادية شاملة لكل الشركات الإسرائيلية والدول الداعمة لها. إغلاق الأجواء العربية تماماً أمام أي طائرةٍ إسرائيلية أو تابعة للدول الداعمة للاحتلال. إنشاء صندوق دعمٍ عربيٍّ لإعادة إعمار ما دمرته إسرائيل وتعزيز قدرات الدفاع الجوي لدول المواجهة.
فهل هل يمتلك القادة العرب مثل تلك الشجاعة لاتخاذ هذا القرار الجريء ؟ لان التاريخ يشهد أن القادة العرب بارعون في تفويت الفرص. فعدوان إسرائيل على قطر هو اختراقٌ لكل الخطوط الحمراء، حتى تلك التي كانت تُعتبر “محمية” بالعلاقات مع امريكا وباقي الدول الغربية . إذا لم يُفعّلوا الآن بنود الدفاع المشترك ويُحركوا جيوشهم الدبلوماسية والاقتصادية، فذلك يعني أن “العرب كُتلةٌ هلاميةٌ” لا تستحقُّ حتى ادنى درجات الاحترام. صحيح وهذا ليس بسر نكشف ولكن من قراءتنا للواقع العربي يتلخص بالمُعضلة الحقيقية :” هي أن بعض القادة العرب يرون في إسرائيل حليفاً ضمنياً ضدّ أعداء آخرين، أو أنهم رهائنُ لضغوطٍ أمريكيةٍ تمنعهم من التحرك. هنا يجب أن يُقال: الخوف من أمريكا أكبر من الكرامة والعزة العربية ” ؟!.
أن الرسالة التي يجب أن تخرج من قمة الدوحة واضحة وصريحة ولا لبس فيها او تهاون او حتى مجرد تأويل بسيط ويجب أن تكون قمة الدوحة رسالةً واضحةً إلى إسرائيل وحلفائها:
* أن الأمة العربية والاسلامية لم تعد مقسمةً كما كانت، وأن عدواناً على واحدةٍ هو عدوانٌ على الجميع.
* ان الدعم الغربي لإسرائيل له ثمنٌ باهظ ، وسيُدفع من مصالح الغرب في العالم العربي والإسلامي.
* أن عصر الصمت والخنوع قد انتهى الى غير رجعة ، وأن الشعب العربي لم يعد يقبلُ بأن يكونَ طرفاً ثانوياً في معادلة الإهانة والاذلال لكرامته المستمرة منذ عقود طويلة .
1/القنوات السرية والضغوط غير المباشرة:
من المتوقع لنا أن تشهد الأيام المقبلة اتصالات مكثفة بين الدبلوماسيين الأمريكيين والإسرائيليين من جهة ونظرائهم العرب من جهة أخرى، بهدف تخفيف حدة القرارات الصادرة عن القمة. وقد تتضمن هذه الاتصالات وعوداً بضغوط على إسرائيل أو تهديدات بعقوبات اقتصادية وسياسية إذا تجاوزت القمة خطاب “الشجب والإدانة”.
تمتلك الولايات المتحدة أوراق ضغط متنوعة يمكن استخدامها لردع أي تحرك عربي جاد، منها:
*/لعقوبات الاقتصادية والتي قد تستهدف قطاعات حيوية في الدول العربية والاسلامية.
*/ الضغوط السياسية وذلك من خلال وعبر منظمات دولية وحقوقية وانسانية تُهيمن عليها واشنطن.
*/ التهديد والوعيد بتحريك ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية عبر شبكتها المؤثرة في الإعلام والمجتمع المدني المحلي لغرض هز سمعة واستقرار بعض الأنظمة العربية.
تُظهر التجارب في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا أن الولايات المتحدة وإسرائيل تمتلكان قدرات مؤثرة لاختراق المشهد الداخلي للدول العربية عبر:
*/ شبكات من الناشطين والمرتبطين بجهات أجنبية وتحت ستار وشعارات حقوق الإنسان والتغيير الديمقراطي.
*/ استغلال الانقسامات الداخلية والصراعات الإقليمية لإفشال أي موقف عربي موحد.
أن القمة العربية الإسلامية المرتقبة بعد ساعات قليلة , ليست مجرد تجمع دبلوماسي عادي لتبادل التعازي بالحدث الجلل ، بل هي معركة إرادات بين مشروعين: مشروع التحرر والاستقلال الوطني، ومشروع الهيمنة الخارجية. القرارات التي ستخرج بها القمة ستحدد ليس فقط مصير القضية الفلسطينية، بل أيضاً مستقبل النظام الإقليمي العربي بأسره. التحدي الأكبر هو تجاوز منطق التبعية والارتقاء إلى مستوى المسؤولية التاريخية. وإذا خرجت قمة الدوحة بغير قراراتٍ عمليةٍ، فليعلمْ قادتُنا أنهم يوقّعون على شهادة وفاةِ مشروعهم السياسي أمام شعوبهم. وأنهم كانوا راضين كل الرضى على “الصفعة الموجعة” التي وجهتها إسرائيل اليهم بعد ظهر يوم الثلاثاء 9 أيلول ولن يغفرَ العربُ لهم أن يكونوا مجردَ “مشيعين” للكرامة بدلاً من أن يكونوا “أبطالاً” لها.
اليوم، إما أن تتحول “الدوحة” إلى منصة انطلاقٍ لاسترداد الكرامة والكبرياء، أو إلى مقبرةٍ جديدةٍ تُدفن فيها آخرُ بقايا العزة والكرامة العربية. لأن هذه القمة يجب أن لا تكون مجرد استعراضاً دبلوماسياً، بل هي معركة كرامة. إما أن تخرج القمة بقرارات تاريخية تضع حداً للغطرسة ولعنجهية الإسرائيلية، وإما أن تتحول إلى شهادة وفاة جديدة للكرامة العربية. الشعب العربي لم يعد يقبل بالخطابات الجوفاء. لقد حان وقت الفعل، فإما الكرامة وإما الانهيار.المشكلة ليست في الأدوات، بل في الإرادة . بعض الأنظمة العربية ترى في إسرائيل حليفاً استراتيجياً ضد أعداء مفترضين. والبعض الآخر يرتهن لقرار واشنطن. لكن العدوان على الدوحة أثبت أن إسرائيل لا تحترم حليفاً ولا عدواً.
صحيح تشكل إسرائيل اليوم حقيقة قائمة يعترف بها معظم العالم، مدعومةً بتحالف استراتيجي مع القوى الغربية ويمثل أحد ثوابت السياسة الدولية. لكن الاعتراف بالواقع والغطرسة والعنجهية التي تتبناها هذا الكيان المارق لا يعني قبوله أخلاقياً أو سياسياً . هنا يبرز السؤال الجوهري : ” كيف يمكن للدول العربية أن تتعامل مع هذا الواقع دون التخلي عن مبادئها؟ وهل يعني تبني خيار السياسة والتفاوض تنازلاً عن الحقوق أم إدارة للصراع بوسائل أخرى؟ ” هذا ما سوف يجيب عليه البيان الختامي لقمة الدوحة والقرارات التي سوف تخرج عنها ونتمنى ان تكون عند حسن ظن الشعوب العربية وأن لا تكون مجرد استعراض فلكلوري وبينما ما تزال تسمع صدى وتدَوّي صفعاتُ الموجعة المتكررة الاحتلال على وجهِ كلِّ عربيٍّ في فلسطينَ ، وتُنتهكُ سيادةُ الدوحةِ في وضحِ النهار، لا نريد منهم أن يتسابقُ قادتُنا إلى مؤتمرِ قمةٍ قد تُدَوَّنُ بعد انتهائها في سجلاتِ التاريخِ كأعظمِ مهزلةٍ سياسيةٍ عرفتها أمتنا. إنها ليست قمةً للعمل، بل هي “مأتمٌ” يُقيمونه لدفنِ ما تبقى من كرامةٍ عربيةٍ تحتَ ركامِ الخنوعِ والتبعية والإذلال. شعوبُنا لم تعدْ تخدعُها خطاباتُ النفاقِ والدبلوماسيةِ المزيفة؛ فهي تعلمُ أن من يجتمعون اليوم هم أنفسُهم مَنْ سمحوا لإسرائيل أن تُصبحَ وحشاً طليقَ اليدينِ يُرَوِّعُ المنطقةَ من المحيطِ إلى الخليج. إذا كان لا بدَّ من قراءةِ سورة الفاتحة، فلتُقرأْ على جثةِ العروبةِ التي قتلوها بأيديهم قبلَ أن تقتلها إسرائيلُ بصواريخها!
الاعتراف بواقع القوة الإسرائيلية لا يعني التخلي عن الشرعية التاريخية للقضية الفلسطينية. التاريخ يعلمنا أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن موازين القوى تتغير. المطلوب اليوم هو إستراتيجية عربية ذكية تجمع بين الواقعية والثبات على المبادئ، وتتحول من رد الفعل إلى الفعل، ومن الشعارات إلى الخطط العملية. فقط عبر الوحدة والحكمة يمكن أن تتحول الهزيمة إلى نصر، والواقع المر إلى مستقبل مشرق.
الخيارُ الآن واضح وصريح لا لبس فيه وليس هناك ثالث لهما ؟ وبين أن تُقرأ سورة “الفاتحة” على دفن جبانة وخضوع وخنوع السياسة العربية , في قبر سحيق لا يستطيع أقوى عفاريت البوارج والاسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية الوصول اليه واخراجه من جديد ، أو أن تُرفع راية الاستلام والتسليم والخنوع والخضوع .
ليختاروا القادة العرب بين هذين الخيارين .. فالشعبُ يراقبُ، والتاريخُ سيسجّل.