على المسؤولين اللبنانيين أن يعوا خطورة اعتماد قانون انتخابي يزيد الطائفية والانقسام في البلد وسط حرائق المنطقة التي تحيط به. فالعراق ممزق داخلياً و «الحرس الثوري» الإيراني يهيمن عليه. وسورية دمرها بشار الأسد وحليفاه الإيراني والروسي. وحتى لو بقي الأسد على رأس فتافيت من البلد فلن تتعافى سورية تحت مظلة الجيوش الغريبة، الروسي و «الحرس الثوري» و «حزب الله». ولن يتمكن ملايين النازحين واللاجئين السوريين من العودة إلى بلدهم. ويبقى موضوع اللاجئين إلى لبنان قنبلة موقوتة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي تهدد البلد. فإذا لم يحم لبنان نفسه بتحصين جبهته الداخلية عبر توحيد الصف بين الطوائف والابتعاد من هذه الطائفية السامّة لا يمكنه أن يصمد وسط هذه الأخطار، خصوصاً أن إسرائيل تعد إدارة الرئيس دونالد ترامب بأنها ستتولى إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة وتسعى إلى تدمير لبنان مجدداً بحجة ضرب «حزب الله».
ويكشف أكثر من مسؤول أميركي على علم بما يحصل في الكونغرس أن هناك سلسلة من العقوبات الصارمة على «حزب الله» وعلى القطاع المصرفي في لبنان. وهذه كارثة لأنه على رغم وجود حاكم بارع للبنك المركزي مثل رياض سلامة، وعلى رغم حرصه الدائم على حماية هذا القطاع الحيوي والأساسي الناجح في البلد، من الصعب أن يتصدى لكونغرس أميركي عازم على معاقبة إيران وحلفائها في لبنان إذا لم يساعده الوضع الداخلي على ذلك.
ان الوضع بالغ الدقة إقليمياً ودولياً. فرنسا تنتخب رئيساً جديداً في غضون ٢٠ يوماً وليس هناك أي بلد أوروبي يمكنه حماية لبنان. والمطلوب مزيد من الجهود على صعيد القيادات اللبنانية للقيام أولاً بتوحيد الصف والابتعاد من الطائفية الكارثية، وثانياً اعتماد سياسة علاقات عامة مع شخصيات أميركية لمنع فرض العقوبات على القطاع المصرفي اللبناني. فإذا حصل ذلك سيعني انهيار البلد. وعلى من يخطط لقانون انتخابي يقسم البلد ولا يجمعه ويوحده ويزيده طائفية أن يكرس جهوده الآن لإقناع الجهات الأميركية أن لبنان ليس مستسلماً لإرادة «الحرس الثوري» الإيراني ونفوذه، وإلا فالبلد أمام خطر العقوبات وخطر شن الضربات والانهيار الاقتصادي والمالي. ولبنان في هذه المحنة الإقليمية وحيد دولياً. وتفاقم الانقسام الطائفي فيه وغضب الشعب من الطبقة السياسية والفساد المنتشر والفقر والبطالة، كلها عوامل تزيده هشاشة أمام الأوضاع الإقليمية الكارثية.
فعلى رغم الصورة القاتمة للاوضاع الراهنة في المنطقة، يبقى لبنان رغم كل هذه المخاطر ينعم بميزات ينبغي تعزيزها بدل هدرها، ومنها انفتاح المجتمع المدني اللبناني ونجاح عناصر منه في قطاعات عديدة ثقافية واجتماعية ومواهب اللبنانيين الخلاقة التي تسهم في رغبة الخارج في زيارة لبنان وقضاء أيام ممتعة فيه. فما زال يتمتع بمناظر خلابة على رغم بيئة متدهورة ليس هناك مسوؤل يهتم بها، بل تتحول إلى كوارث عدة في البحر وعلى الأرض.
إن مصير لبنان على المحك، ولا يجوز أن يترك ليغرق في حرائق محيطه. والانتخابات التشريعية فيه ينبغي أن تكون في سبيل التغيير نحو الأفضل وليس لتكريس طائفية كريهة قسمت البلد ومنعته من النهوض. وعلى الشعب اللبناني أن يعي مسؤولية اختيار طبقة سياسية يمكنه أن يحاسبها، لا أن ينتخب كما كل مرة على أساس الزعامات والانتماءات الطائفية. فقد حان الوقت ليكون صوت اللبنانيين في الانتخاب للمحاسبة، مثلما يحصل في الديموقراطيات الحقيقية فمصير بلدهم في أيديهم يوم الانتخاب. ولكن إذا كان قانون الانتخاب ليقسمهم ويبعدهم من بعضهم فسيكون ذلك معاناة إضافية لشعب تحمل الكثير. فالمطلوب إنقاذ لبنان من معاناة إضافية.
نقلا عن الحياة