تعتبر ورش تصليح المكائن ومحركات السيارات من القطاعات المهمة التي تساهم في تعزيز القطاع الصناعي العام والخاص وتوفير فرص لتشغيل العاطلين عن العمل ولفئات مختلفة من المجتمع منهم المتعلمين واصحاب الشهادات وايضا من غير المتعلمين، نظرا لطبيعة العمل في تلك الورش والتي تتطلب خبرة عملية وأكاديمية تأخذ على عاتقها مهمة صيانة وتصليح المكائن والالات الصناعية وكذلك تصليح محركات السيارات، وكان لتلك الورش دور كبير في فترة التسعينيات من القرن الماضي نتيجة الحصار الاقتصادي المفروض في تلك الفترة، حيث انتعشت تلك الصناعات من خراطة وفريز وخاصة في منطقة الشيخ عمر الصناعية، لحاجة القطاع الصناعي العام والخاص وكذلك التصنيع العسكري للعمل في ظروف استثنائية فرضها هذا الحصار.
ولكن بعد عام (2003) وماجرى من عملية تدمير منظمة لصناعتنا الوطنية، اخذ هذا القطاع بالتدهور نتيجة لتوقف اغلب المعامل والمصانع في البلاد، وبدأت معاناة عدد غير قليل من الفنيين والعمال والمهندسين، نتيجة لتسريحهم من هذه المعامل والورش. مما جعلهم عاطلين عن العمل يبحثون عن فرص لتشغيلهم. وللوقوف على معاناة هذه الشريحة كان لنا لقاء بعدد من العاملين واصحاب الورش.
ابو علي في العقد السادس من عمره يجلس في ورشته التي توقفت اغلب مكائنها عن العمل يقول “انظر الى تلك المكائن التورنة ومكائن الخراطة كانت في فترة سابقة تعمل (24) ساعة وبلا توقف وبشفتين عمل صباحي ومسائي وكان عدد العاملين اكثر من خمسة عشر عامل في كل شفت، منهم المهندس والفني والحرفي اذ كانت شركات القطاع العام والخاص ترفدنا بنماذج قطع غيار تخص مكائنها ومنتوجها لغرض تصنيعها وخاصة التصنيع العسكري، وذلك بسبب قلة اسعارنا والحصار المفروض على البلد من دخول الادوات الاحتياطية وقطع الغيار بكل اشكالها، وكانت صناعتنا بدقة وجودة عالية، ولكن للاسف بعد عام (2003) وما حدث نتيجة الاحتلال توقفت معاملنا، ولعدم وجود رؤية سياسية واقتصادية صحيحة للنهوض بالقطاع الصناعي المعطل، والان هناك عاملين فقط يعملون هنا.
الاسطة جميل لفته صاحب محل لتصليح السيارات قال “اغلب الاسطوات اغلقوا محلاتهم وورشهم بعد عام (2003) بسبب دخول السيارات الحديثة ذات المحركات المعقدة، اذ ان اغلب العاملين في تلك الورش لا يستطيعون تصليحها، وان اغلب
الفنيين في هذه المحلات كانوا يعملون على الموديلات القديمة والتي هي سهلة التصليح، وقد كان يعمل في هذه الورشة خمسة عمال ولكن لقلة العمل تم الاستغناء عن جهود هؤلاء العمال وتم تسريحهم من العمل، وانا الان ادير الورشة مع عامل واحد ولولا سفري الى الاردن والعمل في ورش تصليح السيارات الحديثة في فترة الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي، لما استطعت ان استمر في هذا العمل.
اما ابو حيدر صاحب ورشة لتصليح السيارات الحديثة في منطقة البلديات اشار “من اسباب قلة العمل وتصليح السيارات في ورشنا الصغيرة هو بسبب دخول شركات صيانة لشركات العالمية للسيارات مثل شركة كيا وشركة هونداي وغيرها من الشركات، والتي تقوم باعمال الصيانة ما بعد البيع علما ان هذه الشركات تتقاضى مبالغ ليست قليلة عند صيانة تلك السيارات وايضا المواعيد الطويلة التي ينتظرها المواطن عند الصيانة.
اما العامل احمد يقول “ان اجورنا قليلة في محلات التصليح التي نعمل بها بسبب قلة العمل، وفي بعض الاحيان لجشع الاسطوات من اصحاب الورش، ونعتمد على الاكرامية التي تمنح لنا من قبل الزبون، وايضا من الملاحظ ان اغلب تلك المحلات تقوم بتشغيل الاطفال لقلة اجورهم ولساعات عمل طويلة مستغلين هؤلاء الاطفال لترك دراستهم وعوز وفقر عوائلهم التي تدفع بهم الى مجال العمل.
ويناشد اصحاب الورش ومعامل التورنة الحكومة بدعم وتأهيل القطاع الصناعي العام والخاص لانه يسهم في حركة العمل في ورشهم وكذلك دعمهم لتجديد مكائنهم وجعلها تواكب التطور للصناعات العالمية ، وايضا فتح دورات او ارسال عدد من العاملين في هذا القطاع الى الخارج لتطوير قدراتهم وتعريفهم على اخر ما توصلت اليه التكنولوجيا الحديثة في العمل على تصليح المكائن والسيارات الحديثة. وايضا اعطاع دور كبير للاتحاد العام لنقابات عمال العراق لانه الممثل الشرعي للدفاع عن حقوق العمال، وكذلك منع استغلال وتشغيل الاطفال.