9 فبراير، 2025 2:45 ص

مقدمات التخلف

الأمم تنهار عندما ينهار ما تقوم عليه فتعود لاحتلال مكان يتناسب مع وضعها الجديد، لان انهيار ما تقوم عليه كالشيوعية في الاتحاد السوفيتي وتحييد الإسلام وتشويهه في بلاد المسلمين، وربما النظام الرأسمالي في وقت ليس بالبعيد يجعل الدول المسماة باسمه تعوّم فتأخذ مكانها بقيمتها الحقيقية، لذا وجدنا روسيا تأخذ دورا وظيفيا لضمان الأسلحة النووية آمنة؛ وان كان بوتن يريد أن يراوغ لعله يخرج من هذا الدور إلى حلم الاتحاد السوفيتي كعظمة ولكن فشل الشيوعية يجعله يتمسك بالنموذج القيصري الذي لم يك يملك مقومات المتانة الكافية وما ساعده على الاستمرار هو سعة المساحة فكانت تحتمل الإخفاقات الموضعية كمشاكسة القوزاقوكانوا من المغول في أوكرانيا ويفشل غزاتها بسياسة الأرض المحروقة.

الحكم الإسلامي مر بمراحل متعددة ووفق زمنها كانت تتطور، فالشورى استمرت في عهد الراشدين، لتتحول إلى ملكية باسم الخلافة، لكن محاولة تبرير الحكم الملكي كانت مؤذية للشريعة لانها جعلت الفقهاء يقرون وينظرون لحكم التغلب في سبيل المحافظة على الحكم داخل قريش ثم انفلت الأمر ليتحول بضرورة استحصال البيعة للمتغلب فالبيعة الضمني والواقع هذا مستمر في عصرنا لذي الشوكة والمتغلب فكان متاحا للمغامرين من العسكر أو من له شوكة وقدرة على التغلب.

دخول الفلسفات الشرقية واليونانية أوجد اضطرابا في الفهم والتفسير، غالبا هذا يحصل عندما يحاول المفكرون الإجابة عن أسئلة ليس متاحا علمها عندهم، أو أنها أصلا مجابة لكن حصل فيها التباس مثل معنى الروح والقلب والفؤاد، أو محاولة رأب الفجوة بين العقل البشري المحدود في الزمكان من خلال ما ظن أنها إجابات فلسفية كنظرية الفيض وهي نظرية وثنية ونوع من الخزعبلات كما قيل إن الأرض مسطحة وأنها مركز الكون ونحن نرى اليوم أنها نقطة لا تكاد ترى في سعة السماء الأولى وليس الكون كله.

معالم التخلف:

اختلاف هواة المعرفة وتقليعة الفكر الفلسفي ورغبة الإضافة والإبداع وبعقلية المعلم الذي يعرف الحقيقة كانت أفكار بسيطة تحول الناس إلى فرق متناحرة والأدهى هو التكفير وكان اجتهاداتهم هي اجتهادات إلهية وعلى مسألة لا تخصهم أصلا كموقع الإنسان من الجنة والنار يصبحون فرقا، أو أن الإنسان مخير أم مسير وهو سؤال وهمي خرافي لا وجود له وإنما أتى مع مفرزات الفلسفات التي انتقلت كمعارف، بينما هذا الأمر ليس سؤالا في الإسلام بحكم توضيح الإسلام للماهيات في الخلق.

منظومة تنمية التخلف:

هذه المنظومة انتقلت إلى التفسير ورغم أننا نسمع عبارات من تمنطق أو تفلسف تزندق إلا هذه الناس تعرف القلب بغير التعريف القرآني وتعرف العقل كاسم وليس فعلا كما وردت في القرآن وهكذا بقية المصطلحات الفلسفية، والتيه مستمر بالتطور والتأقلم ليزداد التخلف بعمل منظومة.

ما جرى في نهاية العهد الأموي والعصر الأول العباسي مهد بشدة إلى منظومة تنمية التخلف الفكري فشكل الجهاز المعرفي الحاد والعادات والتقاليد والسلوكيات والانفصال عن الواقع والانفصال عن الدولة وتشوه المعاني وسيادة الظلم والاستبداد وهو أكثرها خطورة وتأسيس للتشوه في القيمة البشرية ومعاني العدل والإحساس بالمسؤولية العامة، فالأمة ليست إلا ناس تحكم وتزود السلاطين بالضرائب وليست ذات أهلية ليؤخذ رأيها وان الحاكم هو من يعرف أين المصلحة، ومن مسيرة الخلاف الذي بدأت عنده الأمة تشظى في صفين والطف، إلى مسيرة المحافظة على القرشية إلى ضرورة طاعة السلطان الظالم نزلت الاحاديث الموضوعة والروايات والعبر التي تدعو للاستلام والاستكانة وتغير معنى الصبر إلى الاستسلام الاستكانة إلى أن وصلنا اليوم إلى أمة غثاء كقطيع من الإيل تفترس صغيرتها ويقف القطيع يراقب سنورا يأكل احدها بكل بلادة منتظرا دوره، بل تطور الأمر إلى هجاء المظلوم والتشفي به، أو المشاركة في إسقاطه ليكون فريسة سهلة ووصلنا اليوم إلى المشاركة في تمزيقه ليسهل مضغه وتجويع دول ومقاطعات في قرار اجنبي ننفذه بكل عناية ودقة، وان وجد الرسول وقومه من يمزق وثيقة المقاطعة من قريش فلا احد اليوم يتحرك وإنما نرى أمورا تثير العجب من التشوه الفكري ومن أناس يعدون دعاة للإسلام، وهذا كله في منظومة تنمية التخلف من جراء الجهاز المعرفي الذي يزداد تشوهه بإعادة التغذية للتخلف لمنظومة الحياة العامة ليصبح الحق باطلا والباطل حق والمنكر معرفا والمعروف منكر والناس عدوة لأملها.

ضرورة ملحة

من الضرورة بمكان إحداث اليقظة وان تتجه الدول للنهضة بتغيير الجهاز المعرفي للناس والعامة وان يرفع عنهم ما هم فيه اليوم وتنقية الفكر من عوالق التاريخ البشرية الطائفية مثلا استحضار عوامل الاختلاف وإهمال العبرة بتقديس الرموز التي استبدلت الآلهة بها، اليوم الكل يتكلم الكل يريد أن يثبت انه صواب لا مجال للتفكير والمراجعة لهذا نحن أمة غثاء والغثاء هو النفاياتالتي تحملها السيول فما عندنا نفايات كل شيئ، من الدين نأخذ أعقد الأمور مما ابدع في تعقيده مجتهدو  العصور لغير عصرنا ولا يتناسب مع أدائنا والعالم من حولنا فأضحى كلاما للمجالس لانه لا يطبق ولا واقع له ولا من يعلمه يربطه بسلوكه فترى ناصحا ينصحك وهو يتصرف التصرف المشين فضاعت القدوة والكلمات.والنخبة تأخذ من العلم المظهر وإبراز المعرفة والغلبة وهي ليست معنية بدقة أو فهم، إلا الانتصار بالجدل والكلام بلا هدف؛ كذلك نأخذ من التاريخ الاختلافات كما نلاحظ الانقسامات التي تحولت من السياسة لتؤصل في الشريعة وتشظيها طوائف متناحرة وكأنها أديان متعددة لاهي تتعامل مع بعضها كما يتعامل المسلمون مع أهلالذمة بالحفظ ولا هم يتجاوزن الخلافات ويجردوها من الشرع لتكون أحزابا سياسية تتطور مع الزمن.

خلاصة القول، لابد أن نفرق ما بين هو نص وبين الاجتهاد البشري وإصلاح الجهاز المعرفي لقيادة الواقع والارتقاء به …….. إن حال الأمة محزن والكل مسؤول في استعادة ذاته لانه مهم في الحياة مهما كان علمه أو حرفته.

                                                                   

أحدث المقالات

أحدث المقالات