18 ديسمبر، 2024 10:49 م

معالم الانتحار السياسي في العراق

معالم الانتحار السياسي في العراق

في البداية لنسأل انفسنا ..ما هو الانتحار السياسي ؟
ان الانتحارهو قتل النفس عن عمد ..والانتحار السياسي هو قيام السياسي بارتكاب أخطاء سياسية قاتلة تنهي وجوده ودوره السياسي في المجتمع وبقرارات يتخذها هو او تفرض عليه كما يحدث اليوم بالعراق …وهنا تبرز حالتان لتنفيذ عملية الانتحار …اما اختيارية يقدم عليها السياسي بقرار ذاتي …و يعترف للشعب باخطاءه ويقدم على الاستقالة من كافة مناصبه السياسية ويترك السياسة وأهلها محترما نفسه ومبادئه …ويجلس في بيته متفرغا لتربية الحيوانات الاليفة ..

اما عملية الانتحار السياسي من النوع الثاني …فهو قرار يتخذه الشعب او خصومه السياسيين ..وذلك بالانقلاب عليه والتخلي عنه وطرده من مناصبه بالقوة والاكراه ..فيترك منصبه ملوما مكسورا ومحسورا وربما مقتولا ..والامثلة كثيرة في تاريخ العراق والعرب والعالم الحر والثالث ..وهذا النوع هوالشائع في وطننا العربي .. لان ماكو سياسي يعتزل بارادته الا بالاكراه ..

وكما يعلم الجميع ..السياسة فن ..وليس كل من تعاطى العمل في السياسة هو سياسي ناجح وخبير ..فنسبه عالية جدا من السياسيين يتوهمون ولأسباب نفسية خاصة بهم ..انهم سياسيون ولايضاهون او يلقون في عبقريتهم السياسية ويتمسكون بمناصبهم حتى الموت وهم لا يدركون انهم ساسة فاشلون وهؤلاء يمكن وصفهم ( بالمرضى والانانية وحب الذات فتأخذهم العزة بالنفس وبالكرسي) ..هذه الظاهرة النفسية تنعكس سلبا على الشعب كما حدث مثلا للشعب العراقي طيلة العقود الماضية ..ما استلم الحكم سياسي الا وامسك به بيديه واسنانه وحتى ولومات الشعب جوعا ..كما يحدث اليوم..

الدول الفاعلة في العراق والأحزاب المشاركة بالعملية السياسية توافقت واتفقت على اختيار العبادي كرئيس وزراء منقذ ومصلح لأخطاء رفيقه في الحزب ولاسيما ويتميز هو بحمل الجنسية البريطانية وحاصل على شهادة الدكتوراه في الاتصالات وليس بالسياسة ..

وأثبت الرجل انه في الممارسة الفعلية للمنصب فشل او أفشل فشلا ذريعا من قبل أصحابه قبل اعداءه ..فالرجل لا يمتلك مواصفات تؤهله لقيادة شعب كشعب العراق متمرد متعنت لايحلل ولايحرم ولايخافون الله  ( الا ما ندر وهم قلة قليلة من العراقيين الاصلاء ) ولايرضى على أي حاكم يبقى في الحكم طويلا فكيف بحاكم مثل العبادي لين العريكة ضعيف ومتردد وواحد يوديه وواحد يجيبه ويستقتل من اجل البقاء بالمنصب كأي سياسي عراقي اخر من السابقين او من سيخلفه  ..وللأسف هذه الصفات هي المميزة لشخص العبادي وانا شخصيا اكن له الاحترام وارثي لحاله ..وبهذه الصفات لن يستطيع إدارة دفة الحكم بالعراق ..

العراق بحاجة الى حاكم يفرض للحكم هيبته ..اليوم لا يحترم احد العراق وشعبه ..فلا سيادة ولا قانون ولا اخلاق ولا نزاهة ..ويوميا يسمع المواطن بفضيحة مجلجلة ..سواء على الصعيد السياسي او العسكري او المالي او الدبلوماسي ..

المواطن العراقي كفر بكل شيء ..وبكل المشاركين بالعملية السياسية الذين يضحكون عليه ويصدرون قرارات ..لا تنفذ والجرائم ترتكب ليلا ونهارا سرا وجهارا ولا احد يعاقب ..وحتى ممثلي المرجعية ملوا ويأسوا فهم يطالبون ويناشدون ويتوسلون بالعبادي وهو يعطيهم اذن من طين واذن من عجين كما يقول اهل بغداد ..فقط احاديث وخطب ووعود ..بحيث اساء للمرجعية وهيبتها في عيون المواطنين من حيث لا يقصد ..

المعروف عن المرجع الأعلى السيد السيستاني انه ينأى بنفسه عن التدخل المباشر بالسياسة كي لايتهم بتشجيع طرف على اخر وقد ترك الامر بيد ممثليه في كربلاء وعن طريق خطب الجمعة ..ويبدو لي ان هذه الوسيلة فقدت نجاعتها وتأثيرها على الساسة الشيعة خاصة والعراقيين عموما …

اليوم زار النجف كل من رئيس الوزراء العبادي ورئيس مجلس النواب ولم يفلحا بمقابلة المرجع السيستاني ..وان دل هذا بلغة السياسة ..فيدل على انه غير راضي عن قادة العملية السياسية برمتها وانجازاتها  ..التنفيذية والتشريعية والقضائية ..ولاسيما بعد التركيز على ما يلي

أولا – بعد وفاة الدكتور احمد الجلبي ( ويشاع انه كان مقربا من المرجعية ) والرجل فارق الحياة وهو ممسك بملفات فساد تقشعر لها الابدان ..ويلاحظ ان لا احد التفت الى الوصية التي تركها بصدد الفساد والمفسدين علما انه اتهم الجميع ولاسيما القضاء بالتقصير ..ومن على شاشات الفضائيات ..والغريب اليوم ان الأغلبية من الشعب شنت حرب شعواء لدفنه في الصحن الكاظمي وتناسوا صرخات الرجل في فضح ملفات الفساد …وانا أرى ان الرجل قد مات ..سواء دفن في الكاظم او الجبايش فلا يعني شيء ..ولكن ملفات الفساد والفاسدين لازالت حية وتنخر وتنهش في أجساد فقراء العراق ..غريب عجيب امر العراقيين يتركون الحمار ويمسكون البردعة على قول المصريين ..وحاشا الدكتور المرحوم من هذا المثل والتوصيف ..فالامثال تضرب ولاتقاس ..

ثانيا – عجز العبادي عن حماية شعب العراق ولاسيما بعد حادثتي الطائرتين المحملة بمسدسات كاتمة الصوت والقناصات التي كانت ستساهم في قتل الالاف من العراقيين ..لان السفير الأمريكي وكالعادة تدخل وبرر وكذب ليسمح ولتطير الطائرتين والله واعلم ستعود لكردستان عن أي طريق

ثالثا – كل العراقيين يعلمون ان البرلمان فاشل وبالرغم من فشله سحب الصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء وبذلك الموقف فقد وجهوا طعنة (نفسية ) للعبادي ..بلعها وسكت ..

رابعا – رفاق الامس الذين ايدوه بالأمس في حزب الدعوة تخلوا اليوم عن العبادي ..ووجهوا له إنذارات موقتة زمنيا ..رد عليها بلحس قراراته الإصلاحية والتراجع عنها ..

خامسا – عجزه عن تنفيذ قرارات ادعى انها إصلاحية وفشل في حل مشكلة تصدير النفط من كردستان …او معالجة الميزانية او إيقاف الهدر ولا زال البنك المركزي يبيع الدولار ويشجع على غسيل الأموال وتهريبها بالرغم من نداءات الاختصاصيين والحرب الاستنزافية مستمرة

سادسا – طالبت المرجعية بإصلاح القضاء ومحاربة الفساد والفاسدين ..وبقي القضاء والوزراء والنواب ورؤوس الفساد بمناصبهم وعجز عن تبديل حتى مدير شرطة كركوك ..

سابعا – التحالف الدولي وكما يشاع يساعدون الإرهاب وليس خافيا من هم المشاركين بهذا التحالف من دول الجوار ومعظمهم لا يكنون الحب والمودة للعراقيين والعراق ..

ثامنا – وكل عراقي يعلم جيدا ما يجري في ساحات الوغى والقتال بطريقة (خذ عليك ورد علي) كما يصفها العراقيين وهي تراوح وبلا حسد في مكانها …لان أمريكا قررت ان الحرب يجب ان تستمر لثلاثين سنة

سابعا – اقامت أمريكا الدنيا ولم تقعدها لان العراق اشترك بلجنة رباعية (سموها حلف رباعي وبالحقيقة هو لا حلف ولا بطيخ ) فقط لتبادل المعلومات الاستخبارية بين سوريا وروسيا والعراق وايران ..

كل هذه الأمور تشير الى ان العبادي اذا استمر على هذه الحال ..سينتحر سياسيا ..ان لم يصحوا على زمانه ويتخذ القرار المناسب انقاذ العراق من ورطته ومشاكله فورا…..وكما قال الشاعر

اما حياة تعز الصديق      واما ممات يغيض العدى

وانني اعتقد شخصيا ..التجربة التي خاضها العبادي قاسية جدا وليست له القابلية لمواصلة المسيرة …فالأفضل له ان يعيد الراية الممزقة والمهترئة الى أصحابها …(وليند كون كبة) كما يقول العراقيون .. وقبل ان يفرض الشعب عليه الانتحار السياسي اجبارا .. لان أمريكا ليس لديها صديق دائم ..

وانني اعتقد من صالح العراق ان يتمرد العبادي على املاءات الولايات المتحدة الامريكية والمهينة باستمرار لشعبنا ويجب عليه ان تعاقب دولة الاحتلال وحلفاءها من أعداء العراق  على تدميرهم المستمر حتى يومنا هذا  للعراق ..ولاسيما وان القيصر بوتن جاهز لاقتناص الفرصة التاريخية التي لن تتكرر .. ولو انني واثق ان المتعصبين طائفيا لن يرضوا ولن يوافقوا على اقتراحي هذا ..ولكنني عراقي وافتخر بحبي واخلاصي للعراق ..

اللهم احفظ العراق وأهله أينما حلوا او ارتحلوا