22 نوفمبر، 2024 1:57 م
Search
Close this search box.

معارك تحرير الموصل .. لحظــة تاريخية فاصلــة

معارك تحرير الموصل .. لحظــة تاريخية فاصلــة

كان من ثمار زيارة الرئيس بارزاني الى العاصمة الاتحادية بغداد ، حلحلة الاوضاع الراكدة ، وتأكيد عملية السيرورة العملية السياسية والاتفاق على خارطة طريق لحل المشكلات العالقة ، التي ليس من المصلحة لاي كان بقاؤها لان ترك الامور على الغارب، يلحق افدح الضرر بقضايا البلاد الكبرى ومسار التعايش المجتمعي الاخوي، ويعرض مصالح المجتمع بمختلف مكوناته الى سبيل التناقضات التناحرية ، التي تهدد امن وسلامة الجميع ، خاصة ان تحديات جسيمة تحدق بالبلاد ، فضلا عن تداعيات البنية الداخلية على مستوى الدولة والمجتمع ، وما تعانيه من ظواهر متفاقمة ، اضحت تحديا خطيرا يواجه العملية السياسية وبالتزامن مع الحرب على الارهاب ، الذي اصبح حربا على اكثر من صعيد ومستوى وهو ما يتطلب مواجهته بحزم وعزم ، لاقتلاع جذوره وايقاف دوره التخريبي الذي يريد شل البلاد وخنقها بالمشكلات والمحن ، سواء تلك التي نتاج همجيته الارهابية وتخريباته ، ام اللعب على التناقضات والفتن ، وهي ما تتطلب اليقظة والوعي في التعامل مع مختلف قضايا البلاد .
إن التصدي للإرهاب المتشظي ، يحتاج بلا شك الى تنسيق وتفاهم مشترك خاصة بين الحكومة الاتحادية واقليم كوردستان ، بعدّهما جبهة المجابهة الاوسع مساحة وعمقا مع الارهاب الداعشي ، ومن اجل تحقيق مكتسبات ملموسة على الارض لابد من تضافر الجهود وتنسيقها معا والعمل على مختلف الصعد سياسيا وعسكريا ولوجستيا ، وهي مفردات زمام المبادرة .
احدى معطيات زيارة الرئيس بارزاني هي الخروج بمفاهمات ازاء قضايا متعددة ، لعل بينها الشروع بتحرير احدى كبرى المدن العراقية مدينة الموصل من براثن الارهاب وتخليص البلاد منه ، تمهيدا لإعادة الجسور لحث الخطى باتجاه محاولات النهوض ، التي هي قدر البلاد التاريخي في ان تصنع تاريخها من جديد وسط زمن مفوت واسع البون ، وقادم غير قابل للسهو والنسيان ، اذ لم يعد هناك المزيد من الوقت للهدر ونأمل في ان تكون خطوات للأمام .
انطلقت قبل أيام معركة تحرير الموصل ، وهي كبرى المواجهات التاريخية التي تخوضها البلاد في تاريخها المعاصر ضد قوى الإرهاب ، ولحظة تاريخية حاسمة ستضع البلاد في موقع تاريخي آخر ، وتشكل لحظة استدراك لفرصة تاريخية لمواصلة المشوار .
لم تعد أهداف الإرهاب خافية بعد إن غدت واضحة المعالم للعالم ، الذي يصحو كل يوم على جرائمه المتعددة وفي بقاع مختلفة لتخلف وراءها المزيد من الضحايا
والخراب ، ورماد أشياء جميلة حية يقظة في ذاكرة الشعوب والحياة ، مثلما هي عار الإرهاب وبؤسه وخطواته التي تقود نهايته البائسة في مزبلة التاريخ.
الإرهاب كلف البلاد نفسا عزيزة ودماء غزيرة طاهرة ، سواء سالت وتسيل جراء جرائمه التفجيرية ، ام في المواجهات معه حيث حربه الهمجية التي ليست كسائر الحروب فهي مثل عقليته وذهنيته العفنة تماما ، حيث يستخدم فيها أحط الوسائل واقذرها ، وهي بجملتها تفتقر إلى ابسط المبادئ والمقومات الإنسانية وتعكس بنيته الأخلاقية والقيمة الهادفة إلى الحط من الإنسان ، وكرامته وتحطيم منجزاته الحضارية لانها تذكره بدونيته ، اذ ليس في جعبته سوى افانين الموت .
وهذه لابد لها من صدى اعلامي يصل الى الاهالي في مدينة الموصل ، التي لا يكف الارهاب عن بث الاكاذيب المضللة عن القوى العسكرية والامنية والبيشمركة ، لابد من فضح الارهابيين وتبيان مقاصدهم التي ترمي الى احجام الاهالي على التصدي لهم من الداخل ، والمساهمة في القضاء عليهم وتطهير المدينة منهم .
يتوسل الإرهاب شتى السبل للوصول إلى مقاصده ، فهو يحاول استخدام كل المجالات وما توفره حضارة الفكر البشري من انجازات على مختلف الصعد لتوظيفها في مهمته التدميرية ، خاصة إيديولوجية وتكتيكه في النفاذ من ثغرات التناقضات ، ومحاولة خلق الفتن لجر الصراعات إلى حلبته لأنها وقود النيران التي يريد إشعالها في كل مكان . ومن هنا تأتي أهمية استدراك اللحظات التاريخية الحاسمة ، وتقدير
الأمور بقراءة واعية للواقع وإبعاد تأثيراته خاصة في بلدنا ، الذي يعاني من مشكلات كبيرة مع مختلف الصعد وتعيد بناء المجتمع والدولة بشكل جدي ، ما لم يعمد إلى برنامج وطني يتكفل بإعادة المسارات الى شكلها الصحيح، وهي ما تتطلب مفاهمات وطنية بين مختلف قواه ومكوناته ، لرسم خارطة طريق لتبعده عن شبح الاختلافات التي تجعله في مفترق طرق وتلك لحظة حاسمة أخرى نتمنى ان تكون بعيدة على الدرب. في بلدنا الذي يعدّ ميدان اختبار لمناقشة الافكار والتوجهات المختلفة ، ومنها تيارات بوجوه مختلفة دينية وقومية حرضت على الفتنة ، وتلك كانت اماني الارهاب في الطرق على هذا الوتر الحساس ، لكن صمود الشعب العراقي ازاء موجات الكراهية وقبر هذه المحاولات، ومقدار هذا الصمود حاضرا ومستقبلا يعدّ محكاً للنجاح في ديمومة العملية السياسية ، وصيانة الحرية الثقافية وحقوق المواطنة .
شبعت البلاد في تاريخها المعاصر من شبح الحروب الكارثية وخرابها ، الذي اجهز على مقدرات البلاد فإعادة البنية التحتية وتحسين المستوى المعيشي ومعالجة حالات الفقر والتخلف الاجتماعي والفكري الذي يشكل تهديداً وتحدياً كبيراً إزاء ما يحدق بالبلاد ، فبقاء التخلف يشكل أرضية خصبة لسربلة البلاد في حالة الجمود والتراجع ، وهو ما يفاقم الأمور ويضع العصي في عجلات نهوض التجربة السياسية وتقدمها ، بما يهيئ لها الخطوات الأساسية اللازمة لنجاحها ، التي بدونها يفقد
المشوار السياسي معناه لتضيع في لجة المشكلات والصراعات التي تهدد أي مجتمع بالفقر والضياع .
في المواجهة التاريخية الفاصلة يجري تنسيق عال على المستويات العسكرية واللوجستية بين قوات البيشمركة وقوات الجيش والشرطة الاتحادية ، وهو تأكيد حقيقي على حضور الارادة الوطنية الواعية وتذليلها لاعقد الصعاب في واحدة من المهمات الوطنية الكبرى ، وهي خطوة ظافرة وفرصة تاريخية لإعادة مسار البلاد فتلاحم قوات البيشمركة مع فصائل الجيش العراقي والقوى الأمنية الأخرى وفصائل الحشد في معركة تاريخية وفاصلة تعطي البعد الحقيقي والتاريخي لما ينجزه تضافر الجهود ، حيث تختصر الأزمات والمسافات وهي رؤية واعية عابرة تعبر عن ان حضورها عابر لمديات كل القضايا والمشكلات ، التي تواجهنا حيث نستطيع عبورها بالتلاحم والتفاهم الواعي للحال وللمصائر وهي إحدى أهم المعطيات التي يجب استدراك معطياتها ونتائجها .
إن تضحيات البيشمركة البطلة هو امتداد لتاريخها النضالي المشّرف ، فهذه القوة المقاتلة الكوردستانية التي ارتبطت تضحياتها بقيم ومبادئ سامية ، فتحّت جناحها الوارف ليعيش الالاف من المناضلين العراقيين الهاربين من جحيم وبطش الانظمة القمعية المقبورة ، مثلما احتمى ويحتمي الآن بظلالها اكثر من مليوني نازح ومشرد حيث افتدتهم بالأرواح من اجل ان ينعموا بالأمن والسلام ، إن مأثرة البيشمركة في
تحطيم اسطورة داعش الارهابي وسط موجة خوف نسجت مع بداية هجماته ، واثبتت للعالم بان الارهاب ينكسر بصلابة المدافعين عن الحق والحياة والعدل والحضارة ، ومن دواعي الاسف ان تجحف حقوقها طوال المرحلة الماضية.
التضحيات التي تقدمها قواتنا البطلة والدماء الزكية والأرواح المقتدية كلها ترتب حقوقاً إضافية على الجميع إدراكها ، والسعي لتخليص البلاد من براثن الفساد الذي أعاق نمو البلاد والإنسان العراقي في مختلف المجالات ليغدو كابوساً آخر. إزالة الفساد هو جبهة أخرى لا تقل أهمية عن هذه المواجهة ، فقوى الفساد التي تريد لأوضاع البلاد ان تتعسر كما هي بل ان تسير في الاتجاه المقلوب لا يهمها مصائر الناس ومستقبلهم ومعاشهم ، لأنها تريد مصادرة كل شيء لحسابها وهي معركة حياة او موت لأنها تستهدف تقدم المجتمع فلابد من معالجة هذا الداء الذي استفحل كثيراً وغدا غولا لا يريد السيطرة عليه من احد وهو وجه آخر من أوجه التحدي لبناء البلاد.
إن معارك تحرير الموصل التي نأمل بقرب انتهائها وتحريرها ، فرصة اخرى من اجل اعادة المسار في تقويم العملية السياسية وان تبدأ صفحة جديدة تعيد الامل للنفوس وتزيل القلق الذي رافق فصولاً منها.

أحدث المقالات