ابتداءً! فإن الديموقراطية ليست إلا مصطلحاً جاهلياً، عُبيدياً، بشرياً.. اصطنعه البشر منذ قديم الزمان، منذ أيام الحكم اليوناني قبل الميلاد، ثم انتقل إلى الحكم الروماني، ومن بعدها عَمَّ سائر بلدان العالم.
ومعناه في اللغة اليونانية هو: (حكم الشعب بالشعب) يعني اصطناع نظام لحكم الشعب بقوانين من تأليف حفنة من الشعب، الذين سيكونون فيما بعد بمثابة الآلهة من دون الله، يشرعون ما تهواه الأنفس، وما يُرضي رغبات الشعب.
فإذا كان الشعب، يهوى الزنى، أو يعشق الدعارة، أو يحب الشذوذ الجنسي، ويميل إلى زواج الذكران مع الذكران، كما كان يفعل قوم لوط ، أو يهوى التعري، وكشف السوءات، والعورات القبيحة، المقززة، في الطرقات، والشوارع.. فتصدر قوانين بإباحة ذلك.
أو إذا كان الشعب، أو شرذمة منه، تكره الفضيلة، وتشمئز من لباس الحشمة، والعفاف، وستر العورات – التي يحرض على كشفها الشيطانُ كما فعل بأدم وزوجته، حينما أغراهما بالأكل من الشجرة المحرمة، ليبدي لهما سوءاتهما – وتُبغض لبس الحجاب الذي يحجب زينة المرأة، ويمنع انتشار فتنة إغراءاتها الجنسية.. فإنهم يحاربون ذلك، ويصدرون القوانين التي تمنع حرية لباس الفضيلة، في الوقت الذي يسمحون بحرية لباس الرذيلة.
مع أنهم يتشدقون، ويتبجحون.. بأنهم يحرصون على تأمين حرية الفكر، والتعبير، واللباس للجميع.
ولكنهم كاذبون! فيما يخص لباس الطهارة، والفضيلة.. فهم يشمئزون من رؤية هذا اللباس الحضاري الراقي، ويعملون كل ما في وسعهم على منعه، وإلغائه من الوجود.. كما فعل قوم لوط مع المؤمنين؛ فطالبوا بإخراجهم من قريتهم؛ لأنهم يتطهرون عن فعل السيئات ﴿أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ الأعراف 82.
طقوس الديموقراطية
ومن الطقوس، والشعائر الديموقراطية.. إجراء انتخابات كل بضع سنوات. فيتقدم بعض أفراد الشعب سواء كانوا ينتمون إلى أحزاب، أو هيئات، أو مستقلين؛ ليكونوا هم الممثلين عن الشعب، ويطلبون من بقية الشعب أن ينتخبهم.
وهنا تجري معارك طاحنة بين المرشحين. فكل شرذمة منهم، تصارع على أن تكسب أكبر عدد من المقاعد النيابية؛ لتتمكن من حكم البلاد دون سواها.
وفي خلال الحملات الانتخابية الدعائية! يستخدم كل فريق، الأساليب، والوسائل التي تروق له؛ دون وازع من ضمير، أو أخلاق، أو دين.
بل هم أصلاً! لا يعيرون للدين أي اعتبار، ولا اهتمام، إلا من لافتات، وشعارات هزيلة؛ تُستخدم لكسب مزيدٍ من أصوات الهمل، والقطيع التائه، الضائع الذي يهتم بأداء الطقوس والشعائر الدينية الباردة الجامدة.
لا يتورع المرشحون للانتخابات؛ أن يستخدموا كل الوسائل، والأساليب بمختلف أنواعها – الهابطة، والمتدنية، والخسيسة – فهم براغماتيون، مكيافيليون.
ليس لديهم مبادئُ، ولا قِيَمٌ خُلقيةٌ، وإن تظاهر بعضهم بها. فهم مستعدون للتضحية بها، والتجرد منها، والتخلي عنها؛ لقاء الفوز بمناصب في المجلس النيابي.
ولا يتورعون أن يستخدموا قضايا اللاجئين، والمهاجرين، كطريقة ذميمة، قميئة؛ للتقرب إلى الشعب؛ لكسب أصواته.
تلاعب المرشحين بحياة الناس
فيستخدمون حياة الناس، ومصيرهم، وأمنهم، واستقرارهم.. كوسيلة ضغط مهينة، ذليلة.. فيهددون بطردهم، ونبذهم وراء الحدود؛ ليرضوا حفنةً من الناس، وليكسبوا أصواتهم.
ومرشحون آخرون! يستخدمون قضية لباس العفة، والفضيلة، والنظافة المتمثل في حجاب المرأة المسلمة؛ للتقرب إلى الشعب، ودغدغة عواطفه، ومشاعره المتأججة ضد الطهارة، والفضيلة.. فيعلنون في برامجهم الانتخابية الدعائية، دون استحياء، ولا خجل.. على الملأ، إنهم سيعملون على إلغاء هذا اللباس الإسلامي بالذات، أما اللباس الكنسي للراهبات، فمسموح به، ولا عدوان عليه.
إنها مهرجاناتٌ فولكلورية، وسركية، وهزلية، ومضحكة، يزاولها ويمارسها عبيد السلطة، والكراسي؛ يستخدمون فيها القضايا الدينية، والإنسانية.. كوقود للمعارك الانتخابية، ويقدمون الله، والدين، والإنسان، والأخلاق.. كقرابين على مذبح الانتخابات.
إن منظر هؤلاء العبيد! وهم يستغيثون بالعبيد من أمثالهم؛ ليدعموهم، ويساندوهم، ويقفوا إلى جانبهم في حملاتهم الدعائية، التحريضية ضد الإنسانية المسكينة.. يدعو إلى الرثاء، والتهكم، والسخرية من عقولهم الصغيرة، وتفكيرهم الطفولي الأرعن الأهوج.
إن كل هذه المظاهر التي وصفناها آنفاً، هي مظاهر جاهلية، لا تمت إلى الإسلام بأي صلة، وإن استخدمها من ينتسبون إلى الإسلام.
لأن الديموقراطية! نظامٌ جاهليٌ، عُبيديٌ، بشريٌ، يعادي، ويحارب نظام الله، ويغتصب سلطة الحكم من الله تعالى، وهي أهم خاصية من خصائص الألوهية.
فالله تعالى! أرسل الرسل من أولهم إلى آخرهم؛ ليدعوا إلى عبادة الله الواحد الأحد – ومن العبادة الطاعة – وألا يُحَكَّم في شؤون البشر، إلا الله سبحانه ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ المائدة 49. ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ يوسف 40.
ويعلق سيد قطب رحمه الله على هذه الآيات فيقول: (فالتحذير هنا أشد وأدق؛ وهو تصوير للأمر على حقيقته. . فهي فتنة يجب أن تحذر. . والأمر في هذا المجال لا يعدو أن يكون حكماً بما أنزل الله كاملاً؛ أو أن يكون اتباعاً للهوى وفتنة يحذر الله منها.
(ثم يقفهم على مفرق الطريق. . فإنه إما حكم الله، وإما حكم الجاهلية. ولا وسط بين الطرفين ولا بديل. . حكم الله يقوم في الأرض، وشريعة الله تنفذ في حياة الناس، منهج الله يقود حياة البشر. . أو أنه حكم الجاهلية، وشريعة الهوى، ومنهج العبودية.. فأيهما يريدون؟
(أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟). .
ما هي الجاهلية؟
(إن معنى الجاهلية يتحدد بهذا النص. فالجاهلية – كما يصفها الله ويحددها قرآنه – هي حكم البشر للبشر، لأنها هي عبودية البشر للبشر، والخروج من عبودية الله، ورفض ألوهية الله، والاعتراف في مقابل هذا الرفض بألوهية بعض البشر وبالعبودية لهم من دون الله. .
(إن الجاهلية – في ضوء هذا النص – ليست فترة من الزمان؛ ولكنها وضع من الأوضاع. هذا الوضع يوجد بالأمس، ويوجد اليوم، ويوجد غداً، فيأخذ صفة الجاهلية، المقابلة للإسلام، والمناقضة للإسلام.
(والناس – في أي زمان وفي أي مكان – إما إنهم يحكمون بشريعة الله – دون فتنة عن بعض منها – ويقبلونها ويسلمون بها تسليماً، فهم إذن في دين الله. وإما إنهم يحكمون بشريعة من صنع البشر – في أي صورة من الصور – ويقبلونها فهم إذن في جاهلية؛ وهم في دين من يحكمون بشريعته، وليسوا بحال في دين الله. والذي لا يبتغى حكم الله يبتغي حكم الجاهلية؛ والذي يرفض شريعة الله، يقبل شريعة الجاهلية، ويعيش في الجاهلية.
وهذا مفرق الطريق، يقف الله الناس عليه. وهم بعد ذلك بالخيار!
ثم يسألهم سؤال استنكار لابتغائهم حكم الجاهلية؛ وسؤال تقرير لأفضلية حكم الله.
(ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟). .
وأجل! فمن أحسن من الله حكماً؟
(ومن ذا الذي يجرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس، ويحكم فيهم، خيراً مما يشرع الله لهم ويحكم فيهم؟ وأية حجة يملك أن يسوقها بين يدي هذا الادعاء العريض؟
(أيستطيع أن يقول: إنه أعلم بالناس من خالق الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أرحم بالناس من رب الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أعرف بمصالح الناس من إله الناس؟ أيستطيع أن يقول: إن الله – سبحانه – وهو يشرع شريعته الأخيرة، ويرسل رسوله الأخير، ويجعل رسوله خاتم النبيين، ويجعل رسالته خاتمة الرسالات، ويجعل شريعته شريعة الأبد.. كان – سبحانه – يجهل أن أحوالًا ستطرأ، وأن حاجات ستستجد، وأن ملابسات ستقع؛ فلم يحسب حسابها في شريعته لأنها كانت خافية عليه، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان؟!
(ما الذي يستطيع أن يقوله من ينحي شريعة الله عن حكم الحياة، ويستبدل بها شريعة الجاهلية ,حكم الجاهلية؛ ويجعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب، أو هوى جيل من أجيال البشر، فوق حكم الله، وفوق شريعة الله؟
ما الذي يستطيع أن يقوله. . وبخاصة إذا كان يدعي أنه من المسلمين؟!
الظروف؟ الملابسات؟ عدم رغبة الناس؟ الخوف من الأعداء؟. . ألم يكن هذا كله في علم الله؛ وهو يأمر المسلمين أن يقيموا بينهم شريعته، وأن يسيروا على منهجه، وألا يفتنوا عن بعض ما أنزله؟
(يستطيع غير المسلم أن يقول ما يشاء. . ولكن المسلم. . أو من يدعون الإسلام. . ما الذي يقولونه من هذا كله، ثم يبقون على شيء من الإسلام؟ أو يبقى لهم شيء من الإسلام ؟
(إنه مفرق الطريق، الذي لا معدى عنده من الاختيار؛ ولا فائدة في المماحكة عنده ولا الجدال. .
(إما إسلام وإما جاهلية. إما إيمان وإما كفر. إما حكم الله وإما حكم الجاهلية. .
(والذين لا يحكمون بما أنزل الله هم الكافرون الظالمون الفاسقون. والذين لا يقبلون حكم الله من المحكومين، ما هم بمؤمنين. .) ظلال القرآن المائدة ص94-95.
وهكذا تكون معاركُ الديموقراطية الانتخابية.. معاركَ جاهليةٍ، ومعاركَ استهزاءٍ، وسخريةٍ بعقول الناس.
وكلُ المرشحين! يعمل على دغدغة مشاعر الناس، ويربت على شهواتهم، ويسعى سعياً حثيثاً إلى إرضائهم، وخشيتهم، دون المبالاة، ولا الاهتمام برضاء الله الذي يحذر أشد التحذير ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ التوبة 13.