28 مايو، 2024 10:20 ص
Search
Close this search box.

معارض مدى الحياة/ 8

Facebook
Twitter
LinkedIn

أمسكت بالهاتف وأتصلت بأهل زوجتي وقلت : مرحبا  أنا كامل فصرخوا ولم يصدّقوا أني حي ولم يصدّقوا أني أنا المتكلم وبدأ الصراخ والبكاء ولم أفهم منهم شيئاً  ، فقلت سأتصل بكم من كندا وأغلقت الهاتف . توجهنا الى الطائرة لنقلنا الى تورنتو الكندية  ، أقلعت الطائرة من أمستردام وبعد ساعات طويلة هبطت في مطار تورنتو في الساعة 4:37pm. بتوقيت تورنتو في  4/ 12 / 1995 فأمسكت القلم وكتبت في دفتر مذكّراتي الصغير  (( تورنتو/ الساعة  pm. 4:37  ، 4/12/1995 هو يوم مولدي  )) ، ثم صعدنا طائرة أخرى لتنقلنا الى مقر اقامتنا في مدينة ساسكتون في ولاية سسكاجوان ، وأقلعت الطائرة في الساعة 8:00 ليلاً ثم وصلنا مطار ساسكتون وكان بياض الثلج يغطي المدينة بأكثر من قدمين والبرودة ( – 47  و 57- بتأثير الريح ) تحت الصفر فقلت : ( هذا هو ثمن الحرية ولاينال الأنسان كل ما يتمنى ) . تم استقبالنا من قبل ممثلي دائرة الهجرة الذين رحبوا بنا ونقلونا الى أحد الفنادق ، وفيه أتصلت مرة أخرى بالأهل في بغداد وسط مشاعر اشتياق وقلق وخوف عليهم وغيرت اسمي أثناء المكالمات الى ( جمال / وهو اسمي الحقيقي منذ الولادة ثم غيره والدي(كما أخبرني )  يرحمه الله لتغير سياسة جمال عبد الناصر اتجاه العراق آنذاك ) المهم أستخدمته للتمويه ، مكثنا في الفندق حتى 11/12/1995 ثم انتقلنا الى مدينة كالگري في ولاية ألبرتا بواسطة الباص في رحلة 8 ساعات في جو ثلجي شديد البرودة ، وصلنا المدينة وتوجهنا الى بناية يسكنها بعض الأصدقاء العراقيين ممن سبقنا بالوصول ، وتعرّفنا في البناية على شاب لبناني ( رامي الفقيه ) وبعد حديث معه تأثر بما سمع من أنواع التعذيب والأضطهاد من قبل السعوديين  واستأذننا بالأتصال بأهم صحيفة في المدينة  ( Calgary Herald  ) وأخبرهم فجاءت صحفية ومعها مصور وتم اللقاء وأُلتقطت بعض الصور لي ولآثار التعذيب لي ولمن كان معي من الشباب وعند الأنتهاء من اللقاء أعطتني بطاقة فيها اسمها ورقم تلفونها وقالت : رجاءاً أتصل بي عندما تأتي عائلتك الى كندا  وأوعدتها بذلك ، ونُشر ذلك اللقاء في الصحيفة مع صورتي ، ثم ذهبنا في اليوم التالي الى بناية استقبال اللاجئين وكان في أستقبالنا السيدة ( سلطانة / موظفة الهجرة ) حيث قامت بإكمال كافة أوراق الهجرة وفتح حساب بالبنك وبطاقة رقم الضمان الأجتماعي والبطاقة الصحية وايجاد سكن شقة لكل لاجيء ، مكثت في الشقة شهران أتلقى من حكومة كندا مبلغ من المال يكفي للعيش وكلفة ايجار الشقة ، وبقي الهم الوحيد هو كيف أنتشل عائلتي من بغداد ومن نظام البعث وملاحقة الأمن  ، فأضطررت الى العمل في معمل لأنتاج اللحوم وكان (( أشغال شاقة كفّرني بيوم مولدي ) وتحمّلت وصبرت أكثر من سنة كنت أبعث الأموال لعيشهم ولإيجاد طريقة لهروبهم من بغداد وتم بفضل الله وجهود أخيها ( الراشي ) من شراء جوازات سفر بمليون دينار للجواز الواحد من مكتب الجوازات في بغداد من الموظف ( المرتشي )( أبو سارة ) دون ادخالها في نظام الكمبيوتر وفعلاً تم سفر زوجتي بصحبة أخيها ( المحرم ) وأطفالي الثلاثة الى عمّان /الأردن ، وعملت ليل نهار لتغطية تكاليف معيشتهم في عمان ومعيشتي في كندا ، ثم قمت بإنجاز معاملة كفالتهم والأتصال بالسفارة الكندية وبالصليب الأحمر وبمكتب الأمم المتحدة للاجئين في عمان لأني ذكرت أسمائهم في اضبارتي بمكتب الأمم المتحدة ، والحمد لله تم تسهيل منحهم الفيزا وسفرهم ، وقبل وصولهم أتصلت بالصحفية التي أوعدتها ففرحت وأخبرتها بوقت الوصول ،  وفي يوم  1997/9/27 ذهبت بسيارتي الى المطار بصحبة ( سلطانة / موظفة الهجرة ) التي أحبت الحضور ، وصلنا قاعة استقبال المسافرين وبيدي باقة من الزهور فوجدت الصحفية مع المصور قد وصلا قبلنا ، سلمت عليهما وشكراني لأتصالي بهما ثم انشغلنا بالحديث وسألتني : متى تركتهم ؟ قلت : 1990/12/28  ، قالت واليوم  1997/9/27  يعني لم شملكم بعد  7 سنوات ؟ قلت نعم ، ثم بكت . وصل مسافرو الرحلة ووقفت أمام الباب حاملاً الورد لأستقبال عائلتي  ، وصلوا فعانقتهم جميعاً الا ابنتي الصغيرة التي لم تراني حيث تركتها بعمر 6 أشهر في رحم أمها فكنت لها غريباً وكانت مترددة في اللحظات الأولى ، التقط المصور عشرات الصور وسط تصفيق الحاضرين بعدما علموا بقصتنا ، ثم بدأ الحوار مع زوجتي ومعاناتها ومعانات أهلها جراء التفتيش الدوري لبيت أهلها من قبل الأمن والأستخبارات ومضايقتهم بأستمرار ، المهم شكرت الحضور وذهبت مع عائلتي الى سيارتي في موقف السيارات في المطار ووضعت حقائبهم في السيارة وصعدنا واتجهنا الى شقّتي  وأنا أسأل نفسي لماذا كل هذه المعانات ؟ ولماذا الغربة عن الوطن ؟ وما سر القوة التي تجعل شخصاً واحداً كصدام يُجبر  7 ملايين شخصاً على غربة الوطن ؟؟ ووجدت الجواب أن القوة ليست في السلطان وانما في عملاءه من أراذل الشعب ، المهم فرح الجميع وحمدنا الله على لم الشمل من جديد  . ذهبت في الصباح الى أقرب صندوق للصحف لأجلب صحيفة (   Calgary herald  ) فوجدته فارغاً ، ذهبت الى الصناديق في منطقة سكني فلم أجد واحدة ثم ذهبت الى محل ماكس ( macs   ) فوجدت البائع فيه مصري الجنسية قلت له أعطني ما عندك من صحيفة ( Calgary Herald   ) نظر في وجهي وفي أول صفحة في الصحيفة  وقال : ( مش معقول  ، أنت بطل الصحيفة هذا اليوم ، الحمد لله على سلامة الأهل وألف مبروك يا سيدي ،  مابقي عندي غير  4  صحف  ) قلت : أعطني اياها  ، أشتريتها وكانت قصتنا تتصدر عناوين الصحيفة ولازلت محتفظاً بها ، وبعد ساعات بدأت المكالمات الهاتفية للتهنئة من كنديين لم أعرفهم ومن أصدقاء عراقيين ولبنانيين أحسست حينها أننا فعلاً من رحم واحد ( رحم حواء ) وأن قذارة السياسة مزقتنا . سألت زوجتي : كيف حال الوالدة والوالد  ؟ قالت بخير والحمد لله ،  أحسست أنها تخفي شيئاً وقلت الحمد لله . يتبع
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب